الأزمة المعيشية في سوريا كانت العلامة الأبرز لحياة السوريين، مع نهاية شهر رمضان والدخول في موسم الأعياد، سواء في مناطق سيطرة حكومة دمشق أو في مناطق المعارضة. فالصعوبات الاقتصادية ما تزال ترمي بحملها على كاهل جميع سكان البلاد.

وفي الشمال السوري، الخاضع لقوى وفصائل المعارضة، ارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل كبير، بالارتباط بأزمة الاقتصاد التركي. فإضافة  إلى الاعتماد على الزراعة، توفر مناطق الشمال كثيرا من حاجاتها عبر المواد المستوردة من تركيا، وتعتمد الليرة التركية عملة رئيسية للتداول، ماجعل لانخفاض قيمة الليرة انعكاسات مباشرة على حياة السوريين ومستوى معيشتهم، خاصة مع ازدياد الطلب، المرافق لشهر رمضان والعيد.

وفقدت العملة التركية، خلال العام الأخير، أكثر من نصف قيمتها، ما زاد الأزمة المعيشية في شمال سوريا، الذي يعاني سكانه أصلا من ارتفاع معدلات البطالة. إذ تعتمد المنطقة بشكل رئيسي على المشاريع الصغيرة، التي تدعمها المنظمات الدولية. إضافة إلى بعض الاستثمارات الصغيرة للسكان، والتي ينحصر أغلبها بأعمال تجارية بسيطة، مثل تجارة التجزئة، والملابس والمستوردة من تركيا؛ أو المهن اليدوية الحرة، التي تتطلب مواد أولية، تخضع لتسعيرة العملات الخارجية، وعلى رأسها الدولار.

ويمكن القول إن الغزو الروسي لأوكرانيا كان السبب المباشر لتصاعد الأزمة المعيشية في سوريا، وخاصة مناطق الشمال، فهذه البقعة من العالم لن تبق بمنأى عن المشاكل الاقتصادية الكبيرة، التي تعيشها مختلف الدول اليوم.

الأزمة المعاشية في سوريا جعلت الناس تحت رحمة التجار

“تضاعف الأسعار هو السمة الأبرز للأزمة المعيشية في شمال سوريا، إذ بات متوسط المصروف اللازم للفرد في اليوم الواحد يتراوح بين خمسة إلى عشرة دولارات، وتأمين هذا المبلغ صعب لأغلبية السكان، خاصة أن متوسط الأجور لا يتجاوز أربعة دولارات في اليوم لكثير من المهن، إن وجد الناس عملا أصلا”، بحسب محمد عرب، وهو تاجر سوري يعمل بمجال أجهزة الانترنت.

ويتابع عرب في إفادته لـ”الحل نت”: “كل الأسعار ارتفعت بمقدار الضعف تقريبا. السكر كنا نشتريه بعشر ليرات تركية تقريبا، وأصبح بخمس عشرة ليرة قبل رمضان، وما زات أسعاره بازدياد. والخبز أيضا تأثرت أسعاره بشكل واضح، فقد كنا نشتري ربطة الخبز، والتي يقدّر وزنها بتسعمئة غرام، بحوالي ثلاث ليرات، والآن سعرها خمس ليرات، وانخفض وزنها ليصبح أقل من ستمئة غرام”.

أما عن توافر المواد الأساسية فيقول التاجر السوري إن “وجود المواد في الأسواق يتعلق بالعلاقات مع المناطق المصدّرة، فبعض المواد يتم استيرادها من مناطق حكومة دمشق، ووصولها يخضع للحالة الأمنية. وحين تغلق الطرق، يتم التركيز على الاستيراد من تركيا، وهذا يخلق نوعا من الاحتكار. مايزيد قدرة بعض التجار على التحكم بالأسعار، التي تتأرجح أصلا بتأرجح الليرة التركية”.

مناطق نجت نسبيا من الأزمة المعيشية

من جانب آخر يرى السيد عرب أن “هنالك مناطق استفادت من الظرف الاقتصادي الجديد، فنجت نسبيا من تبعات الأزمة المعيشية في سوريا، كحال مدينة سرمدا، التي تحولت إلى نقطة تجارية مهمة للبضائع بين تركيا من جهة، وإدلب المدينة والمنطقة الجنوبية للمحافظة من جهة أخرى. كما شهدت بعض المناطق الخاضعة لحكومة الإنقاذ ازدهارا اقتصاديا، لأنها تحولت، مثل سرمدا، إلى مركز مهم على الطريق الواصل بين تركيا وإدلب”.

مختتما حديثه بالقول: “سرمدا حاليا تتوسع وتمتد عمرانيا، حتى وصلت إلى منطقة الدانا. وساهمت هذه التوسعة أيضا بازدهار تجارة المواد الأولية للبناء، ومارافقها من مشاريع، جعلت من فرص العمل أكثر توافرا في المدينة. إلا أن ازدياد الطلب على المواد أدى لرفع الأسعار أيضا”.

الأزمة هي الحالة “الطبيعية” في مناطق النزاع

فؤاد حلبي، أستاذ الاقتصاد في جامعة عين شمس، يؤكد أن “اقتصاد الشمال السوري هش وغير متماسك، وتنعكس عليه أية هزة أو أزمة اقتصادية بشكل مباشر، فهو ليس اقتصاد دولة متماسكة مثل تركيا”. 

وفي هذا السياق يوضح  الحلبي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “الاقتصاد في المناطق الحربية ومناطق النزاعات هو اقتصاد فردي بطبيعته، لايخضع لقوانين الاقتصاد الطبيعي. فيتحرك بتحرك الدول الداعمة عسكريا أو إداريا، مايجعل حالة عدم الاستقرار هي الحالة الطبيعية، وهذا من أهم أسباب الأزمة المعيشية في سوريا”.

متابعا بالقول: “بسبب تهاوي قيمة العملة المحلية يلجأ التجار دائما إلى تثبيت الأسعار بحسب العملة الصعبة، وهذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلك العادي، مايخلق أزمة معيشية من الصعب مواجهتها”. 

ويرى الحلبي أن “الأزمة المعيشية والمشكلة مع ارتفاع الأسعار ليست موجودة فقط في مناطق النزاعات، فهي باتت مشكلة عالمية، خاصة مع حالة التضخم في الاقتصاد العالمي، الذي شهد أزمات متتالية، من انتشار فيروس كورونا وحتى الغزو الروسي لأوكرانيا. وأغلبية دول العالم تعاني من وضع اقتصادي صعب، فحتى في أوروبا توجد أزمة في توافر الزيوت والطحين، كما هو الحال في ألمانيا وفرنسا. إضافة لهذا فإن التضخم زاد في معظم الدول، وفي تركيا خصوصا، حيث بلغ التضخم رقما كبيرا جدا، وصل إلى أكثر من خمسة وخمسين بالمئة، وهذا خلق أزمة أسعار في تركيا. ما يعني أن الأسعار والأزمة المعيشية في الشمال السوري ستتضاعف. ومع الأجور المنخفضة وقلة فرص العمل، سيصبح الوضع أصعب بكثير بالتأكيد”. 

مقالات قد تهمك: الغزو الروسي لأوكرانيا يفاقم الركود الاقتصادي في سوريا

ويتساءل الحلبي، في ختام حديثه، عن “مصير الشمال السوري، الذي يعتبر الأشد اكتظاظا سكانيا في البلاد. إذ يصل عدد سكان شمال غرب سوريا إلى أكثر من أربعة ملايين نسمة. وبالتالي فإن الأزمة المعيشية في سوريا لا تعني فقط انخفاض مستوى الحياة، بل ربما تتحول إلى كارثة إنسانية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.