ترميم قوس النصر بتدمر من قبل جهات روسية، وهو من أهم المعالم الأثرية للمدينة، طرح أسئلة كثيرة عن الفوائد التي ستجنيها روسيا من هذه العملية، في الوقت التي تعاني فيه من أزمات مالية واقتصادية وسياسية وعسكرية، عقب غزوها لأوكرانيا.

وكانت الوكالة السورية للأنباء (سانا) قد أكدت “بدء عملية ترميم القوس، التي تنفذ بالتعاون بين المديرية العامة للآثار والمتاحف التابعة لوزارة الثقافة، والأمانة السورية للتنمية، ومركز إنقاذ ترميم الآثار، التابع لمعهد تاريخ الثقافة المادية لأكاديمية العلوم الروسية”.

وأضافت الوكالة، نقلا عن همام سعد، معاون مدير الآثار والمتاحف، أن “هناك مشاريع أثرية أخرى في مدينة تدمر، سيتم البدء بها بعد الانتهاء من مشروع ترميم قوس النصر، أبرزها ترميم معبد بعل شمين، وموقع المصلبة، وواجهة مسرح تدمر الأثري، ومعبد بل الشهير”.

أما ناتاليا سولوفيوفا، رئيسة مركز إنقاذ الآثار وترميمها في أكاديمية العلوم الروسية، والمسؤولة عن مشروع ترميم قوس النصر بتدمر، فقالت إنه “يتم حاليا تنفيذ الجزء الأول من الاتفاق مع المديرية العامة للآثار والمتاحف، بموافقة منظمة اليونسكو، والذي يشمل ترميم قوس النصر بشكل حديث ودقيق”.

روسيا غير مؤهلة لترميم قوس النصر بتدمر

الخبير الأثري السوري أحمد خنوس يوضح لـ”الحل نت” أن “قوس النصر، الذي يعود تاريخه إلى ألفي عام قبل الميلاد، يعتبر من أبرز المعالم الأثرية في تدمر، بل أيقونتها”.

وعن أسباب الدمار التي لحق بالقوس، يشير الخبير إلى روايتين: “الأولى أن تنظيم داعش هو من استهدف القوس، خلال سيطرته على مدينة تدمر في خريف العام 2015، بسبب وجود نقوش ورسوم على القوس، تتعارض مع الأيديولوجيا التي يتبناها التنظيم؛ والثانية تؤكد أن القوات النظامية والطيران الروسي تسببا بدمار القوس، وغيره من المعالم الأثرية، نتيجة القصف الجوي على تدمر، أثناء معارك استعادتها من التنظيم”.

وبما يخص أهداف روسيا من ترميم قوس النصر بتدمر، يلفت الخبير الأثري إلى “محاولة روسيا إظهار اهتمامها بالجانب الثقافي والأثري في سوريا، لتغطية عمليات نهب الآثار السورية“.

ويقول خنوس إن “هذه الخطوة هي محاولة  لتبييض صفحة روسيا السوداء في سوريا، ولا تعدو كونها دعاية من إنتاج الماكينة الروسية الإعلامية”.

وما يبعث على الريبة، من وجهة نظر الخبير الأثري، أن “روسيا لا تمتلك الخبرة الكافية، التي تؤهلها لترميم معلم أثري بأهمية قوس النصر، ما يعني حكما أن عملية الترميم ستكون بعيدة كل البعد عن الاحترافية والدقة والعلمية المطلوبة”.

الاستحواذ على الدعم الدولي عبر ترميم قوس النصر

الكاتب والباحث الأثري عمر البنيّة يعتقد أن “الهدف الروسي من وراء ترميم قوس النصر بتدمر هو الاستحواذ على الدعم الدولي المخصص للقطاع الأثري السوري، وهو الدعم الذي تقدمه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)”.

ويلفت، في حديثه لـ”الحل نت”، إلى “استثناء ملف الآثار السوري ودعمه من عقوبات قانون قيصر الأميركي لحماية المدنيين في سوريا”.

ويؤكد البنيّة أن “روسيا تخطط للاستحواذ على الأموال التي تصل إلى سوريا لتمويل عمليات ترميم الآثار السورية، التي تضررت من الحرب. وإلى جانب ذلك، تريد روسيا ممارسة الدعاية من زاوية مهمة للغرب، أي الآثار والثقافة، وذلك لصرف الأنظار عن همجية قواتها، وهو ما ظهر سابقا في سوريا، وفي أوكرانيا حاليا”.

مضيفا: “ثمة أهداف روسية أخرى ، متعلقة بلفت أنظار الدول المانحة إلى مرحلة إعمار سوريا، إذ تريد موسكو من ترميم قوس النصر بتدمر، الذي يحظى بسمعة دولية بارزة، أن تقول إن الحرب في سوريا قد انتهت، ومرحلة إعادة الإعمار قد بدأت”.

مقالات قد تهمك: بحجّةِ ترميم آثار تدمر.. روسيا تسعى للسَّيطرة على مناجمِ الفوسفات وحقول الغاز في سوريا

مشاريع ترميم آثار تدمر ليست جديدة

لكن محمود الحمزة، الأكاديمي والخبير بالشأن الروسي، يقلل من احتمالية وجود صلة بين ترميم قوس النصر بتدمر ومرحلة إعادة الإعمار.

موضحا لـ”الحل نت” أن “هذه الخطوة مختلفة عن إعادة الإعمار، لأن الأخيرة تحتاج إلى دعم سياسي ومالي دولي، في الوقت الذي تكاد فيه روسيا تبدو غير قادرة ماليا على تمويل إعادة ترميم ولو جانب يسير من آثار تدمر المدمرة”.

وبذلك، يرى الحمزة أن “روسيا تريد من وراء ترميم قوس النصر أن تروج لنفسها بوصفها دولة مهتمة بالثقافة والآثار، مقابل الهمجية التي أظهرها تنظيم داعش. أي المتاجرة بهذه الورقة أمام الرأي العام الدولي، وحتى الروسي الداخلي”.

ولا يعد الاهتمام الروسي بالآثار السورية، وعلى وجه الخصوص آثار تدمر، وليد اللحظة، حسب الخبير بالشأن الروسي، الذي أشار إلى “وجود خطة عمل قديمة، لدى معاهد الآثار والمتاحف الروسية، للعمل في مجال ترميم آثار تدمر”.

اتهامات بسرقة آثار تدمر

وتساق اتهامات من جانب المعارضة السورية، لمليشيات مدعومة روسياً وإيرانيا، بسرقة آثار تدمر، والتنقيب بطرق بدائية في المواقع الأثرية فيها.

وتقول مصادر المعارضة إن “تلك الميليشيات قد عاثت فسادا بالمواقع الأثرية في تدمر، تحت ستار إزالة الألغام، التي زرعها التنظيم أثناء سيطرته على المدينة لمرتين على التوالي، في العامين 2015 و2016، قبل انسحابه منها وسيطرة حكومة دمشق على المدينة”.

وإلى جانب قوس النصر بتدمر، تعرضت مواقع أثرية أخرى إلى الضرر الكلي والجزئي، إذ دُمرت أجزاء كبيرة من معبد بعل، الذي يعود إلى العصر الروماني، ومعبد بعل شامين بالكامل، وكذلك سبعة أبراج من القبور الأثرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.