لم يكن أهم ما يميز تدخل روسيا في سوريا، هو عدم قدرة موسكو على التأثير على المعارضة فحسب، بل نفوذها المحدود على ممثليها في مختلف الجماعات العرقية والأحزاب السياسية السورية، والتحول في سياسة الروس تجاه دمشق عشية إعلان أميركا رصدها لانسحاب روسي كثيف من قواعدها في اللاذقية، والذي يتزامن مع قرب اجتماع مجلس الأمن بشأن سوريا، نهاية أيار/مايو الجاري، يشير إلى أن موسكو تريد إظهار أنها مع الحوار السياسي وعلى استعداد لمناقشة ترتيبات ما بعد الأزمة في سوريا.

مسألة كيف ستحافظ روسيا على نفوذها في المنطقة، حسمها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الجمعة، بعد إعلانه بأن  روسيا أنهت مهامها العسكرية في سوريا، وعلى ما يبدو، أن تصرفات موسكو في سوريا في الوقت الحاضر، تفي بالوظيفة الرسمية المتمثلة في تعزيز فرص الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في تحقيق دعم محلي لحربه في أوكرانيا.

إلا أن تصريح لافروف، برأي مراقبين، يبدو أنه جاء لتهيئة الظروف الأكثر ملاءمة للقيادة الروسية لتوجيه عملية التفاوض بشأن مستقبل سوريا، ولكن هذا الإعلان، يمكن أن تلوح بانسحاب روسي من الملف السوري، وعليه ما خيارات دمشق، في ملء الفراغ الروسي؟

مراوغة روسية جديدة

في شباط/فبراير 2018، فسر محللون إعلان الرئيس الروسي، بدء انسحاب جزئي لقواته، بأنه يرسل رسالة واضحة إلى دمشق مفادها أن موسكو لا تشارك الرئيس السوري، بشار الأسد في هدفه، وأنه سيحتاج إلى أن يكون أكثر مرونة في المفاوضات إذا كان يريد الاحتفاظ بالدعم الروسي، إذ تنصب مصلحة روسيا في الحفاظ على نفوذها في المنطقة، لكنها لا تحتاج بالضرورة إلى الأسد للقيام بذلك.

أما حول التصريح الجديد لوزير الخارجية الروسي، فيعتقد الصحفي السوري، عقيل حسين، أن لافروف لم يكن يقول الحقيقة في ما يخص انسحاب قوات بلاده من سوريا، وحسب تقديره فإنه لا يوجد انسحاب حقيقي للجيش الروسي كما يروج مؤخرا، وما يجري هو عمليات تبديل وإعادة توزع وانتشار معتادة وتجري بشكل مستمر، مع سحب بعض القادة والجنود هذه المرة، ولكن بأعداد محدودة جدا.

أما عن حديث لافروف، بأن المهام القتالية للقوات الروسية قد انتهت، فيقول حسين لـ”الحل نت”، إن “هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها موسكو ذلك، لكنها كانت تعود لاحقا لتشارك في عمليات وهجمات، الأمر الذي يؤكد أن هدف موسكو من تكرار الحديث عن انتهاء الحرب في سوريا هو هدف دعائي الغاية منه معروفة”.

ومن جهته، قال المحلل السياسي الروسي، ديمتري بريجع، لـ”الحل نت”، إن روسيا سوف تبقى في سوريا طالما هناك تهديدات خارجية لروسيا، وهناك تفاهمات مع دمشق بذلك، كما أنها حتى الآن لم تقدم أي طلب لسحب القوات الروسية من سوريا.

وبحسب بريجع، فإن وزارة الدفاع الروسية “الكرملين”، لا ترى أي تهديد لمصالحها في الوقت الحالي في سوريا، حيث المعارضة السورية و الجماعات المتواجدة في منطقة إدلب لا تستهدف القوات الحكومية، ولا تهدد الدور الروسي في الوقت الحالي، بسبب تمكن تركيا في بسط سيطرتها على هذه المجموعات.

الجدير ذكره، أن تلفزيون “الميادين” اللبناني، نقل عن مصادر وصفها بالمطلعة، اليوم السبت، أن روسيا أرسلت تعزيزات إلى قاعدتها الجوية بالقرب من مدينة القامشلي بريف الحكسة، كجزء من التعزيز العسكري المستمر، بناء على طلب من حكومة دمشق.

خيار واحد أمام دمشق

كواليس تصريحات لافروف، يراها حسين، أنها لا تعني خروجا روسيا من الملف السوري، بل تخويفا لإسرائيل والأردن والدول العربية والغرب من إيران، خاصة مع الترويج المكثف لتسلم الميليشيات المرتبطة بـ”الحرس الثوري” المواقع التي يقال إن الجيش الروسي انسحب منها.

كما يشير حسين، إلى أن لافروف أراد من ذلك، توجيه رسائل لتركيا والولايات المتحدة، أن روسيا ليست بوارد دعم أي خطة يمكن أن تكون في أجندات دمشق، من أجل مهاجمة المناطق الخارجة عن سيطرتها، وأنها مع الحفاظ على خفض التصعيد واستقرار الوضع كما هو عليه حاليا، وهذا ما تريده واشنطن وأنقرة.

في المقابل، يوضح الصحفي السوري، عمر الحريري، أنه في حالة القتال المكثف في سوريا، من المرجح أن يلجأ الأسد إلى إيران بدلا من روسيا للحصول على الدعم، وذلك وفقا لبعض التقارير، التي أكدت انتشار القوات الإيرانية في أجزاء من سوريا كانت تحت سيطرة القوات الروسية سابقا.

وطبقا لحديث الحريري، لـ”الحل نت”، فإن تصريحات موسكو لم تغير أي من ولائها السياسي لسوريا، وفي الوقت الحالي على الأقل، لا تزال دمشق موالية لموسكو، وذلك من خلال تصريحات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، الذي قال  مؤخرًا : إن سوريا “تدعم الاتحاد الروسي في معارضته لسياسة الغرب القائمة على الأكاذيب والمعايير المزدوجة”.

وبحسب الحريري، فإن الأسد سينتهج سياسة خارجية جديدة استخدمها لسنوات حليف آخر لروسيا، وهو رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، لكن بينما كان لوكاشينكو  يوازن بين روسيا والغرب، فإن الأسد سوف يوازن في المستقبل المنظور العلاقات السورية بين موسكو وطهران، ومع ذلك، على المدى الطويل، ستقلل الحرب في أوكرانيا من نفوذ روسيا في سوريا، وفي هذه العملية، ستفتح الباب لإيران لتحل محل روسيا كداعم رئيسي للأسد.

موسكو تستعرض قوّتها

في وقت سرّبت وسائل إعلام عربية، عن ضابط أميركي في وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، معلومات عن انسحاب الآلاف من وحدات المشاة الروسية وسلاحَي الهندسة والطيران الروسيَين من سوريا، فتح المجال أمام قراءات ميدانية متعددة لهذه الأنباء.

ففي يوم الخميس الفائت، نقلت قناة “سكاي نيوز”، عن المسؤول الأميركي قوله، إن “وزارة الدفاع الروسية أبلغت الحكومة السورية خططها بالانسحاب، وتسعى الأخيرة إلى ملء الفراغ الروسي من خلال إرسال وحدات قتالية غير نظامية، منها ما هو تابع للحكومة وأخرى مدعومة من الحرس الثوري الإيراني، لتفعيل تواجدها في الشمال والشمال الشرقي استعداداً لاحتمال حصول تغيّرات أمنية ميدانية”.

عقب ذلك بيوم، وتحديدا أمس الجمعة، وزير الخارجية الروسية، سيرجي لافروف، قال إن روسيا لم يعد لديها مهام عسكرية في سوريا، ووجودها لضمان الاستقرار في المنطقة، مؤكدا في مقابلة مع تلفزيون “روسيا اليوم”، أن القوات الروسية في سوريا لم يتبقّ لديها مهام عسكرية تقريبا، وأن عددها “على الأرض” تحدده مهام محددة، وعلى أساس “مبدأ المصلحة”.

وشدد لافروف، على أن وجود القوات مرتبط بضمان الاستقرار والأمن، ويتجدد عدد القوات على الأرض من خلال المهام المحددة التي تقوم مجموعتنا بحلّها هناك”، موضحا أن “من المهام العسكرية التي يحلّها الجيش السوري بدعمنا، إدلب، حيث لم يختفِ التهديد الإرهابي في أي مكان، وقد بقي”.

وأضاف لافروف، “ليست لدينا طلبات من القيادة السورية”، مشيرا إلى أن القوات الروسية في سوريا تحاول “تحقيق ما اتفق عليه الرئيسان، فلاديمير بوتين، ورجب طيب أردوغان، قبل عدة سنوات، لكن “الأمور، كما نرى جميعا، لا تسير على ما يرام”.

وتابع أن هذه المهمة (حل مسألة إدلب)، “لا تزال على جدول الأعمال، لكن في الآونة الأخيرة وبفضل الإجراءات التي اتخذتها روسيا وقوات النظام، لم تُلحظ استفزازات من داخل إدلب”، على مواقع الحكومة السورية، والقواعد الروسية في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.