تتصاعد جرائم الشرف في أوروبا بين أوساط اللاجئين والمهاجرين السوريين، إذ تصل المشاكل العائلية المألوفة في بعض الأحيان إلى مستوى ملفت من العنف والإجرام. ما يطرح كثيرا من علامات الاستفهام عن أسباب ذلك.

ووفقا لتقرير المكتب الاتحادي الألماني لمكافحة الجريمة، فإن “جرائم الشرف تعتبر الأعلى في أوساط السوريين، مقارنة بالأجانب الآخرين المقيمين على الأراضي الألمانية”.

وأعادت صحيفة بيلد الألمانية نشر هذا التقرير، الصادر عام 2021، بعدما أقدم رجل سوري في مدينة كولن الألمانية على قتل زوجته، في شهر نيسان/ابريل الماضي، وهو الآن موقوف على ذمة التحقيق، وبانتظار المحاكمة، بعد أن سلّم نفسه للشرطة.

وكان المتهم قد قتل زوجته، بسبب شكه بعلاقة لها خارج إطار الزواج، بعدما طلبت منه الطلاق، وذلك بحسب أقرباء العائلة في ولاية نورد راين/فيستفالن في ألمانيا، الذين أكدوا أيضا أن الزوجين كانا قد انفصلا فعليا قبل أشهر من الجريمة، وتم وضع طفليهما في مراكز رعاية الأطفال الحكومية.

تصاعد جرائم الشرف في أوروبا مؤشر خطير

هلا الشاهر، المقيمة في مدينة كولن، أكدت لـ”الحل نت” أن “هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها في ألمانيا، لكنها أثارت الرأي العام السوري”. مضيفة: “المشكلة الفعلية هي تصاعد جرائم الشرف في أوروبا، ومن قبل السوريين تحديدا، وهذا مؤشر خطير”.

الشاهر، التي تعمل حالياً في إحدى المنظمات المحلية المعنية بتعليم ومساعدة اللاجئين، وتجعلها طبيعة عملها على تواصل مع أسر وأشخاص مختلفين من كافة الجنسيات، ترى أن “اختلاف الثقافات، واصطدام السوريين بأوضاع وقوانين مختلفة عما ألفوه في بلادهم، قد يكون هو السبب الأساسي لتصاعد جرائم الشرف بينهم في أوروبا عموما، وألمانيا خصوصا، ما يعني أن الأسر السورية تعاني من مشكلة عامة، لا بد من مواجهتها”.

مضيفة أن “المجتمع السوري محافظ للغاية، والهوة بينه وبين المجتمعات الأخرى، خاصة الغربية، كبيرة بطبيعة الحال. لكن من الناحية السيكولوجية تبقى هنالك عوامل تدفع عددا من الرجال السوريين لارتكاب مثل هذا النوع من الجرائم”.

العوامل النفسية لجرائم الشرف

السيدة كوثر جودت سعيد، الإخصائية النفسية، تحدثت لموقع “الحل نت” عن بعض الأسباب، التي قد تؤدي لارتفاع جرائم الشرف في أوروبا بين السوريين، مؤكدة أن “المشاكل الأسرية لها أسباب عدة، منها ما هو اجتماعي وله علاقة بالمحيط، وأخرى متعلقة بالطرفين المؤسسين للأسرة، أي الرجل والمرأة. وهنا يلعب نوع الشخصية دورا بارزا، فهنالك الشخصية المتسلطة والشخصية الضعيفة، والمرأة يجب أن تسأل نفسها، في حال كان زوجها متسلطا: هل هي بحالة ضعف تسمح له بهذا التسلط؟ هذا لاينطبق على طرف واحد فقط، فقد تكون المرأة هي المتسلطة، وبالمقابل الرجل هو الضعيف، وهناك حالات كثيرة من هذا النوع، والشخصيات المتسلطة والضعيفة تجذب بعضها بعضا”.

متابعة حديثها بالقول: “نوعية العلاقة بين الزوج والزوجة لها تأثير كبير في إمكانية تصاعد الخلاف بينهما إلى مستوى إجرامي، فمثلا الشخصية الغامضة تجعل الطرف الآخر يلاحقها أكثر، ما قد يؤدي إلى جرائم بشعة. كما أن الشخصية الغامضة تنجذب إلى من يلاحقها ويهتم بتصرفاتها”.

وتشير السيدة سعيد إلى أن “أنماط الشخصية هذه ليست جامدة، بل تعكس مشاعر مكبوتة، وذلك يتسبب بمشاكل لدى كثيرين،  خاصة في بيئة محافظة مثل البيئة السورية، وكل هذا قد يؤدي إلى تصاعد جرائم الشرف”.

مشددة على أن “الناس بحاجة لتحرير هذه المشاعر، وليس تجاوزها أو الهروب منها، وهذا يتطلب مستوى عاليا من الوعي”.

حقوق أكثر للنساء، جرائم أكثر من الرجال

لا يمكن تجاهل رغبة كثير من السوريين، الذين هاجروا إلى الغرب مؤخرا، بالتغيير وكسر الحالة النمطية، التي عاشوها في بلادهم، خاصة بعد أن وفرت دول اللجوء بيئة حامية للنساء والأطفال. ما قد يؤدي إلى توتر كبير، يصعّد من جرائم الشرف في أوروبا.

السيدة أم كرم، التي لم ترغب في الإفصاح عن اسمها لأسباب مجتمعية، تحدث لموقع “الحل نت” عن تجربتها في الانفصال عن زوجها في أوروبا: “تعرضت سابقا للتعنيف من قبل زوجي حين كنا في سوريا، والمشكلة أنه كان يظن الأمر عاديا، لأن المجتمع السوري يتقبّل هذه الفكرة، من باب الرجولة والغيرة. ولكن عندما وصلنا إلى أوروبا وجدت نفسي أكثر قدرة على المواجهة، ومطالبة زوجي بحقوقي، ليس من باب العدائية، ولكن من باب أنني لست مجرد امرأة مكرسة لخدمته وتحقيق رغباته”.

مقالات قد تهمك: الأسر السورية بدول اللجوء: هل غيرت القوانين الأردنية والتركية أوضاع النساء السوريات؟

مختتمة حديثها بالقول: “كان زواجي تقليدا، وأنا لست ضد الفكرة، فغالبا سأزوج ابنتي بنفس الطريقة، لكن ما أريده أن لا أتعرض للاعتداء، وأن لا أقع، لا أنا ولا ابنتي مستقبلا، ضحية العنف”.

السيدة كوثر جودت سعيد تعلق بالقول: “السوريون، الذين ذهبوا إلى البلاد الغربية، جاؤوا من بيئة منغلقة نوعا ما، ولديهم مشاعر سلبية وغضب ويأس، ولم يكونوا مرتاحين أصلا في بلادهم، إضافة إلى الكارثة التي حلت بالسوريين بعد الحرب عموما. وهم سيحملون معهم هذه المشاعر السلبية أينما ذهبوا”.

بكل الأحوال لا يمكن اعتبار تصاعد جرائم الشرف في أوروبا بين أوساط السوريين إلا علامة على تغير كبير في نموذج الأسرة السورية، ويبدو أن العنف الأسري ليس إلا انعكاسا لمشاعر سلبية، لن يمكنها أن توقف هذا التغيير، يإيجابياته وسلبياته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.