في ظل فشلها المستمر بمعالجة أزماتها الاقتصادية، تسعى حكومة دمشق لاستثمار أدوات جديدة من أجل تأمين كتل مالية جديدة تؤمن لها تمويل مشاريعها الخاصة، حتى ولو كان ذلك على حساب المواطن السوري.

من التلاعب بأسعار صرف الليرة السورية مقابل الدولار، والقيام بحملات أمنية عدة على محلات الصرافة، إلى جيابة أموال طائلة من جيوب السوريين وبالعملة الصعبة بحجة استصدار جوازات السفر.

محاولات استجرار دولار

مركز “جسور للدراسات” أصدر تقريرا أمس الثلاثاء، أشار من خلاله إلى عدة إجراءات تقوم بها حكومة دمشق، من أجل زيادة تدفق العملات الأجنبية إلى خزائنها، وذلك في محاولة لتعويض الخسائر الكبيرة التي منيت بها خلال السنوات الماضية لأسباب عديدة في مقدمتها تراجع عمليات التصدير.

تقرير “جسور” أفاد بإقدام دمشق على خطوة أساسية لتوفير القطع الأجنبي، وهي تسهيل الحصول على جوازات السفر والخدمات للمغتربين، وذلك مقابل دفع رسوم هذه المعاملات بالدولار الأميركي.

وجاء في تقرير المركز أن: “دمشق رفعت السعر الرسمي للدولار إلى 2800 ليرة سورية، ودفعت بشركات الصرافة إلى الاستمرار في جذب الحوالات، عبر شراء الدولار بأسعار أعلى من السوق السوداء“.

 كما أشار التقرير إلى أن دمشق سمحت مجددا باستئناف تصدير بعض السلع، متوقعا أن توسع دمشق من أنشطتها الاقتصادية عبر شبكة رجال الأعمال

ويؤكد الخبير الاقتصادي سمير طويل، أن النقص في القطع الأجنبي الذي تعاني منه دمشق، يأتي بسبب توقف العجلة الإنتاجية في البلاد، وبالتالي تراجع عمليات التصدير، ما تسبب بأزمة نقص الدولار في البنك المركزي.

قد يهمك: دمشق.. إجراءات حكومية تزيد من فقر المواطن

ويقول طويل في حديثه لـ“الحل نت“: “يحاول النظام الاعتماد على حوالات المغتربين ورسوم جوازات السفر ودفعات البدل النقدي من المغتربين، لكن ذلك لن يعوض نقص الخزينة العامة لدى البنك المركزي. الاحتياطي كان يملك 21 مليار دولار في 2001، والآن الاحتياطي النقدي قد لا يتجاوز 700 مليون دولار وفق التقديرات، وهو رقم ضئيل جدا مقارنة باحتياجات النظام من العملات الصعبة“.

يبدو أنّ حكومة دمشق باتت تنظر إلى شركائها الرئيسيين في روسيا وإيران كخيار غير مضمون في عمليات الاستدانة، حيث تواجه روسيا نفقات ضخمة على خلفية هجومها على أوكرانيا منذ أكثر من ثلاثة أشهر وفي ظل عقوبات غربية تُقوض قدراتها المالية. كما تواجه إيران عقوبات كانت تُعول على رفعها خلال الفترة الماضية، دون القدرة على تحقيق ذلك حتى الآن. أيضا ساهمت العقوبات الغربية المفروضة على رجال الأعمال والكيانات المقربة من السلطة الحاكمة بدمشق بتقليل قدرة هؤلاء على تأمين الأموال بنفس الكفاءة السابقة.

ما هو الحل؟

يرى الخبير الاقتصادي أن عودة تدفق القطع الأجنبي إلى سوريا، يكون بعودة تفعيل العجلة الصناعية وعمليات التصدير، والتي هي بالحد الأدنى حاليا.

وحول ذلك يضيف: “النظام انضم لنادي المستوردين، سواء لجهة المشتقات النفطية أو لجهة القمح والمواد الغذائية الأساسية، إضافة إلى المواد الأولية اللازمة للصناعة، وهذا الأمر الخطير. إن لم تدور عجلة الإنتاج فلن يكون هناك توليد للقطع الأجنبي من الدولار“.

معظم السوريين يتجه إلى المساعدات المقدمة من الدول الخارجية، بالإضافة إلى الحوالات التي تأتي من الخارج من قبل الأهالي والأصدقاء وغيرهم، في تعبير واضح عن مدى التدهور الاقتصادي في سوريا، حيث كشفت مصادر اقتصادية في وقت سابق، عن أن 70 بالمئة من السوريين يعيشون على الحوالات، مقدرة حجم المبالغ التي تصل سوريا من المغتربين يوميا بـ5 ملايين دولار.

أكثر من 85 بالمئة من المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة يعيشون تحت خط الفقر، بحسب “الأمم المتحدة“، في حين أن متوسط ​​الراتب الشهري لموظفي القطاع العام لا يتجاوز 22 دولارا، ولموظفي القطاع الخاص حوالي 60-70 دولارا.

أما بالنسبة لموظفي الحكومة، فالرشوة تشكل “أهم مصدر رزق أساسي غير قانوني له” وينمو ويقل حسب درجة التوظيف، حسبما أكدت تقارير سابقة.

اضطراب في سوق النقد السوري

الجدير ذكره، أن سوق المال في سوريا يعيش اضطرابا نتيجة تهرب الدولة من الضوابط القانونية. ومؤخرا بات يسيطر على سوق الصرف قلق غير مسبوق، بعد أن أثيرت تساؤلات حول أوراق الدولار الأبيض. والتي أطلق عليها اسم “الدولارات القديمة” بسبب الطباعة أو الاصفرار أو التآكل الجزئي.

وتمنع الحكومة السورية تداول العملات الأجنبية في الأسواق. وتلجأ إلى تنفيذ عمليات أمنية تستهدف شركات الصرافة والحوالات المالية في دمشق ومحافظات أخرى. ويحصل ذلك بشكل دوري في محاولة منها لوقف نزيف الليرة السورية في سوق العملات الأجنبية.

وتستخدم قوات الأمن المرسوم الرئاسي رقم 3 لعام 2020، في حملاتها ضد شركات الأموال التي تتعامل بالسوق السوداء. ويأتي ذلك لإغلاقها تارة أو الاستحواذ على كميات العملة الأجنبية التي بحوزتها تارة أخرى.

قد يهمك: سوريا.. زيادة قريبة بأسعار الاتصالات والإنترنت ونسبتها ضخمة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.