الصراع على مرجعية النجف أحد أهم القضايا السياسية والعقائدية في العراق، خاصة مع تقدم السيد علي السيستاني بالعمر، وهو المرجع الأعلى للمسلمين الشيعة في العالم. ما يطرح كثيرا من التساؤلات في الشارع العراقي عن الشخصية التي ستشغل منصب المرجعية الدينية في النجف، في حال رحيله.

ولعل أهم سؤال في هذا السياق: هل ستتمكن إيران، صاحبة النفوذ السياسي والاقتصادي والعقائدي الكبير في العراق، من التدخل لفرض شخصية بديلة في النجف؟

ومن المعروف أن السيد علي السيستاني نجح في الحفاظ على استقلالية مرجعية النجف تجاه ولاية الفقيه والنفوذ الإيراني، وإذا نجحت إيران بتنصيب رجل دين موال لها على رأس المرجعية، تكون بذلك حققت الهيمنة الكاملة على الشؤون الدينية للشيعة حول العالم.

يذكر أن المرجعية الدينية الشيعية تأسست في بغداد عام 413 هجري، على يد الشيخ المفيد، المعروف بابن المعلم، وانتقلت إلى النجف عام 448 هجري، في عهد الشيخ محمد بن الحسن الطوسي.

ويرجع المسلمون الشيعة إلى مرجعيتهم في مجمل قضايا حياتهم اليومية، خاصة ما يتعلق منها بالمسائل الدينية. كما أن السيستاني أصدر فتوى شهيرة تجيز قتال داعش، تم الاعتماد عليها لتشكيل الحشد الشعبي، الذي ما يزال حتى اليوم يلعب دورا كبيرا في العراق. وبالتالي فإن الصراع على مرجعية النجف قد يتصاعد بشدة، وتتداخل فيه أطراف عديدة، بعد وفاة السيستاني.

لا فرصة لطهران في الصراع على مرجعية النجف

غيث التميمي، الباحث المتخصص بالشأن الشيعي، أكد “انعدام أية فرصة لطهران لكسب الصراع على مرجعية النجف، واختيار بديل للسيستاني، أو حتى التأثير على خلفائه المحتملين”.

وأضاف التميمي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “الرأي العام العراقي والاسلامي مضلل بشدة بشأن تقاليد اختيار المرجعية الدينية للشيعة”، مبينا أنه “في حال وفاة آية الله علي السيستاني، سيجتمع أعيان الشيعة في العالم، والمراجع الكبار في النجف، لاختيار من يشغل منصب المرجع، وفق معايير تتعلق بالعلم الديني والمكانة الروحية”.

مشيرا إلى أن “من يشغل منصب المرجعية الدينية العليا للشيعة يجب أن يكون حائزا على لقب آية الله، وهو لقب لا يحصل عليه إلا من وصل إلى درجة الاجتهاد، أي من يستطيع استخراج الأحكام الدينيّة من مصادر التشريع الإسلامية. وينال اللقب بعد انتخابه من قبل مجتهدين آخرين”.

وشدد التميمي على أن “نفوذ المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي معدوم على أولئك المجتهدين الكبار، فهو بالواقع لا يستطيع حتى التأثير على بعض مراجع مدينة قم الإيرانية، الرافضين حتى الآن لمبدأ ولاية الفقيه. ومن هذه المراجع حسين الوحيد الخراساني، ولطف الله الصافي الكلبايكاني، وموسى الزنجاني. وبالتالي فإن خامنئي لا يملك من النفوذ الديني والروحي الكافي ما يؤهله للفوز بالصراع على مرجعية النجف”.

مستدركا بالقول: “هذا الكلام قد يفاجئ القارئ العربي أو المسلم، بسبب تأثير الإعلام الإيراني الرسمي، الذي يصوّر خامنئي بوصفه أهم رجال الدين الشيعة في العالم، وهذا غير صحيح. كما أن ضعف حركة الترجمة من الفارسية تجعل المعارضين لخامنئي وفتاواه في قم غير معروفين في العالم العربي”.

يذكر أن مفهوم “ولاية الفقيه” مختلف عليه بين رجال الدين الشيعة، وقد انتشر بعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، إلا أنه لاقى معارضة كبيرة من كثير من الشخصيات الدينية الشيعية البارزة.

هل يمكن للفصائل الولائية لعب دور في الصراع على المرجعية؟

ولكن ماذا عن تأثير الفصائل الولائية المسلحة في العراق، هل يمكن أن تتدخل لمصلحة المرشد الإيراني، لحسم الصراع على مرجعية النجف؟

غيث التميمي يؤكد أن “قادة الفصائل لا يمكنهم الاقتراب أصلا من مكان سكن المرجع الأعلى في النجف”. مشددا على أن “نفوذ الفصائل الولائية مقتصر على بغداد وبعض المحافظات الأخرى، ولا يشمل النجف وكربلاء وغيرها من المدن المقدسة”.

حديث التميمي يظهر بوضوح أن النفوذ السياسي لطهران لا يصل إلى عمق الشأن الديني للشيعة العراقيين، وأن المرجعيات في المدن المقدسة استطاعت الحفاظ على استقلاليتها الروحية الكاملة. ولكن بمن قد تفكر هذه المرجعيات خلفا للسيستاني، مع تصاعد الصراع على مرجعية النجف؟

مقالات قد تهمك: “الزيدي” يكشف تفاصيل تشكيل “فرقة العبّاس” القتالية ويُؤكّد: فَتوى “السيستاني” أكبَر من “الحشد الشعبي”!

خيارات مجتهدي النجف

مصدر نجفي مطلع على أوضاع الحوزة الدينية في المدينة أكد لـ”الحل نت” أن “المراجع الشيعية المرشحة لشغل منصب رئاسة مرجعية النجف بعيدة عن التأثير الإيراني، وأحيانا تتعارض مع الأفكار الدينية والسياسية لولاية الفقيه في طهران”.

وكشف المصدر، الذي اشترط عدم نشر اسمه، أن “خلفاء السيستاني المحتملين هم طلبته، الذين يسيرون على نهجه نفسه في كل القضايا، وأبرزهم الشيخ محمد باقر الإيرواني والشيخ هادي آل راضي”.

وبشأن المراجع الدينية العراقية المقربة من إيران، ودورها في الصراع على مرجعية النجف، قال المصدر: “سابقا تم طرح اسم آية الله محمود الهاشمي الشاهرودي، المقرب من المرشد الأعلى الايراني، لتولى منصب مرجعية النجف، لكن الشاهرودي توفى مؤخرا، وبذلك ضاعت على طهران فرصة ذهبية لتقديم مرشح مقنع، من الناحية الدينية، لمجتهدي النجف”.

مختتما إفادته بالقول: “كثير من الشباب الشيعي الملتزم دينيا بات رافضا للوجود الإيراني في العراق، رغم التقارب الديني بين مدينتي النجف وقم، وذلك بسبب الدور السلبي للأحزاب والفصائل الولائية في العراق. ولذلك فإن إيران ليس لها فرصة حتى في الشارع الشيعي العادي، فما بالك بالصراع على مرجعية النجف، المنصب الديني الأخطر والأكثر أهمية لدى شيعة العراق والعالم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.