تطورات مهمة تتعلق بالملف السوري، أبرزت مدى تأثره بالغزو الروسي لأوكرانيا، وتبعاته على روسيا وتعقيد علاقاتها مع الغرب بشكل عام، وهذا ما دفع روسيا لاستخدام الأمم المتحدة كبوابة للضغط بالاتجاهات السياسية والإنسانية المتعلقة بسوريا.

صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، قالت في تقرير يوم أمس الأربعاء، إن موسكو أبلغت دمشق بعدم المشاركة في اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف تحت قبة الأمم المتحدة، كما أبلغت روسيا الأطراف الغربية أنها لن تمدد القرار الدولي الخاص بإيصال المساعدات عبر الحدود لدى انتهاء مدته في 10العاشر من شهر تموز/يوليو المقبل.

هل تعطل روسيا مسارات الحل؟

بحسب “الشرق الأوسط”، فإن ما تغير هو “البركان الأوكراني”، حيث ترى روسيا الآن أن مسار جنيف بات بين خيارين، الأول هو التجميد وعدم عقد الجلسة المقبلة نهاية الشهر المقبل، أو الإذعان للشروط الروسية بعد جولات تفاوضية مع الدول الغربية، وأن فرصها ضيقة بسبب أوكرانيا.

الكاتب السياسي، حسان الأسود، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه لا يمكن الركون إلى التصريحات الدبلوماسية الروسية الصادرة عبر وسائل الإعلام بشكل يدعو للجزم، فما جاء على لسان لافرنتييف أثناء مباحثات أستانا كان ردا على التعقيدات الإجرائية التي فرضتها الخارجية السويسرية على الوفد الروسي عند طلب تأشيرة الدخول إلى سويسرا، وكذلك على منع بعض الدول الشرقية الطيران الروسي من المرور في أجوائها.

ولكن يبدو أن الروس سيستخدمون مبدأ عض الأصابع حتى النهاية مع الغرب، وقد يذهبون فعلا إلى تعطيل مسار اللجنة الدستورية، وهنا تكون الضربة قاصمة لمسار العملية السياسية، وهو ما سيصب بمصلحة حكومة دمشق من حيث النتيجة، لكن الروس سيخسرون أيضا هذه الورقة، لذلك من المرجح ألا يصل الروس إلى هذه المرحلة.

الخبير في الشأن الروسي، سامر الياس، قال في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن المواقف الروسية على لسان لافرينتييف، تؤكد على أن روسيا تنظر إلى مسار أستانا على أنه المسار الوحيد الذي أدى إلى إنجازات سياسية، وهي في هذا تتوافق مع تصريحات الأسد الأخيرة لتلفزيون “آر تي” الروسي، حول اللجنة الدستورية وعدم جدواها.

وبين الياس، أنه الآن يتم الانتقال لمرحلة أخيرة وهي تدمير مسار اللجنة الدستورية والحل السياسي من قبل روسيا وحكومة دمشق، مشيرا إلى أن، أن روسيا اليوم تعلن بشكل عملي إنهاء المسار المتعلق بالقرار 2254، بعدأن قامت بإفراغ بيان جنيف من محتواه في السابق، من خلال الجدل في تفسيرات هذا القرار المتعلقة بإقامة هيئة حكم انتقالية، مؤكدا بأن روسيا تذهب اليوم باتجاه نسف أي جهد حقيقي ولو كان تأثيره ضعيفا على إيجاد حل سياسي في سوريا، وأن روسيا تريد أخذ سوريا رهينة وورقة لها في الغزو الروسي لأوكرانيا.

إقرأ:روسيا تعرض على مجلس الأمن آلية جديدة لدخول المساعدات إلى سوريا لمدة محدودة

المساعدات تواجه خطر الإيقاف

ليست المرة الأولى التي تهدد فيها روسيا بإيقاف الآلية الدولية لإدخال المساعدات إلى سوريا، وبشكل خاص مناطق الشمال السوري، فمع اقتراب كل تجديد لهذه الآلية تعود التهديدات الروسية إلى الواجهة، فإصدار قرار التجديد من قبل مجلس الأمن يحتاج لموافقة 9 أعضاء من المجلس على الأقل، دون استخدام حق النقض “الفيتو” من قبل إحدى الدول دائمة العضوية.

روسيا أبلغت الأطراف الغربيين أمس بعدم موافقتها على التجديد للآلية في الشهر المقبل، ما يجعل ملايين السوريين في خطر إنساني كبير.

وبحسب الأسود، فإن الروس قد يوقفون مرور المساعدات الإنسانية عبر الحدود من خلال تعطيل تمديد القرار في مجلس الأمن، خاصة وأن معاركهم مع الغرب بدأت تأخذ منحى كسر عظم، بعد تقييد ليتوانيا حركة مرور البضائع إلى كالينغراد عبر أراضيها.

وأضاف الأسود، أن السوريون في المناطق الشمالية وخاصة في المخيمات، سيعيشون أصعب أيامهم بسبب اعتماد شرائح واسعة منهم على المساعدات الأممية، وسيؤدي هذا بكل تأكيد إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية وأمنية، وليست بعيدة عن الأنظار مشاهد الاحتجاجات التي اندلعت في عفرين وغيرها من مدن الشمال ضد قرارات رفع أسعار الكهرباء.

الحقوقي بسام الأحمد، قال في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن النزاع بشكل عام هو السبب الجوهري لتفاقم الوضع الإنساني، مضيفا أن الحصار الذي لا تزال روسيا ودمشق تفرضانه على العديد من المناطق سبب تفاقما في الأوضاع الإنسانية، وأدى إلى الاعتماد بشكل كامل على المساعدات الإنسانية.

وبين الأحمد، أن ملف المساعدات الإنسانية يخضع لاعتبارات سياسية، وصفقات بين الدول الفاعلة، والمدنيين فقط هم من يدفعون ثمن كل ذلك، مشيرا إلى أن روسيا عملت جاهدة لإخضاع المعابر في سوريا، إلى حكومة دمشق، وفي هذه الحالة ستتحكم الأخيرة بهذه المعابر من منطق غير إنساني وهذا سيؤدي إلى تفاقم أكبر للوضع الإنساني، فالحل الوحيد للأزمة الأنسانية هو التوصل لحل سياسي يرضي جميع السوريين.

قد يهمك:روسيا تهدد بإيقاف المساعدات الإنسانية إلى سوريا.. ماذا بعد ذلك؟

أثر غزو أوكرانيا على الوجود الروسي بسوريا

روسيا تعتبر سوريا أحد قواعدها الخلفية المهمة، وخاصة من خلال تواجدها على مياه المتوسط، وعلى الرغم من الضغط الذي تتعرض له روسيا في أوكرانيا، إلا أن مراقبين يرون أن روسيا لن تفرط بسوريا.

حسان الأسود، يرى أن روسيا لن تتخلى عن سوريا، فهي ورقة رابحة وإن تأجل موعد قطاف ثمارها، وبالتالي مهما كان للحرب على أوكرانيا من آثار جانبية، فلن تنهي الوجود الروسي في سوريا، فهي قد تضعفه وقد تحد من قدرة الروس على المناورة والحركة والضغط على الأطراف المتصارعة هناك مثل الأتراك والإيرانيين والإسرائيليين، إلا أن الروس يملكون إمكانيات عدة إمكانيات للمناورة، ويراهنون على أن طول المدة ستزيل بعض العقبات من أمامهم.

إقرأ:سوريا.. الحل السياسي الضائع بين اللجنة الدستورية ومسار “أستانا”

ما هو الموقف الغربي من روسيا؟

حسان الأسود، يرى أن الدول الفاعلة في الشأن السوري تبني سياساتها على أساس المصالح وتوازنات القوى، وكل طرف يحاول أن يفرض أجندته ولو بالقوة،وقد شوهدت التحركات الروسية مؤخرا ضد محاولات التدخل العسكري التركي في الشمال، فكانت عمليات القصف الجوية لبعض المناطق السورية على الحدود التركية المباشرة بمثابة رسائل عن حدود التفاهمات.

ولكن في المقابل، هناك أحاديث عن عمليات إعادة بعض المناطق التي استولت عليها القوات الحكوميةخلافا لاتفاقيات أستانا وصولا إلى مورك، لكن لا أحد يعرف حجم الثمن الذي يتوجب على الأتراك دفعه مقابل ذلك، فهل يستطيعون منع دخول السويد وفنلندا إلى الناتو بشكل نهائي؟ لا أحد يعرف على وجه الدقة.

أما بالنسبة للغرب، فهو ليس كيانا واحدا بمرجعية واحدة، هناك الولايات المتحدة التي ترى في أي بؤرة صراع عالمي فرصة للاستفادة منها، سياسيا وعسكريا لإضعاف روسيا، وهناك بريطانيا التي تقف مع بولندا بحزم بوجه الروس في أوكرانيا، وهناك ألمانيا وفرنسا اللتان تريان الصعوبات الهائلة بالقطيعة مع الروس، خاصة وأن اقتصاديهما يعتمدان بشكل كبير على النفط والغاز الروسيين، لذلك لا يمكن التنبؤ بموقف غربي موحد، لكن يبدو الصيف ساخنا على الجميع وبالأخص على السوريين.

قد يهمك:هل أطلق الأسد الرصاصة الأخيرة على اللجنة الدستورية؟

من الجدير بالذكر، أن روسيا منذ تدخلها في سوريا كانت عاملا سلبيا ضارا بالحل السياسي، فهي تسعى لتغليب مصالحها الخاصة على حساب الملف السوري، كما تسعى وستظل إلى فرض رؤيتها فقط للحل، ما يعني أن الروس باتوا بحاجة لموقف دولي موحد وصارم ضد الحماقات التي ارتكبتها سابقا من خلال مسار أستانا ومناطق خفض التصعيد والتسويات، أو الحماقات المنتظرة في المسارات المتبقية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.