كثيرة هي المرات التي تم فيها الحديث في المنطقة العربية خلال السنوات القليلة الماضية عن تشكيل تحالف سياسي عسكري عربي أو شرق أوسطي لمواجهة التهديدات الإيرانية للمنطقة، فما هي الاحتمالات الفعلية لتشكيل هذا التحالف وجدوى تشكيله.

خلال القمة الاستراتيجية التي تستضيفها السعودية خلال الأيام المقبلة منتصف شهر تموز/يوليو الجاري، وتشارك فيها دول عربية رئيسية في المنطقة إلى جانب الولايات المتحدة، يعتبر مراقبون أن من أهم الملفات المبحوثة في تلك القمة سيكون مناقشة تشكيل حلف على غرار “حلف الناتو” (شمال الأطلسي)، ليكون “ناتو عربي” أو “ناتو شرق أوسطي”.

تتشارك معظم الدول التي ستحضر القمة المخاوف ذاتها من تهديدات الأمن القومي لدول المنطقة، فالتمدد الإيراني بات في مرحلة أخطر من أي مرحلة سبقته، ففي سوريا على سبيل المثال لا الحصر تحاول طهران استغلال تراجع الحضور الروسي هناك من أجل توسيع نفوذها في سوريا، أيضا فإن طهران رفعت من مستوى مساومتها للمجتمع الدولي إزاء إمكانية عقد اتفاق نووي جديد معها، لذا فهي تريد المقايضة على ادعاء التزامها بالشروط الدولية حيال ضبط تخصيب اليورانيوم ومنع التوسع ببرنامجها الصاروخي، مقابل سعيها في غض الطرف عن نفوذها التي تطمع في توسيعها.

أدوات مناسبة

تدرك دول المنطقة والمجتمع الدولي أن النفوذ الإيراني لا بد من وسائل وأدوات ناجعة لمواجهته، تتخطى الأسلوب الذي تتبعه إسرائيل في سوريا من خلال ضرب نقاط التمركز العسكرية لعناصر النفوذ الإيراني بسوريا على مر السنوات الماضية.

من الناحية النظرية يمكن أن يكون لهذا الحلف الجدوى المناسبة فيما إذا رعته دولة كبرى كالولايات المتحدة، ومولته دول خليجية قد تكون على رأسها المملكة السعودية، واستخدم فيه أدوات محلية على الأرض في مناطق النفوذ الإيراني، ففي الجنوب السوري قد يكون دعم قوى محلية معارضة على الأرض بتوجيه أردني هو السبيل الأنجح والبديل عن استمرار الضربات الإسرائيلية التي لم تحقق ضربات نوعية بشكل دائم، ولن تستطع اجتثاث هذا النفوذ، الذي بات يتجاوز العسكري إلى الاقتصادي وحتى الاجتماعي في مناطق عدة من سوريا.

لكن من الناحية العملية تبقى هناك عوائق معينة على ما يبدو، منها أن ينضم الجانب الإسرائيلي إلى هذا الحلف، إضافة إلى العلاقات الإيرانية المتداخلة لإيران مع بعض دول المنطقة كقطر وتركيا، وما لذلك من تأثير سلبي على توتير أجواء المنطقة من قبل هذه الدول، ولعل العامل الأبرز هو إيجاد الآلية والشكل المناسبين لتسليح وتمويل هذا الحلف والقوى المحلية العاملة على الأرض.

مصادر صحفية أميركية، ذكرت مؤخرا أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عقدت قمة لمسؤولين كبار من إسرائيل والدول العربية لمناقشة التنسيق ضد الصواريخ والطائرات المُسيّرة الإيرانية، وشارك بهذه الاجتماعات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي ونظراؤه في بعض الدول العربية، وهي المرة الأولى التي يلتقي فيها ضباط رفيعو المستوى من إسرائيل والدول العربية بإشراف أميركي.

يُعتقد أن الهدف الرئيسي لتشكيل حلف ناتو عربي هو إيجاد نوع من التفاهم بين دول عربية متعددة وإسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني. فيما يلعب الأردن دورا محوريا في تشكيل هذا الحلف، بعد تصاعد عمليات تهريب المخدرات على الحدود الأردنية-السورية، التي تنفذها ميليشيات موالية لإيران، وفق رأي المحلل السياسي وليد منصور.

إن تأسيس حلف ناتو عربي يهدف، في حال تنفيذه، إلى صد نوعين من التحديات، فالتحدي الأول يتعلق بالتهديدات الحدودية القائمة بين العراق وسوريا والأردن والسعودية، والمتمثلة بالهجمات الإرهابية، والاعتداءات التركية والإيرانية؛ أما الثاني فينحصر في حماية المصالح الاقتصادية والتجارية المشتركة للدول الأعضاء.

في تقرير نشرته صحيفة “البناء” اللبنانية أشارت من خلاله إلى أن “زيارة الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط قد تنطوي على قطبة مخفية في ضوء فشل تشكيل تحالف عسكري شرق أوسطي في ما مضى يُذكّر بفشل حلف بغداد في خمسينيات القرن الماضي، إلا إنّ الولايات المتحدة قد تعيد الكرّة لحاجة إسرائيل إلى مثل هذا الحلف في ضوء تنامي القدرات العسكرية الإيرانية، ومطالبة بعض الدول الخليجية ليس بتجميد البرنامج النووي الإيراني، بل القضاء على البرنامج الصاروخي الإيراني، ومنهم من يخشى تسليم المنطقة من جديد لإيران.

في المقابل فقد علّقت صحف عربية على تزايد الحديث عن فكرة تدشين “ناتو عربي” أو “ناتو شرق أوسطي” قبيل زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية.

ويؤكد عدد من الكُتاب أن فكرة تدشين تحالفات عسكرية في المنطقة باءت كلها بالفشل، ويشير هؤلاء إلى عدد من الأحلاف التي تشكلت على مدار العقود الماضية، بداية من “حلف بغداد” في خمسينيات القرن الماضي.

ويرى آخرون أن فكرة تدشين حلف كهذا سيكون موجها ضد إيران، وذلك عبر “إدماج إسرائيل كقوة عسكرية” في المنطقة.

ويرى فريق ثالث أن تدشين “ناتو عربي إسرائيلي” ضد إيران غير وارد حاليا، مستشهدين بالدور الذي يلعبه العراق في التقريب بين السعودية وإيران في ظل تقارير تتحدث عن قُرب عودة العلاقات بين الرياض وطهران.

الكاتب عبد الله الشايجي، قال في مقال منشور على صحيفة “القدس العربي” اللندنية، إن كل “مبادرات التحالفات الأمنية والدفاعية في الشرق الأوسط انتهت جميعها بالفشل وهذا دون وجود إسرائيل من ضمن الأعضاء… أما بإضافة إسرائيل فالأمور تزداد تعقيدا”.

ويقول الشايجي “إذا كانت إدارة بايدن تسعى لترتيبات تعوم فيها إسرائيل في تحالف شرق أوسطي-سياسي واقتصادي وأمني ودفاعي – تحضر الأرضية اليوم لذلك عشية زيارة بايدن للمنطقة – فهذه مبادرة لن تبصر النور. خاصة وأن إسرائيل لن تغامر بتعريض أمنها وجنودها للخطر لحماية حلفاء معدودين ونصب شبكات دفاعها وكشف أسرارها”.

ويضيف الكاتب “كما أنه لا يوجد إجماع خليجي وعربي حول التعاون الأمني والعسكري مع إسرائيل أو مواجهة واستهداف إيران”.

مخاوف مشتركة

القمة التي سيشارك فيها الرئيس الأميركي جو بايدن، تأتي في توقيت مهم، نظرا للأبعاد الاستراتيجية التي تقف وراء هذه الزيارة، والتي تهدف إلى مناقشة مجموعة من الملفات المهمة مع دول المنطقة ودول الشرق الأوسط. هناك ملفان رئيسيان سيكونان محور هذه الزيارة؛ الطاقة والملف النووي الإيراني، والملف الأخير له أهمية قصوى، ويعتبر الهدف الرئيسي من وراء هذه الزيارة، هو تشكيل تحالف شرق أوسطي ضد التوجهات الإيرانية في المنطقة، بحسب رأي الباحث السياسي عايد الفلاح.

معتبرا أن فكرة تشكيل “ناتو شرق أوسطي أو عربي” ضد إيران، هو أمر وارد ولكن فكرة نجاحه من عدمه صعب التكهن به، أو الحديث عنه في الوقت الحاضر، نظرا لعدة أمور، قد تسبب عدم نجاح مثل هكذا تحالفات؛ أولها عدم وجود توافق عربي سواء على المستوى السياسي، أو الأمني أو العسكري فيما يتعلق بعمليات التطبيع مع إسرائيل، على الرغم من قيام بعض الدول بالتطبيع مع إسرائيل، لكن البعض الآخر رفض التطبيع تماما.

الدول العربية تشعر بالفعل بالتهديد من برنامج إيران النووي، الذي يهدد بشكل أساسي وجود إسرائيل وبعض الدول العربية، وخاصة السعودية والإمارات والبحرين. حيث تؤيد هذه الدول ضرورة تشكيل تحالف لردع المشروع الإيراني في المنطقة.

يذكر أن فكرة مشروع “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”، هي التسمية التي أطلقها جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي السابق، عن التحالف العربي، في المقام الأول، إلى المشروع الإيراني، في المنطقة، ودورها السياسي والعسكري المتنامي، عبر وكلائها، فيما يعد، من ناحية أخرى، جزءا من الضغط الذي تفرضه واشنطن ضد طهران، منذ بدء الحصار الاقتصادي عليها، وسياستها الجديدة، بغية “تغيير سلوك” طهران، وتهديداتها المستمرة، كما أعلن وزير الدفاع الأميركي في عام 2018.

وكان قد التقى الملك الأردني عبد الله الثاني ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، قبل أسابيع، فيما يترقب الأخير زيارة السعودية التي سيجريها الرئيس الأميركي، تموز/يوليو المقبل.

ومنتصف الشهر الماضي، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، أن على إسرائيل والدول العربية التي تشاركها المخاوف بشأن إيران أن تعزز قدراتها العسكرية تحت رعاية واشنطن.

ونوّه غانتس في خطاب إلى تقارب العلاقات الأمنية الإسرائيلية مع دول الخليج العربية في إطار حملة دبلوماسية برعاية الولايات المتحدة عام 2020، وكذلك مصر والأردن، قائلا إن هناك جهودا لتوسيع هذا التعاون، بحسب وكالة “رويترز”.

في سياق متصل، ذكر المحلل الإسرائيلي المختص في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، زفي بارئيل، في مقال رأي نشره الأسبوع الماضي، أن التقارير عن إنشاء تحالف دفاعي إقليمي، والذي سيضم إسرائيل وعدد من دول الشرق الأوسط الأخرى، بعث حياة جديدة في الفكرة المألوفة لتأسيس “حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط”.

وأضاف: “سيكون هذا نوعا من تحالف الدول العربية، الذي سيقيم مع إسرائيل درعا دفاعيا ضد التهديد المشترك المتمثل في إيران”.

وأشار إلى أن الإحاطات الإعلامية الأخيرة التي قدمها مساعدون ومستشارون للرئيس الأميركي بايدن، توحي بأنهم قلقون من مناقشة التحالف العسكري، وبدلا من ذلك يؤكدون على نقطة الحديث المتمثلة في “رفع مستوى اندماج إسرائيل في المنطقة كاستمرار لاتفاقات إبراهيم”.

وتأمل واشنطن أن يساعد المزيد من التعاون، وخاصة في مجال الأمن، على زيادة اندماج إسرائيل في المنطقة وعزل إيران، وفق تقرير لوكالة “رويترز”، مؤخرا.

وأشار موقع “بريكنغ ديفنس” الموقع المتخصص بالشؤون الدفاعية، ومقره نيويورك، في تقرير له، مؤخرا، إلى مسألة تشكيل “ناتو شرق الأوسط”، وأنه من المحتمل أن تظهر بشكل حاسم خلال زيارة الرئيس جو بايدن المرتقبة إلى المنطقة في الشهر المقبل.

وأضاف الموقع، أن تعليقات العاهل الأردني تعد الأقوى من زعيم إقليمي حول هذه القضية. بينما قال وزير الدفاع الإسرائيلي، إن مشروع “الناتو” المطروح سيشمل شبكة دفاع جوي إقليمية بقيادة الولايات المتحدة تضم بعض الدول العربية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.