فشلت الحركات النسوية في المنطقة العربية حتى الآن في إنهاء التسلط الأبوي والذكوري على المرأة والذي ترافق معه ازدياد معدل الجرائم والمشاكل المجتمعية، حيث كان ذلك نتيجة لسياسة وتوجهات إقصاء الرجال من المشاركة في التغيير ومن الحملات التوعوية والتربوية.

هناك خوف كبير من قبل الرجل أن يخسر مكانته أو الدور الذي منح له لمصلحة المرأة ويصبح مجبرا على التعامل معها بعدل مطلق، بحسب رأي الكاتبة النسوية إنعام سلطان. ليس بسيطا أن يتربى الشخص على مبادئ تترسخ فيه من جيل إلى جيل ومن ثم يرى نفسه مرغما على تغييرها كليا. التنافس بين الرجل والمرأة نزع من أمام الرجل امتيازا مهما جدا وهو “الأفضلية المجانية” أي أنه متفوّق على المرأة بكونه رجلا ودون أي جهد إضافي.

العدل مطلوب

ليس من الواجب شرح كلمة نسوية لفهم كامل لهذا المصطلح، بإمكاننا القول بأن النسوية ليست حركة فاشية أو حركة معتمدة تماما على المساواة بين الجنسين بشكل رئيسي حيث تستفز هذه الكلمة الرجل (الجانب الأقوى) وتجعله يعامل الطرف الأخر من يطالب بالنسوية بكل تعالي واستحقار. هي حركة تُعنى بشكل رئيسي بإعطاء المرأة في المجتمع حيث تكون فيه مضطهدة، الحقوق الأساسية التي سلبت منها وأيضا إرجاع حقها سواء من التعنيف أو الظلم التي تتعرض له من قوانين أو دستور لا يعطيها حقها. كما في بريطانيا عندما كان ضد القانون تصويت المرأة وهنا نستطيع الذهاب إلى مفهوم العدل.

حينما نقول أن من العدل أن يحصل كل فرد على ما يستحقه من أجرة مقابل عمله تكون جملة صحيحة ولكن في عرف المجتمعات العربية يرون أن من العدل أن تأخذ الأنثى نصف الأجر، لأنها أنثى في أعمال تبذل فيها ذات جهد الرجل ومن هنا نرجع إلى مفهوم العدل كان وما زال يتشكل مفهوم العدل من قبل القوي ولكن بعد النهضة الفكرية التي اجتاحت العالم لم يعد مفهوم العدل مرتبط بالقوي بل مرتبط بتفسيره المنطقي والصحيح.

ما تحارب من أجله النسوية، هو تحقيق مفهوم العدل والمساواة في أمور الحياة تجريديا دون الخضوع إلى قوانين عرفية أنشأت من قبل المجتمع، وفق سلطان، ومن هنا ينطلق بقية المفاهيم التي تعمل المنظمات النسوية عليها سواء بحصول المرأة على التعليم وقوانين الزواج التي حتى في مجتمعات متحضرة ما زالت رجعية بخصوص سن الزواج والتعليم وكل هذه حقوق أساسية لا تستطيع النساء حول العالم الحصول عليها.

المطالبة بحقوق النساء لم تكن من قبل السيدات في البداية، فقد كتب أفلاطون عن حرية النساء واعتبرهن إحدى أعضاء طبقته العليا وهي الطبقة التي تحكم وتقاتل وكان هناك العديد من الرجال الذين شاركوا في المطالبة بتحقيق العدالة والمساواة في الحقوق مع النساء ودعم موقفهن في الحياة العامة، وقد جاءت هذه المطالبة من منطلق الفهم المنطقي لوجود الجنسين وحاجة المجتمع لهما، فالرجل والمرأة هما الأساس الذي تقوم عليه الأسرة، النواة الأساسية لبناء مجتمع سليم متكافئ، يقوم على العدالة الاجتماعية ويحمي أفراده من أي انتهاكات ويعطيهم الحرية لممارسة انسانيتهم.

الفكر الذكوري

الفكر الذكوري لا يؤثر على حياة المرأة فقط، بل حتى على الرجل نفسه، حيث إنه يفقد إنسانيته مع مرور الوقت، عندما يشعر بأنه أعلى مرتبة من المرأة، ولديه صلاحيات على المستوى المؤسساتي وتختلف من دولة إلى أخرى، ومنها قوانين تزوج المغتصبة من المغتصب بموافقة ولي الأمر، وقتلها باسم الشرف، وتزويجها دون موافقتها ولو كانت قاصرا.

كما أن الفكر الذكوري يهدم العلاقات الأخوية، فيعتقد الرجل بأن علاقته بأخته أو ابنته لا تأخذ شكلا آخر سوى السيطرة، مسيطر وخاضع، فيتلاشى الحب والود ليحل محله العنف والضرب والحبس والتهديد، فيفشل حتى في الزواج عندما يكبر، لأنه لا يعرف شكلا آخر للعلاقة بين المرأة والرجل، كما أن الفكر الذكوري يؤخر الدولة في التنمية، حيث إن منع النساء من الحياة الطبيعية، الدراسة والوظيفة وغيرها، يفقد الدول كما هائلا من العقول والأيدي العاملة والإبداع والتنمية.

احتكر السواد الأكبر من المجتمع مفاهيم الحرية والحقوق والعدل وأسندوها إلى قوانين عرفية نشأت من المجتمع القبلي واستمرت حتى وصلت إلى المجتمع الحديث دون أن يتم هناك عملية إصلاح. وهذا حدث بسبب عدم وجود تعليم فكري جيد يختلف عن التعلم المادي (الطب والهندسة وما يختص بحرفة معينة) ومن منطلق الحرية، للمرأة الحق في أي عمل كان، تكون فيه ذات كفاءة حيث أنه مطلب للاثنين دونما تحديد ما هي الحرية أو وضع مفاهيم معينة تحدد الحرية سواء من قبل المؤيدين للنسوية والمعارضين لها.

كل مجتمع عربي يحكم القفل على المرأة حتى لو لم يقتلها، فحياة تكون فيها منتهكة وتابعة ولا تملك إرادتها أو نفسها أيضا موت، وهنا يأتي دور المنظمات الحقوقية وهي تتحمل العبء في إيجاد مخرج للنساء اللاتي تستعبدن تحت اسم العادات والتقاليد والدين وهضم الحقوق أو التنكيل بالنساء بأساليب العنف التي تصل إلى التعذيب الجسدي والنفسي ويتحمل إثمه الأمهات اللاتي يربين بناتهن على السمع والتبعية والتخلي عن حقوق أساسية إنسانية لها وعن كل شخص لا يتحرك لدفع الظلم، فهذا ما يعنيه العقد الاجتماعي شاء الفرد أم رفض التدخل فهو ضمن مجتمع ينتمى إليه يتحمل عبء فساده و فضيلة نجاحه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.