تصاعدت الأزمة الغذائية في سوريا لدرجة غير مسبوقة، بسبب عدم توفر الغذاء والوقود والطحين، وتفاقمت مؤخرا مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، وانقطاع طرق استيراد معظم المواد الرئيسية، من قمح وأعلاف وغيرها.

كما أدى ارتفاع أسعار الأعلاف إلى زيادة تكاليف إنتاج الأغذية الحيوانية، ما تسبب بخروجها عن قدرة السوريين الشرائية، إذ تشهد أسعار أغلب السلع الغذائية، بمختلف صنوفها في مناطق سيطرة الحكومة السورية، ارتفاعا غير مسبوق، يهدد الأمن الغذائي لأكثر من اثني عشر مليون شخصا، وفقا لتقديرات سابقة للأمم المتحدة.

 وأتت حرب أوكرانيا، فضلا عن العقوبات الغربية على دمشق، لتزيد صعوبة التمويل المصرفي، وتحرم الحكومة السورية من قدرتها على تأمين استيراد الأعلاف والحبوب من روسيا وأوكرانيا. إذ تحتاج الحكومة السورية سنويا مليونين ومئتي ألف طن من القمح، لتوفير الخبز في مناطق سيطرتها، التي يبلغ فيها متوسط تكاليف معيشة عائلة مكونة من خمسة أفراد 2.8 مليون ليرة (714 دولاراً)، وفق تقديرات “مؤشر قاسيون الاقتصادي”، التابع لحزب الإرادة الشعبية السوري. الأمر الذي يكشف مدى تفاقم الأزمة الغذائية في سوريا.

نقص الأعلاف يزيد أسعار الغذاء

ويعاني مربو الثروة الحيوانية من انعدام قدرتهم على تأمين العلف للحفاظ على مصدر رزقهم، وتأمين منتجات غذائية للأسواق. تساعد في تخفيف الأزمة الغذائية في سوريا.

خالد صبحي، البالغ من العمر اثنين وأربعين عاما، وهو صاحب مدجنة في ريف دمشق، قال لـ”الحل نت” إن “هناك نقصا في الأدوية البيطرية، وفي العلف وغيره من مستلزمات إنتاج الفرّوج والبيض، ما دفع بعديد من مربي الدواجن للخروج من دائرة الإنتاج. وهذا بدوره خلق نقصا في مادتي البيض والفرّوج، وارتفاع أسعارها في السوق المحلية”.

 ويوضح أن “الذرة الصفراء وفول الصويا وبعض المتممات الغذائية ارتفع سعرها بنسبة كبيرة، إذ بلغ سعر طن الصويا 3.2 مليون ليرة سورية، جراء تحكّم التجار والمستوردين بسعر العلف وطريقة توزيعه، وهذا بدوره ينعكس على أسعار البيض والفرّوج”. مؤكدا أنه “في حال لم تدعم الحكومة السورية العلف، وتفتح دورات علفية للمربين، فسيضطر لإغلاق منشآته، التي تعتاش منها حوالي خمس عائلات، فضلا عن خسارة السوق لمنتجاته”.

. ولا تقتصر مشكلة الدواجن، بكل انعكاساتها على الأزمة الغذائية في سوريا، على توفّر العلف من عدمه، بل تمتد وفقا للمهندس الزراعي سائر بيضون، إلى “الضرائب المفروضة على مربي الدواجن، والمقدّرة بنسبة خمسين بالمئة من الأرباح السنوية الصافية لمنشآت الدواجن والمباقر”.

 ويقول بيضون لـ “الحل نت” “إن “ضعف القوة الشرائية للسكان، وانخفاض الدخل، ساهما في إغلاق العديد من منشآت الدواجن الخاصة، فضلا عن عجز مربي الدواجن الصغار عن الاستمرار في عملية الإنتاج”.

 ولعل أسعار الفرّوج والبيض، التي خرجت من دائرة استهلاك أغلب الأسر السورية، أحد أهم فصول الأزمة الغذائية في سوريا، نظرا لأهمية هاتين المادتين في سلة غذاء السوريين. ويبلغ سعر الفروج اليوم، في سوق باب سريجة الدمشقي، اثني عشر ألف ليرة، وسعر طبق البيض ستة عشر ألف ليرة.

الموظف الحكومي عصام، البالغ من العمر واحدا وأربعين عاما، قال لـ “الحل نت”: “لدي أسرة مكوّنة من خمسة أشخاص، ودخلي لا يتجاوز مئة ألف ليرة”. مشيرا إلى أن “عائلته استغنت عن الفروج منذ سنوات، وسط اعتمادها في معيشتها على مساعدات الجمعيات الخيرية، التي توزع بعض السلل الغذائية”. مضيفا: “لولا هذه السلل لمتنا من الجوع”.

 عصام وعائلته ليسوا حالة فريدة، فهذا حال أغلب الأسر مع الأزمة الغذائية في سوريا، وسط تقديرات برنامج الأغذية العالمي بوجود 1.3 مليون سوري يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد، و12.4 مليون يعانون انعدام الأمن الغذائي. وباتت سوريا تصنّف الآن بين أشد عشر دول تواجه انعدام الأمن الغذائي على صعيد العالم، بحسب جويس مسويا، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، خلال جلسة لمجلس الأمن بتاريخ الخامس والعشرين من شباط/فبراير من العام الجاري.

ماذا تبقّى من القطعان وسط الأزمة الغذائية؟

لا تختلف معاناة مربي الدواجن عن غيرهم من مربي الثروة الحيوانية في سوريا. إذ اضطر عدد من مربي الأغنام والأبقار لاتباع طرق عدة للحفاظ على ثروتهم الحيوانية من التلاشي، في ظل غلاء أسعار العلف. ما يهدد بتصاعد شديد للأزمة الغذائية في سوريا.

 وفي هذا السياق يقول سمير، البالغ من العمر خمسة وخمسين عاما، ويملك مزرعة أبقار صغيرة في مدينة حرستا بريف دمشق: “هذا العام كانت المراعي قليلة، وكذلك العلف الذي ارتفع سعره بشكل جنوني، إضافة لعدم توفر الأدوية البيطرية”. مضيفا أنه “اضطر لبيع نصف أبقاره كي يستطيع الحفاظ على النصف الأخر”.

 ويوضح، في حديثه لموقع “الحل نت” أن “تهريب قطعان الأغنام وسرقتها خلال سنوات الحرب أديا إلى ارتفاع سعر اللحوم، وإلى تضرر كثير من المربين الكبار للثروة الحيوانية. فقد ارتفع سعر كيلو العلف بشقيه، علف التسمين وعلف الحليب، من ألفين وخمسمئة ليرة إلى ستة آلاف ليرة”.

 وكان أسامة حمود، مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة السورية، قد أعلن عن فقدان الثروة الحيوانية في سوريا نحو أربعين إلى خمسين بالمئة من قطيعها. وقال في تصريحات صحفية إن “قطعان الأبقار انخفضت لحوالي ثلاثين بالمئة، وأربعين بالمئة بالنسبة للأغنام، وخمسين بالمئة بالنسبة لقطاع الدواجن، الذي تضرر بالشكل الأكبر، لأن غالبية أعلاف هذا القطاع مستوردة”.

السياسات الحكومية تزيد الأزمة الغذائية في سوريا

ويرجع المهندس سائر بيضون تضرر الثروة الحيوانية، وآثار ذلك على تصاعد الأزمة الغذائية في سوريا، إلى “اتباع الحكومة السورية سياسات اقتصادية ليست في صالح المربين، منها رفع ضريبة الأرباح على منشآت الدواجن والأبقار، وتأثر عملية استيراد المواد العلفية من روسيا وأوكرانيا، جراء الغزو الروسي، وما أحدثه من تداعيات اقتصادية على مختلف دول العالم”.

 كذلك توقفت الحكومة السورية عن دعم زراعة المحاصيل العلفية، بحسب بيضون، الذي يشير إلى أن “التوقف عن دعم زراعة المحاصيل العلفية يصبّ في مصلحة مستوردي الأعلاف، الذين يتحكمون بسعر العلف، وبالتالي بأرزاق مئات من أصحاب منشآت الدواجن والأبقار”.

 ولا يؤثر تضرر الثروة الحيوانية على تناقص عددها، وخروج المربين من السوق وخسارتهم، إنما تصل تداعياتها إلى انخفاض الإنتاج في السوق المحلية، وارتفاع الأسعار بما يفوق قدرة السكان، في الوقت الذي لا يتجاوز متوسط دخل الموظف اثنين وتسعين ألف ليرة سورية.

 ويقول فادي آغا، البالغ من العمر ثمانية وثلاثين عاما، وهو موظف في القطاع المصرفي الخاص لـ”الحل نت”: “لم نعد قادرين على شراء الحليب ومشتقاته، إذ يبلغ سعر كيلو الحليب ثلاثة آلاف ليرة، أما اللبنة فتجاوز سعرها الأربعة عشر ألف ليرة للكيلو الواحد”. مضيفا أن “هذه الأسعار هي لمنتجات الحليب متوسطة، وربما منخفضة الجودة”.

 وتقدّر بيانات وزارة الزراعة بحكومة دمشق الثروة الحيوانية في سوريا اليوم بـ 832 ألف رأس بقر، ونحو 15.4 مليون رأس من الأغنام، ولا يزيد عدد المزارع المرخصة المنتجة للدواجن عن 6.9 آلاف مزرعة. وبالتالي فإن استمرار تناقص هذه الثروة، غير الكافية أصلا، يهدد بتحوّل الأزمة الغذائية في سوريا إلى مأساة إنسانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.