تكاليف الإنتاج بشكل عام في أي قطاع في سوريا، بات أغلى من المبيع، نتيجة تدهور الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي واستيراد نسبة كبيرة من المواد الأولية من الخارج وبالعملة الأجنبية، بالإضافة إلى عدم وجود دعم حكومي، وكذلك استغلال واحتكار التجار والسماسرة في تسويق البضائع، بالإضافة إلى تأثير ارتفاع أسعار المشتقات النفطية مثل المازوت الذي يدخل في عملية الإنتاج، وكذلك أجور النقل، والقطاعات الأكثر تضررا نتيجة هذا الأمر هو القطاع الزراعي وخاصة مزارعي الأشجار المثمرة، حيث أصبحت خسارة مزارعي أشجار الفاكهة مرهقا، فمثلا وصل أجر ساعة الفلاحة على الجرار الزراعي 50 ألف ليرة سورية، وأجر الساعة للفلاحة على “العزاقة” حوالي 20 ألف ليرة.

تكاليف باهظة

مع وصول إنتاج محافظة السويداء من الأشجار المثمرة، “تفاح، عنب، تين، رمان، دراق، إجاص، كرز ..إلخ”، هذا الموسم إلى 129 ألف طن، إلّا أن تسويق هذه المُنتوجات ، وفق ما أفاد به عدد من المزارعين، مازال يذهب للسماسرة والتجار، من جراء انعدام المنافذ التسويقية الضامنة لحقوق المزارعين، وفق ما نقلته صحيفة “تشرين” المحلية، اليوم الثلاثاء.

ووفق مزارعين، فإن التجار يشترون منهم بأسعار زهيدة، ليتم طرحه بالأسواق بأسعار مرتفعة، ما أوقع المزارعين، في مطب الخسائر المالية، وخاصة أمام ارتفاع تكاليف الإنتاج التي باتت ترهقهم ماديا.

وأضاف المزارعين، أن أجرة ساعة الفلاحة على “العزاقة” وصلت إلى نحو 20 ألف ليرة سورية، وأجرة ساعة الفلاحة على الجرار الزراعي إلى 50 ألف ليرة، وأجرة ساعة التقليم إلى 4000 ليرة.

ويضاف إلى ما ذُكر أسعار المبيدات الحشرية، التي أصبحت تحتاج ميزانية مالية سنوية تفوق المليوني ليرة، خاصة وسعر الكيلو الواحد من كبريت الذواب يبلغ في الصيدليات الزراعية 19000 ليرة، علما أن سعره خلال الموسم الماضي، كان لا يتجاوز الـ9 آلاف ليرة.

كما وصل سعر الليتر الواحد من مبيد ألفا سايبر إلى 58500 ليرة، أما”ظرف” مانع التغذية، فقد ارتفع من 4000 ليرة خلال الموسم الماضي إلى 8800 ليرة هذا الموسم، يذكر أن هذا الظرف يكفي فقط لبرميلٍ واحد، كما قفز سعر ”ظرف” الزينيت من 3000 ليرة في العام الماضي إلى 6500 ليرة حاليا, وهو يكفي لبرميل واحد أيضا، وقد وصل سعر الليتر الواحد من مبيد دمكتين إلى 19 ألف ليرة.

تكاليف التسويق “مرهقة”

من ناحية أخرى يضيف المزارعون للصحيفة المحلية: إن باب التسويق الوحيد المتاح لهم، هو سوق هال العاصمة دمشق، حيث لا يزال الطريق إليه محفوفا بالعديد من الصعوبات، تتمثل في البداية بـ “الكمسيون” الذي يتقاضاه القائمون على السوق، والتي تصل إلى8 بالمئة من إجمالي قيمة الفاتورة للكمية المباعة، المترافق مع الدور شبه المعدوم لسوق هال مدينة السويداء، لكون تجاره غير قادرين على شراء كامل الإنتاج. حيث أنه “حديث الولادة” ويفتقر إلى العديد من المعدات اللازمة لعملية تصريف المنتج، وأهمها القبان الذي لم يتم صنعه حتى الآن.

من جانبه، مدير زراعة محافظة السويداء أيهم حامد، قال للصحيفة المحلية، برغم من قلة الهطولات المطرية، وموجة الصقيع التي جاءت بموعد الإزهار تقريبا، إلا أن إنتاج المحافظة من الأشجار المثمرة لم يتأثر على الإطلاق، فالمناطق التي تأثرت أشجارها بالصقيع محدودة ولا تتجاوز سبع قرى.

وأردف حامد، أن هناك مشاكل لا تزال تفرض نفسها على مزارعي الأشجار المثمرة، إضافة إلى ما ذكره المزارعون، وهو نقص الأسمدة والمبيدات الكافية، مما يجعل من المستحيل التسميد والرش، بسبب عجز المزارعين على الشراء بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات في السوق المحلي، فضلا عن تذبذب هطول الأمطار من موسم إلى آخر، مما أدى ويؤدي إلى عدم انتظام إنتاج الأشجار المثمرة، على حد تعبيره.

قد يهمك: الزراعة أكثر المجالات الاستثمارية فعالية في سوريا

خسارة مزارعي الخضار

لا يعاني مزارعو الأشجار المثمرة وحدهم من الخسائر، وإنما مزارعي الخضار في الساحل السوري يواجهون أيضا هذه العقبة. إذ أفاد عدد من مزارعي الخضار، في العاشر من تموز/يوليو الجاري، أنهم تكبدوا لجملة من الخسائر نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج واحتكار التجار والسماسرة في شراء السلع، بحسب ما نقلته صحيفة “تشرين” المحلية في وقت سابق.

حيث بالرغم من أن إنتاج محافظة السويداء هذا الموسم من الخضروات الصيفية “بندورة – كوسا – بطيخ – خيار.. إلخ” وصل إلى 85 ألف طن، إلا أنه -بحسب تصريح عدد من المزارعين في وقت سابق– يذهب إلى جيب التجار والسماسرة وأجور النقل وبأسعار منخفضة لا تساوي تكاليف الإنتاج.

عدم جدوى زراعة الحمضيات

بعد تراجع أسعار الحمضيات في الساحل السوري خلال السنوات الماضية، وتكبد المزارعين لخسارات عدّة ولأسباب أهمها، قلة الدعم الحكومي، واستغلال واحتكار التجار والسماسرة في تسويق السلع، اتجه العديد من المزارعين إلى اقتلاع أشجار الحمضيات وإقامة زراعات بديلة مكانها. وكان من بين هذه الزراعات، الفواكه الاستوائية، منها: “القشطة، السيبوتا، الشوكولا السوداء، الأفوكادو الصنوبرية، المنغا المصرية، والدراكون والعديد من الأصناف الأخرى”، وقد نجح البعض منهم نجاحا جيدا بهذه الزراعات.

من بين المزارعين الذين اتجهوا إلى زراعة الحمضيات البديلة، المزارع حيدر صالح، من قرية يحمور في محافظة طرطوس الساحلية. إذ بعد خمس سنوات من توجهه إلى الزراعة البديلة للحمضيات، احتل المركز الأول في سوريا بزراعة فاكهة “دراكون” الاستوائية من حيث حجم مزرعته التي تبلغ مساحتها أكثر من خمسة عشر دونما، وعدد الأشجار التي تحتويها قرابة 14 ألف شجرة، وبلغت نوعية وكمية الإنتاج نحو خمسة عشر طنا، وتتزايد يوما بعد يوم، بحسب ما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا.

وقال صالح للصحيفة المحلية وقتذاك: “بعد تراجع أسعار الحمضيات بسبب ارتفاع التكاليف وانعدام الجدوى الاقتصادية، بدأت بالبحث عن بدائل لها، وقد نصحني أحد الأصدقاء بالتوجه نحو المحاصيل الاستوائية التي كانت في بداياتها، وفي عام 2017، بدأت بالفعل في زراعة بعض أنواع الزراعات الاستوائية.

وفي ظل غياب الرقابة الحكومية، تسيطر الفوضى على أسواق بيع الخضار والفاكهة في سوريا، فالمواد تباع في أسواق الجملة بدون فواتير نظامية، ما يفتح الباب لمزيد من فوضى الأسعار خلال عمليات البيع إلى المستهلكين.

هذا ويشهد السوق السوري ارتفاعا ملحوظا في أسعار الخضار والفواكه والسلع الغذائية وغيرها من المواد المعيشية الأساسية، وهذا السعر المرتفع لا يتناسب مع مستوى رواتب ومداخيل المواطنين بطبيعة الحال، وسط فشل حكومة دمشق في تحقيق وعودها بضبط الأسعار ودعم القطاع الزراعي.

قد يهمك: عجز عن تأمين الأسمدة في سوريا.. ما القصة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.