دفعت الحرب السورية بآلاف السوريين للنزوح والهجرة، وكثير منهم اتجه نحو تركيا، وما إن بدأت العائلات السورية تصل حتى انتشرت في تركيا ظاهرة زواج السوريات من رجال أتراك بشكل غير قانوني في معظمها.

هربت سعاد حسان (اسم مستعار) البالغ عمرها ثلاثة وثلاثين عاما من ريف ادلب إثر وفاة زوجها منذ أربع سنوات؛ إلى تركيا ومعها طفلتها ذات الخمسة أعوام، وقررت بعدها الزواج من رجل تركي. تحكي سعاد لـ “الحل نت” عن تجربتها فتقول “حين وصلت كنت فتاة أرملة ولاجئة، ولم أتلقى مساعدة من أحد فكان خياري الوحيد هو البحث عن رجل تركي ليتزوجني، ويؤمن لي ولطفلتي منزلا وحياة كريمة، بالرغم من أن زوجي التركي يكبرني بثلاثين عاما، وهو متزوج سيدة تركية، والحقيقة أنا لا أشعر بنفسي أنني متزوجة، لأن زوجي يأتي إليّ كل يومين لمدة ساعة ويذهب، فهو لا يستطيع البقاء معي فترة طويلة خوفا من معرفة زوجته التركية من أنه متزوج من أخرى”.

توافق السيدة منى منصور (اسم مستعار) سعاد في وصف حالها، وهي التي وصلت مع أهلها وأخوتها إلى ولاية مرسين منذ ست سنوات فتقول “السورية التي تتزوج تركياً تشعر أنها خليلة أو عشيقة فلا حياة زوجية حقيقية ولا أسرة طبيعية، فمعظم من يتزوجن من أتراك يكنّ الزوجة الثانية كحالي، أنا محرومة من حقي في الأمومة فزواجي ليس قانونيا أو رسميا، لأن القانون التركي لا يسمح بتعدد الزوجات، فلا مجال لإنجاب أطفال وتسجيلهم بشكل رسمي من زواج باطل”.

حقوق السوريات زوجات الأتراك لا تُثبتها وثائق

المحامي علي تباب، يوضح لـ “الحل نت” الأزمة القانونية التي تنشأ من زواج السوريات بأتراك فيقول “تعاني السورية من فقدان لرعاية قانونية لحقوقها كزوجة ثانية في القانون التركي، فلا يوجد مفهوم الزواج المتعدد، وعقد الزواج التركي هو عقد مدني تضع فيه الزوجة شروطا، وكذلك الزوج، وليس عقدا خاضعا للشريعة الإسلامية، فالمادة 143 من القانون المدني التركي لا تعترف بالزواج الذي لا يتم إبرامه وتوثيقه في مكتب الزواج بالبلدية المختصة. القانون التركي لا يسمح بتعدد الزوجات، وبالتالي لا يستطيع الرجل التركي من تثبيت زواجه من المرأة الثانية أبدا ولا حتى في البلدية”.

وعن عواقب الزواج غير القانوني في تركيا، يضيف تباب “لا تقبل المحاكم التركية أي دعوى لتثبيت الزواج لاحقا ولو أصبح هناك حمل أو أولاد، ولا يمكن للزوجة السورية الحصول على أي حق قانوني نتيجة زواجها من تركي، والأولاد بناء على هذا الزواج الذي عقد خارج المحكمة لا يثبت نسبهم من والدهم التركي إلا بإقرار منه في دائرة النفوس. لأن أمهم بمثابة الخليلة وليست زوجة، كما تستطيع الزوجة التركية الأولى أن تنسب الأولاد لها إن أرادت. أما إذا كانت السورية زوجة أولى فعقدها ضامن لها، لكن المعضلة أن هناك اوراق مطلوبة من السيدة، ومنها ورقة إثبات العزوبية والتي يجب أن تحضرها من سوريا، وهو الأمر الذي قد يتعثر”.

هموم السوريات في تركيا

وصلت السورية إلهام راضي (اسم مستعار) إلى تركيا عام 2014، وكانت متزوّجة منذ عشر سنوات ولديها ثلاثة أولاد. بعد وصولها إلى تركيا، نشب خلاف بينها وبين زوجها، فقررا الانفصال. لتبدأ مشكلة إلهام مع القوانين السورية التي تختلف عن بلد إقامتها، فلا تعترف قوانين تركيا على طلاق الهام من زوجها، وتشرح لـ”الحل نت” حالتها بالقول “الهموم لا تقف عند حد، معاناتنا من الحرب وطلاقي من زوجي زادها عدم اعتراف السلطات التركية بطلاقي، فأنا تزوجت في سوريا وفق قوانين الأحوال الشخصية السورية، وأنا هنا في تركيا مسجّلة على أنّني متزوجة رغم طلاقي، وعليّ تقديم الأدلّة على ذلك وتعديل وضعي، لأن القانون لا يعترف بالطلاق الشرعي الذي يحتاج إلى توثيق في المحاكم، لقد رفعت دعوى طلاق ضد زوجي السابق ووكّلت لي المحكمة محامياً للمرافعة منذ أربع سنوات، ولكن حتى الآن لم تنتهِ القضية، ولم أحصل على قرار الطلاق من المحكمة، فطليقي يعتبر أنه طلقني شرعيا، ولا حاجة للمثول أمام المحكمة وتكلف عناء الحضور. لاشيئ يجبره ليفعل ذلك، مع الأسف”.

تشارك أسمهان حميد السيدة إلهام ذات الشجن، فهي تطلقت من زوجها في تركيا، وبعد الطلاق أخذ طليقها أطفالها ومنعها من رؤيتهم أو الاتصال بهم، وانتقلت للعيش مع أهلها لمدّة عامين في ولاية دنيزلي التركية حيث تزوّجت من شخصٍ تركي بعقد غير مسجّل رسميا.

تحكي أسمهان قصتها لـ “الحل نت” قائلة “كان قد وعدني زوجي بأن يتم توثيق زواجنا لاحقا بعد أن ينتهي من معاملة الطلاق من زوجته الأولى في المحاكم وفعلا تم ذلك، لكن للأسف صدمنا بعدم إمكانية تثبيت الزواج لأنني مسجّلة لدى السلطات التركية على أنّي متزوجة من شخص سوري ولم يتم تعديل بياناتي بعد الطلاق. أنا أعيش حالياً في اسطنبول وزوجي السابق في أنطاكيا، وهو يرفض أن يساعدني على استخراج ورقة الطلاق، كما أن بطاقة الحماية الموقّتة الخاصة بي قيدها في أنطاكيا وتم إيقافها، لذلك لا أستطيع تسجيل زواجي ولا تسجيل أولادي”.

الجدير بالذكر أن آخر الإحصائيات الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية، تفيد بتسجيل زواج أتراك من 23,687 عرائس أجنبيات، وكانت السوريات في الصدارة بنسبة 14.6 بالمئة من إجمالي زيجات الأتراك من أجنبيات، بمعدل يزيد عن 3400 حالة زواج حصلت في عام 2021.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.