لا يبدو أن القمة الثلاثيةالتي جمعت روسيا وإيران وتركيا في طهران مؤخرا، والمعروفة بـ”مجموعة أستانا”، كانت تهدف بشكل فعلي لإيجاد حل سياسي لسوريا، حتى وفق مسار “أستانا” الذي تحاول هذه المجموعة جعله المسار الرئيسي لحل الأزمة السورية، حيث تركزت القمة على محاولات تخفيف التوتر في بين الدول الثلاث في الملف السوري.

فالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان واضحا في تصريحه خلال انعقاد القمة، عندما اعترف بوجود اختلافات مع الإيرانيين والأتراك في الملف السوري، مبينا أن التوافق بينهم محصور حول اللجنة الدستورية ومكافحة الإرهاب، وفي الوقت نفسه تسعى روسيا في الآونة الأخيرة لتعطيل عمل اللجنة التي تدعي أنها جزء من مسار الحل، وذلك عندما عطلت بالتعاون مع دمشق عقد الجولة التاسعة من القمة، تحت ذرائع مختلفة، ما يطرح التساؤل حول جدية مسار “أستانا” ليكون مسارا للحل، أو أن هذا المسار تحول لإطالة أمد النزاع في سوريا من خلال تعطيله وتعطيل كل الحلول الأخرى، وعلى رأسمها مسار “جنيف”؟

تقرير لشارلز ليستر، مدير قسم مكافحة الإرهاب في “معهد الشرق الأوسط”، نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية يوم أمس السبت، يوضح، أن قمة طهران الثلاثية الاخيرة، لم تأت بجديد حول سوريا سوى استمرار “مجموعة أستانا”، في إعادة ذات النقاط التي نوقشت خلال السنوات الماضية.

ويرى التقرير، الذي اطلع عليه “الحل نت”، أن “مجموعة أستانا”، وعلى الرغم من أنها المحرك الأساسي للملف السوري منذ العام 2015، إلا أنها بعد قمة طهران، باتت تعمل على إطالة أمد سياسة المماطلة، التي اتُهمت بها الدول الغربية من قبل دول المجموعة في السنوات الماضية.

وبحسب التقرير، فإن المجتمع الدولي، راض حاليا عن التدهور الاقتصادي والفساد والعملية السياسية المحتضرة في سوريا، والتي تجعل البلاد على حافة تقسيم فعلي لكنه غير رسمي، ومن هنا جرى تقليص أهمية هدف “حل النزاع” في سوريا، إلى درجة عدم الجدوى تماما، وذلك في الوقت الذي يتم اعتماد نهج “إدارة الصراع” أو “احتواء الصراع”، كنهج يرسم ملامح السياسة الخارجية بشأن سوريا، بمعنى أن الصراع داخل سوريا أصبح حقيقة مقبولة بشرط، ألا يتفاقم إلى مستوى من شأنه تغيير الواقع الراهن.

ويخلص التقرير، إلى أن الحل في سوريا لا يزال هدفا بعيد المنال، والترحيب بعودة الأسد من المجتمع الدولي، سيؤدي إلى تفاقم النزاع وعدم الاستقرار، وهنا يواجه المجتمع ضرورة الاختيار بين الجلوس وقبول حالة عدم الاستقرار، أو العمل على تحقيق الاستقرار تدريجيا في المناطق التي تعارض حكومة دمشق، وخلق وضع قائم أكثر استدامة، ومشيرا في الوقت نفسه إلى أنه ليس هناك احتمال واضح للتحول نحو نهج الاستقرار.

أستانا والمماطلة في الحل

تقرير “معهد الشرق الأوسط”، يرى أن “مجموعة أستانا”، وعلى الرغم من أنها المحرك الأساسي للملف السوري منذ العام 2015، إلا أنها بعد قمة طهران باتت تعمل على إطالة أمد سياسة المماطلة، التي اتُهمت بها الدول الغربية من قبل دول المجموعة في السنوات الماضية.

وفي هذا السياق، يرى الكاتب السياسي، فراس علاوي، أن “مجموعة أستانا”، تحاول الحفاظ على الحد الأدنى من التوافق بالنسبة لمناطق نفوذ القوى المؤثرة في المجموعة أي روسيا وتركيا وإيران، مبيّنا أن أي اجتماع لهذه المجموعة يهدف بشكل أساسي للحفاظ على حالة عدم التصعيد فيما يسمى مناطق خفض التصعيد، والحفاظ على قواعد الاشتباك بين القوى الثلاث، لذلك لوحظ تراجع في حدة التصريحات التركية، حول العملية العسكرية في الشمال السوري بعد القمة في طهران.

وأضاف علاوي، أن “مجموعة أستانا”، تحاول أن تكون نقطة تلاقي للحل، من خلال رؤيتها، وبعيدا عن القرارات الدولية ومسار جنيف، أي أن محاولاتها هي لجعل “أستانا”، هي المرتكز الوحيد للحل في سوريا، لذلك اتخذ أسلوب نهج المماطلة، خاصة أن الدول الغربية لا تريد التدخل في سوريا بأكثر من الحد الأدنى للتدخل.

إقرأ:قمة طهران الثلاثية.. ماذا سيحصل في سوريا؟

الاحتواء نهج الجميع في سوريا

بحسب التقرير، فإن المجتمع الدولي، يميل إلى “احتواء الصراع”، كنهج يرسم ملامح السياسة الخارجية بشأن سوريا، بمعنى أن الصراع داخل سوريا أصبح حقيقة مقبولة بشرط، ألا يتفاقم إلى مستوى من شأنه تغيير الواقع الراهن.

علاوي، يرى أن نهج الاحتواء هو نهج جميع الأطراف، وخاصة محور “مجموعة أستانا”، إضافة للدول الغربية، وهذا ما ساعد محور “أستانا” في تحقيق نجاح نسبي في خفض التصعيد باعتبار الأطراف الثلاث المشاركة، هي الأطراف المؤثرة على القوى الرئيسية المتصارعة في سوريا، فتركيا تسيطر على ما تسمى المعارضة، فيما تتقاسم كل من روسيا وإيران السيطرة على دمشق سياسيا وعسكريا، مشيرا إلى إمكانية استمرار هذا النهج خلال المرحلة القادمة.

ومن جهة ثانية، لم تشهد الآونة الأخيرة أي عمليات دفع غربي حقيقي للمسار السياسي في سوريا، بل ترك الغرب أمر التحكم في هذا الملف للروس، الذين عملوا خلال الأعوام الماضية على حرف الملف عن مسار جنيف، والقرار 2254، فيما لم يضغط الغرب لإعادة الملف إلى مساره المفترض.

وفي هذا السياق، قال الباحث كرم الشعار، لموقع “الحل نت” في وقت سابق، أن أهمية سوريا بالنسبة للغرب انخفضت، فالساسة الغربيون على قناعة أن احتواء سورية أقل كلفة من الضغط باتجاه حل سياسي، فالضغط للحل السياسي، يحتاج إلى تنازلات لروسيا ولإيران، وقناعة الغرب ان تقديم تنازلات، هو أمر غير مجدي، فالاحتواء خلال الفترة الماضية هو حل مناسب للغرب.

وأوضح الشعار، انه يجب النظر إلى الأولويات الغربية في سوريا، فاحتواء ما يجري يحل عدة مشاكل للغرب دون الوصول لحل سياسي، والأولويات الغربية، هي مكافحة الإرهاب، وهذا يتم حاليا من خلال الأطراف الفاعلة على الأرض والتي أجمعت على محاربته، وليس من خلال الوصول لحل سياسي عادل.

وأيضا إيقاف الهجرة للدول الأوربية، وهذا تم حله من خلال إقناع دول جوار سوريا بإبقاء اللاجئين، وتقديم المساعدات لهم، وللدول المضيفة، بالإضافة إلى ضمان أمن إسرائيل، وهي أولوية للغرب، وهناك ضوء أخضر لإسرائيل للتدخل في سوريا أينما أرادت ومتى أرادت، في حال شعرت بوجود أي تهديد، أي ما يريده الغرب في سوريا استطاع تحقيقه بطريقة احتواء الأزمة دون حلها، بحسب الشعار.

قد يهمك:لقاء روسي تركي في إيران.. ماذا يحمل عن سوريا؟

لا حل قريب في الأفق

تقرير “معهد الشرق الأوسط”، يوضح أنه لا توجد إرادة دولية واضحة لأي نوع من الدفع، للمضي قدما نحو تأمين نوع من التغيير والعدالة اللازمين لتحقيق المصالحة بين السوريين، وتحقيق الاستقرار في البلاد.

كما تشير العديد من التقارير الصحفية، إلى تخلي المجتمع الدولي عن سوريا في الوقت الحالي لصالح روسيا وإيران، فيما تتابع الملف مع دول المنطقة بشكل هادئ، وهذا ما أشار إليه الصحفي الأميركي، روش روغين، في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، قبل أيام حين نقل عن متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، قوله إن سوريا “موضوع نقاش منتظم” مع شركاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج، وإن الإدارة منخرطة باستمرار في دبلوماسية هادئة بشأن سوريا”.

وفي هذا السياق، يرى فراس علاوي، أن هناك قرارا دوليا تم اتخاذه بعدم تقديم أي دعم عسكري، أو إيجاد حل عسكري في سوريا، مع أي طرف من الأطراف، وإنما يتردد الحديث دائما عن الحل السياسي وكيفية تطبيقه، وهذا ما أدى لانسداد الأفق أمام أي حل سياسي في الوقت الحالي.

لذلك تم التحول مؤخرا إلى الحديث عن الممرات الإنسانية وإدخال المساعدات، أي أن الحل السياسي يحتاج لأمد طويل، وهو غير واضح، ولا يوجد لدى المجتمع الدولي نية للتوصل إلى حل لتبقى فكرة الاحتواء هي السائدة، بحسب علاوي.

وختم علاوي، بأن الحالة السائدة بين الدول الكبرى في الملف السوري، يمكن تسميتها حالة اللاصراع واللاحل، فالعلاقات الدولية مُصابة بالفتور بسبب الأزمات الحالية على المستوى الدولي، لذلك سيبقى الملف السوري في نقطة انتظار، حتى تجد الدول الكبرى حلا لخلافاتها، أو أن تصل لمرحلة صراع تستغل من خلاله الملف السوري من خلال فرض حلول آنية سواء بتصعيد الصراع على الأرض السورية، أو من خلال حلول وتوافقات دولية.

إقرأ:قمة جديدة بين تركيا وروسيا في سوتشي.. ماذا ستبحث؟

لا حل يلوح في الأفق بالنسبة للملف السوري، فهناك ملفات على الساحة الدولية ما يجعل سوريا على قائمة الانتظار ريثما يتم إنهاء الملفات الكبرى، وعلى رأسها الغزو الروسي لأوكرانيا، وملفات الطاقة، فيما يبقى السوريون في وسط المعاناة والتشرد وتردي كل مناحي الحياة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.