في التداول الإعلامي لم يعد خبر حصار مئات المدنيين في مخيم الركبان أمرا مثيرا لمشاعر التعاطف، استنادا لقاعدة أنه كلما طالت المأساة كلما تأقلم المتلقون معها، غير أن الخبر الجديد عن أوضاع مخيم الركبان هو أنه ربما يواجه آخر مراحل تفكيكه، وبالتالي تشريد كل الأسر التي تعيش داخله، الأمر الذي يجعلها تواجه كثيرا من المخاطر، يأتي على رأسها خطر الاعتقال.

التحدّث مع سكان المخيم يشي بأن طاقة تحمّلهم بدأت تنفد، ولم يعد أمامهم سوى العودة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، عبر معابر “إنسانية” تم تشييدها خلال السنوات الماضية من قبل روسيا، رغم معرفتهم المسبقة بالمخاطر المحيطة بهذه العودة، ولكن يبدو أنها الحل الوحيد للخروج من المخيم.

يقع مخيم الركبان في “المنطقة 55” المنزوعة من السلاح في البادية السورية، وهي منطقة بعيدة عن كل شيء، وقد أغلق الأردن أبوابه بوجه المخيم وسكانه منذ سنوات عدة، في حين حُوصر من قبل القوات النظامية والفصائل الأجنبية الموالية لها من الشمال والغرب.

لا يبدو المخيم أكثر من مجموعة خيام وبيوت طينية في وسط الصحراء، ولكنه وراء ذلك يمتلك قيمة سياسية، فهو قريب من قاعدة التنف العسكرية الأمريكية، التي لا تقدّم للمدنيين هناك أي مساعدة تُذكر.

لماذا تغادر العائلات مخيم الركبان بشكل يومي؟

رغم أن حصار مخيم الركبان مستمر منذ ثلاث سنوات، إلا أنه اشتد بشكلٍ غير مسبوق في الأشهر الفائتة، ما جعل أبسط أولويات الحياة، مثل المياه النظيفة والرعاية الطبية، وحتى الطعام، صعب المنال.

قدّم محمد درباس الخالدي، رئيس المجلس المحلي لمخيم الركبان، شرحا مفصلا لـ “الحل نت”، عن دوافع وحيثيات العودة إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق، قائلا: “بسبب الأمراض، التي تصيب بعض السكان، وعدم توفّر العلاج لهم في النقطة الصحية غير المجهزة جيدا من جهة؛ وبسبب الفقر الذي يجعل قسما من العوائل غير قادرة على توفير الطعام اليومي، وعدم وجود من يحوّل لها أموالا من خارج المخيّم لشراء الطعام من جهة أخرى، يُجبر الناس على مغادرة المخيم إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، رغم علمهم المسبق بالمخاطر الأمنية التي تنتظرهم”.

ويوضح الخالدي أن “كثيرا ممن خرجوا تم اعتقالهم على أول حاجز أمني. البعض منهم اختفى ولا توجد أية أخبار عنه، والبعض الآخر تم الزج به إلى الجبهات في إدلب أو البادية، للقتال على الخطوط الأولى ضد تنظيم داعش، كما أن أقارب عدد من المعتقلين دفعوا مبالغ طائلة، وباعوا أراضيهم، من أجل إخراجهم من المعتقلات”.

وقدّر الخالدي عدد العائلات الخارجة من المخيم بنحو ثلاث إلى أربع عائلات أسبوعيا، موضحا أن “عدد الأشخاص في المخيم انخفض بنسبة تسعين بالمئة، منذ عام 2015 حتى الآن، واستفادت حكومة دمشق من هذا الخزان البشري عبر التجنيد الإجباري”. محمّلا الأمم المتحدة “مسؤولية التخاذل عن دعم اللاجئين”، بحسب تعبيره.  

اشتداد الحصار على المخيم

 “مخيم الركبان محاصر من جميع الجهات: من الأردن جنوبا، والعراق شرقا، وقوات النظام والميليشيات المساندة لها شمالا. لا يوجد لدينا أي منفذ للتحرّك”. يقول الخالدي.

مؤكدا أن “المخيم عبارة عن أرض صحراوية قاحلة، لا يمكن الاعتماد عليها لتوفير الطعام، وكذلك الحال بالنسبة للرعاية الطبّية. فمنذ أن تفشّى فيروس كورونا أغلقت السلطات الأردنية مستوصف يونيسيف الطبي، الواقع على الساتر الحدودي مع الأردن، ولم تعد تفعيله بعد عودة الحياة إلى طبيعتها. وبالتالي لا يوجد أي مكان للعلاج، باستثناء نقطة طبية بدائية، تُدعى مستوصف شام، لا يوجد فيها أطباء، بل ممرضتان اثنتان فقط، تقدّمان الإسعافات الأولية البدائية، وتحصلان على المعدات الإسعافية من جيش مغاوير الثورة، وهو فصيل معارض، مقرّب من قوات التحالف الدولي، المتمركزة في قاعدة التنف”.

المشكلة الأكبر، بحسب الخالدي، أن “أيا من منظمات الأمم المتحدة لم تتدخل، وكذلك الحال بالنسبة للجمعيات الخيرية والمتبرعين”. موضحا أن  “الرواية الأردنية، ورواية الحكومة السورية، عن أن عوائل من داعش تعيش في المخيم، جعل إيصال أي تبرّعات أو مساعدات أمرا مستحيلا، خوفا من أي مشاكل أمنية”.

الحياة بين التجّار وعناصر الحواجز

لا يتلقّى مخيم الركبان أي مساعدات، ولا تدخل إليه أي قوافل لأساسيات الحياة، فكيف يعيش الناس هناك؟

يشرح أبو عبد الله، وهو أحد سكّان المخيم، أن “السكان يعيشون بشكلٍ كامل على تبادل المنفعة بين المهربين والتجار من جهة، والحواجز الأمنية التابعة للقوات النظامية من جهة أخرى”.

موضحا، في إفادته لـ”الحل نت”، أن “هناك تجارا يتعاملون مع الحواجز، لإدخال قوافل أغذية وأساسيات حياتية إلى المخيم، بمعدل شاحنة واحدة أسبوعيا، مقابل دفع رشى مرتفعة جدا، وهو ما يجعل أسعار هذه المواد مضاعفة عدة مرات، مقارنة مع أسعارها في المدن السورية”. 

وقال أبو عبد الله: “نحن نموت بشكل بطيء، ونعيش على أمل يمنحه لنا تاجر نافذ. الناس هنا تعبت، ولم تعد قادرة على المواصلة أكثر تحت هذا الحصار”.

ولفت إلى أن “كل الأسباب، التي كانت تحفّز الناس على الاستمرار والمقاومة تحت الحصار انتهت، لذلك نتوقّع أن تزداد حالات العودة، ويتم تفكيك هذا المخيم قريبا، فالآمال بأن يتم تحسين وضعنا، أو إجلائنا إلى دولة آمنة، تبددت؛ كما أن الوعود التي تلقيناها بفتح طريق آمن إلى الشمال السوري، أو شمال شرق سوريا حيث مناطق الإدارة الذاتية، كانت كلها خلّبية، واشتد الحصار أكثر. وبالتالي من الطبيعي أن تتكثف حركة العودة، وأن نواجه المصير الذي ينتظرنا في مناطق حكومة دمشق”.

أما منذر، الذي يعيش في مخيم الركبان منذ تشييده، وينحدر من ريف حمص الشرقي، فأوضح لـ”الحل نت”، أنه “كل يوم يستغرب من وجود مخيم، فيه كل هذا العدد من المدنيين المحاصرين في وسط الصحراء، دون أن تستطيع أي دولة أو جهة أن تحرك ساكنا، أو تضغط من أجل تدخل إنساني”. مشيرا إلى أن “مخيم الركبان يعيش أسوأ فتراته منذ تشييده”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.