احتدم سباق الوصول إلى منصب رئيس الوزراء في بريطانيا، بعد أن اختار المشرّعون من حزب “المحافظين” البريطاني المرشحَين الأخيرين ليصبحا رئيس وزراء المملكة المتحدة المقبل، حيث ستجرى عملية التصويت بين وزير المالية السابق، ريشي سوناك، ووزيرة الخارجية الحالية، ليز تروس.

من المتوقع أن تنتهي العملية في أوائل أيلول/سبتمبر المقبل بعد اقتراع أعضاء الحزب، وعندها سيترك رئيس الوزراء المستقيل، بوريس جونسون، رسميًا منصبه كرئيس وزراء مؤقت ويغادر داونينج ستريت، وسيتولى خليفته المختار هذا المنصب.

البحث عن خليفة جونسون

بدأت عملية البحث عن رئيس وزراء جديد في 7 تموز/يوليو الفائت، عندما أعلن جونسون استقالته، بعد سلسلة من الفضائح، والتي نجمت عن عشرات الاستقالات من وزراء الحكومة ومساعديها.

يُعتقد أن هناك ما بين 180 و200 ألف عضو في حزب “المحافظين” في الوقت الحالي، وسيقررون منصب رئيس الوزراء الجديد لسكان المملكة المتحدة، الذين يزيد عددهم عن 67 مليون نسمة.

وصل سوناك وتروس، إلى الجولة الأخيرة متفوقين على 6 من منافسيهم في الحزب، حيث كانت غالبية الأصوات في الاقتراع الخامس والأخير من نصيب سوناك بحصيلة 137 صوتا، فيما حصدت تروس 113 صوتا، متفوقة على بيني موردونت في الجولة الأخيرة.

حاليا يتنافس اثنان من المرشحين هما ليز تروس وريشي سوناك، ليكونا الوجه الجديد للحزب المحافظ في بريطانيا. حيث شغل كلاهما مناصب بارزة في حكومة جونسون حتى نهاية الأسبوع الذي استقال فيه.

سوناك.. محافظ كلاسيكي ذو خلفية آسيوية

منذ البداية، رجّح مراقبون أن اللاعب البالغ من العمر 42 عاما، هو أحد المتسابقين الفائزين في السباق لخلافة رئيسه القديم. ومع ذلك، فإن استقالة سوناك من منصب وزير المالية التي أدت إلى تعجيل زوال جونسون، عدها البعض “خيانة” قد تؤثر في احتمالية فوزه بالمنصب.

يقود سوناك، برنامج انتخابي، على رأسه وعدا مشروطا بتخفيض الضرائب بمجرد أن السيطرة على التضخم، كما تعهد بخفض المعدل الأساسي لضريبة الدخل بمقدار نقطة واحدة في نيسان/أبريل 2024، و3 نقاط أخرى بحلول نهاية صلاحية البرلمان المقبل.

وتعهد أيضا بإلغاء معدل ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة، على الطاقة المنزلية لمدة عام واحد، إذا ارتفع الحد الأقصى لسعر الفواتير عن 3000 جنيه استرليني للأسرة العادية، كما أعلن عن خطة لزيادة ضريبة الشركات من 19 بالمئة، إلى 25 بالمئة في نيسان/أبريل 2023.

كما جدد سوناك، وعوده بالحفاظ على الإنفاق الدفاعي، حيث قال “إننا يجب أن ننظر إلى المستوى الأدنى الحالي للإنفاق 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي كحد أدنى وليس سقفًا”.

سعى سوناك، المولود لأبوين هنديين انتقلا إلى المملكة المتحدة من شرق إفريقيا، إلى تصوير نفسه على أنه المرشح العقلاني الذي يتمتع بمزيد من المواقف الوسطية ونهج اقتصادي أكثر حذرا.

إلا أن مخالفته وحضوره لحفل عيد ميلاد أثناء فترة الإغلاق التي فرضتها بريطانيا بسبب وباء “كورونا”، فضلا عن التسريبات التي طالت زوجته الثرية، بعدم دفعها الضرائب، أضعف سمعته وقد تؤثر على كسبه للأصوات خلال مواجهته لمنافسته ليز تروس.

يسارية من أتباع تاتشر

ظلت ليز تروس، وزيرة خارجية المملكة المتحدة الحالية، أكثر ولاء لجونسون، وحاليا تتمتع بدعم بين المشرعين من الجناح اليميني للحزب، حيث أظهرت سلسلة من استطلاعات الرأي غير الرسمية الأخيرة أنها مرشحتهم المفضلة لرئاسة الوزراء.

قبل مسيرتها المهنية في البرلمان، عملت تورس كمحاسبة، وانتُخبت في دائرتها الانتخابية على بعد 90 ميلاً شمال شرق لندن في عام 2010. عارضت في البداية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنها اتبعت في السنوات الأخيرة نهجا متشددا بشكل متزايد تجاه العلاقات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي، وهددت عدة مرات بخرق اتفاقية التجارة الحالية بين المملكة المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي.

قد يكون سبب نجاح تورس، البالغة من العمر 46 عاما في كسب السباق، هو محاولاتها لتصوير نفسها على أنها مارغريت تاتشر (أول رئيسة وزراء بريطانية) في الآونة الأخيرة، إذ غالبا ما تظهر مرتدية أطقهم مشابهة لملابس تاتشر.

أبرز ما تعهدت به تورس، هو خفض الضرائب، وعكس الارتفاع الأخير في التأمين الوطني، والذي دخل حيز التنفيذ في نيسان/أبريل الفائت، وإلغاء الزيادة المخطط لها في ضريبة الشركات، وتعليق ما يعرف باسم “الضريبة الخضراء” فاتورة الطاقة التي تدفع للمشاريع الاجتماعية والخضراء.

لماذا استقال جونسون؟

حول أسباب إعلان جونسون الاستقالة من قيادة حزبه، قال أستاذ العلوم السياسية في “الجامعة الأميركية في السليمانية”، عقيل عباس في وقت سابق، أن الأسباب تتعلق بشخص جونسون نفسه، والأزمة السياسية في بريطانيا تنتهي برحيله.

وأردف عباس، في حديثه السابق لـ “الحل نت”، إن جونسون شخصية كارزمية، امتاز بأدائه الإعلامي، لكن أصل المشكلة تتعلق بفقدان المصداقية من قبل حزبه، والكثير من الجمهور بخطاباته.

وتابع في حديثه، أن الأزمة اشتدّت منذ قوله إنه لا يعلم بأداء وسلوك النائب السابق عن “حزب المحافظين” كريس بينتشر، الذي عينه بمنصب نائب رئيس مكتب الانضباط في “حزب المحافظين”، قبل أن يتبين لاحقا آنه يعرف الحقيقة.

توجد اتهامات ضد بينتشر، تتعلق بسوء السلوك والتحرش، وأنكر جونسون في بادئ الأمر معرفته بذلك، ثم اعترف في نهاية المطاف بأنه تم إبلاغه بالشكوى في عام 2019، وأنه ارتكب “خطأ كبيرا” بعدم التصرف بناء عليها.

لم يكن ذلك السبب الوحيد بحسب عباس، بل يضاف له أزمة الاحتفالات الجماعية التي كانت تحدث من قبل أعضاء حكومته وبحضوره في مقر الحكومة، إبان فترة الإغلاق الصحي بسبب وباء “كورونا”، وإنكار جونسون لذلك، ثم اعترافه بها لاحقا.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، خرجت أولى التقارير التي تتحدث عن إقامة حفلات في مقر رئاسة الوزراء ببريطانيا، في الوقت الذي كانت التجمعات في الأماكن المغلقة محظورة في البلاد، كجزء من إجراءات الإغلاق التي فرضت لمواجهة “كوفيد – 19”.

أنكر جونسون، في بادئ الأمر حضوره أيا من الحفلات، ليعترف لاحقا أنه حضر حفلا دعي المشاركون فيه إلى إحضار مشروباتهم الروحية، لكنه قال إنه كان يعتقد أن الحفل كان “تجمع عمل”.

في بريطانيا، تتم المنافسة في الانتخابات العمومية بين الأحزاب المتنافسة، وقائد الحزب الفائز، يصبح بشكل مباشر هو رئيس الوزراء للبلاد. وكان “حزب المحافظين” الذي يقوده جونسون آنذاك، فاز في الانتخابات الأخيرة عام 2019 على بقية الأحزاب، وأبرزها “حزب العمال”، ليتسلم جونسون رئاسة الحكومة في بريطانيا حينذاك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة