نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة في سوريا، من تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، إلى تدني الرواتب والمداخيل، والتي بالكاد تكفي المواطن لأيام قليلة فقط، تنامت المشاريع المنزلية متناهية الصغر، من مختلف الأنواع، ولكن من بين أكثر المشاريع ظهورا وانتشارا كانت مشاريع المطابخ المنزلية، إذ لجأ العديد من السوريين، وخاصة النساء منهم إلى تأسيس أعمال منزلية بتكاليف منخفضة نسبيا للمساهمة في إعالة أُسرهم، وتغيير واقعهم الاقتصادي الهش إلى مستويات تتناسب مع الواقع المعيشي العصيب في البلاد.

الأسباب

من منزلها بحي الأرمن في حمص، انطلقت ملك حبوس (39 عاما) في مشروعها المنزلي الصغير حيث استغلت موهبتها وحبها للطهي وصناعة الحلويات، واختارت مهنةً تؤمن كفاف عيش أسرتها، حيث أصبحت تعد قائمة من الطلبات والمأكولات مقابل مبالغ مالية مقبولة نوعا ما، في هذا السياق تقول حبوس: “بدأت بمشروعي منذ نحو أربعة أعوام بميزانية 500 ليرة سورية فقط، حيث كانت البداية من الصفر، إلى أن وصل اليوم رأسمال المشروع إلى ملايين الليرات، وأصبح بإمكاني شراء تجهيزات مطبخية خاصة بالمشروع لتوسيعه، إضافة إلى أنه أصبح يعيل حاليا خمس أسر باعتبار أنه أمّن فرص عمل لأربع سيدات”، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأحد.

وأشارت حبوس إلى أنها لا تطلب أسعارا عالية كي تبقى قادرة على جذب الزبائن، وبذلك تبقى أرباح المشروع مقبولة بالنسبة لجودة المواد وإتقان العمل، على حد وصفها.

أما سحر (35 سنة) خريجة كلية الهندسة الميكانيكية وموظفة في إحدى الدوائر الحكومية بدمشق، فتشير في حديثها إلى أنه بسبب قلة الراتب الشهري، والحاجة إلى مصدر رزق آخر، أُجبرت على البحث عن عمل آخر فما كان لها إلا أن استغلت موهبتها في الطبخ أيضا، وبدأت بتأسيس مشروعها الخاص الذي جعلها تؤمن تكلفة الأدوية المزمنة لوالديها ومتطلباتها الشهرية.

وأردفت سحر، تجربتها خلال حديثها مع الصحيفة المحلية: “بدأت بالترويج لمشروعي عبر إحدى المجموعات على منصة “فيسبوك”، من خلال عرض ما أطبخه في المنزل وذلك قبل نحو عامين، وكان رأسمال المشروع ضئيلا جدا وهو ثمن طبخة واحدة فقط، واليوم مردودي الشهري يصل إلى نحو 750 ألفا، من دون وجود أي شريك لي في العمل”.

قلة فرص العمل

 في المقابل، أفاد الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة “تشرين” الدكتور سنان ديب، للصحيفة المحلية أن هذه الظاهرة انتشرت بشكل كبير لأسباب تتعلق بقلة فرص العمل، ولتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي ضمن المتوفر، ولذلك رغبت العائلات باستغلال المساحات الضيقة لديها، وتوظيفها لخدمة هذه الأعمال المتناهية الصغر لمواجهة الواقع المعيشي الصعب، وإيجاد مداخيل إضافية.

ووفق تقدير ديب، إن هذه المشاريع تعد أساسا للانتعاش الاقتصادي الكامل عبر التراكم الرأسمالي والخبرة والسمعة والشهرة، مطالبا بتنظيمها من الحكومة السورية وترتيبها وفق آلية توثيق للتشجيع على زيادة الاستثمار وتأمين التمويل، وتقوية العمل وتوسيعه وعدم تعويمه، إضافة إلى المساعدة في التسويق ضمن معايير السعر والجودة، متابعا: “ولكن للأسف ما نراه، أن هذه المشاريع حوربت من دوريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك والبلديات، وخاصة مشاريع أفران التنور في محافظة اللاذقية”.

قد يهمك: معاناة مستمرة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا

تقصير حكومي

على طرف آخر، قال الخبير الاقتصادي عامر شهدا، أن معظم المشاريع الصغيرة وخصوصا تلك المختصة بالأعمال المنزلية هي اقتصاد ظل، ليس لها أي سجل تجاري أو أي وثيقة رسمية، معتبرا أن هذا يعد تقصيرا من حكومة دمشق لأنها لم تضع حتى اليوم خطة لمعالجة هذا النوع من الاقتصاد.

وأشار شهدا، إلى أن الكثير من العاملين في الأعمال المنزلية، وخاصة الغذائية منها يتعرضون لاستغلال من مموليهم الذين يأخذون المنتجات ويسوقونها داخليا، أو يصدرونها إلى الخارج عن طريق تعبئتها بعبوات ووضع لاصقات عليها تُبيّن أنها عائدة لماركات لها سجل تجاري، وصناعي ولكنها ليست موجودة على أرض الواقع وليس لها معامل.

ونوّه شهدا، إلى أن الشخص الممول لهذه المشاريع، هو شخص متهرب ضريبيا، ويحصّل أتعاب الغير ويبيع المنتجات بأسعار مرتفعة ولا يعطي الأسر الفقيرة سوى فتات مقابل أرباح عالية جدا، لذا يجب على الحكومة أن تحتضن هذه الصناعات، لأنها تنتج سنويا مليارات الليرات السورية ليأخذها الممولون في أكثر الأحيان، على حد تعبيره.

نصف المشروعات “فاشلة”

أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا، يواجهون عدة عقبات أمام فرص إطلاق واستمرارية مشاريعهم، بسبب تحديات التمويل التي تشكل العقبة الأبرز أمامهم، بالإضافة إلى بيئة الأعمال الحالية غير المشجعة بشكل كاف، وعدم استقرار اليد العاملة في السوق المحلي بسبب عمليات الهجرة الداخلية والخارجية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، على الرغم من المحاولات المستميتة من الجهات المعنية لتسهيل مشاريعهم في سياق بحثها عن سبل تعزيز مساهمة هذا القطاع في إنعاش الاقتصاد السوري المتهالك. ونتيجة لذلك، نصف المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سوريا متوقفة عن العمل، مما يعني أنها “فاشلة”.

وفي سياق توقف نسبة كبيرة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تعترف الجهات المعنية في الحكومة السورية بالصعوبات التي تواجه خزينة الدولة لتحفيز هذه المشاريع، نتيجة قلة الموارد المالية ضمن جهودها المزعومة، والتي تتدعي دوما أنها تسعى للحد من مستويات البطالة المرتفعة، واحتواء انتشار الفقر الذي اتسع نطاقه بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية.وبيّن إيهاب اسمندر، مدير هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال ورقة العمل التي قدّمها في ورشة تنظيم سوق العمل لجهة المحدّدات الجديدة والتحديات التي تواجهه، والتي أقامها المرصد العمالي، في نهاية الشهر الماضي، أن عوائق الدور التشغيلي للمشروعات الصغيرة تتلخص بوجود 40 بالمئة تقريبا من المشروعات المتوسطة والصغيرة متوقفة عن العمل، وفق ما نقلته صحيفة “البعث” المحلية، مؤخرا.

واعتبر اسمندر، أن المشكلات التي تواجه المشاريع تتنوع بين عدة جوانب، كنقص التأهيل لدى عدد من العاطلين عن العمل وعدم قدرتهم على تلبية احتياجات المشروعات القائمة، إضافة إلى بيئة الأعمال غير المشجعة بشكل كافٍ حاليا، وعدم استقرار اليد العاملة في السوق المحلية بفعل عمليات الهجرة الداخلية والخارجية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، التي تهدد برفع تكلفة فرصة العمل. وأشار اسمندر خلال حديثه السابق، إلى أن العدد الإجمالي للمشروعات متناهية الصغر بلغ نحو 299161، والصغيرة نحو 138074، أما المتوسطة فبلغ نحو 18410. كما وتعاني سوريا من ضعف كبير في حصة المشاريع المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في إجمالي التسهيلات المصرفية (4 بالمئة فقط).

ومع اشتداد الأعباء المعيشية في البلاد يوما بعد يوم، لجأت نسبة كبيرة من السوريين إلى إيجاد حلول للتغلب على صعوبات الحياة عبر إنشاء مشاريع صغيرة، تساعدهم على قضاء احتياجاتهم الحياتية اليومية، والسوريين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، يعانون من قلة توفر فرص العمل، وحتى إن وجدت فتكون برواتب ضئيلة، ولا تتناسب مع مستوى المعيشة عموما.

قد يهمك: نصف المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سوريا “فاشلة”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.