يثير ملف داعش والأزمة السياسية العراقية كثيرا من القلق مؤخرا، خاصة مع استمرار وتصاعد تظاهرات أنصار زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، المطالبة بحل البرلمان العراقي وإجراء انتخابات مبكرة.

مختصون في المجال الأمني يؤكدون أن تنظيم “داعش” بدأ مؤخرا باستغلال الخلاف السياسي الحاصل بين القوى الشيعية الأساسية، أي “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي”، عبر تطوير تحركاته المختلفة في عدد من مناطق البلاد.

ويواصل أنصار “التيار الصدري” تظاهراتهم داخل المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، وقرب مبنى البرلمان العراقي، احتجاجا على طرح “الإطار التنسيقي” اسم محمد شياع السوداني، المقرّب من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، مرشحا لرئاسة الحكومة؛ وللمطالبة بحل البرلمان الحالي؛ وإجراء انتخابات مبكرة؛ وتعديل الدستور.

ومؤخراً شن تنظيم “داعش” سلسلة هجمات في مناطق مختلفة، كان أبرزها هجومه على نقطة عسكرية تابعة للجيش العراقي في قضاء المقدادية، الواقع شمالي محافظة ديالى. ما يشير إلى أن “داعش” يجد في الأزمة السياسية العراقية، والصراع الطاحن بين القوى الشيعية، فرصة لاستئناف نشاطه.

الارتباط بين داعش والأزمة السياسية العراقية

الكاتب والمحلل السياسي محمد البغدادي، يرى أن “تنظيم داعش لم ينته بعد، رغم الانتكاسات الأمنية، وقتل قياداته من الجيل الثاني، على يد القوات الأمنية العراقية”.

مبيّنا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “تنظيم داعش مازال ينشط في بؤر تمثل الخاصرة الأضعف في الملف الأمني العراقي، مثل مناطق الطارمية، الواقعة شمالي العاصمة بغداد؛ فضلا عن قرى محافظة ديالى؛ ومناطق جنوب كركوك؛ والشريط الحدودي الممتد بين سوريا والعراق”.

وأضاف، أن “التنظيم المتشدد ينتعش في بيئته الحاضنة، ذات الأغلبية السنية. ويعيد رص صفوفه على ضوء الخلافات السياسية القائمة بين القوى الشيعية، الممثلة في “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي”. ويغذي خلاياه النائمة لتستيقظ مجددا. الأمر الذي يشكل خطرا كبيرا، إذ من الواضح أن “داعش” يستغل الأزمة السياسية العراقية”.

وتشير تقارير محلية، إلى أن تنظيم “داعش” يستعيد نشاطه بقوة. وهناك معلومات ومصادر أمنية تتحدث عن إنشاء التنظيم لمراكز تدريبية في صحراء الأنبار، ووادي الثرثار، وسلسلة جبال قراجوغ في قضاء مخمور، الواقع بين محافظتي نينوى وأربيل.

وبحسب معلومات أمنية، فإن أغلب الفصائل الشيعية المسلحة، المنضوية في “الحشد الشعبي”، والمكلفة بحماية الشريط الحدودي الممتد بين العراق وسوريا، تركت مواقعها، بعد الخلاف السياسي الأخير بين القوى الشيعية، وشاركت بالتظاهرات في العاصمة بغداد. وهذا الأمر اعتبر بمثابة الحافز لتنظيم “داعش”، للتقدم واختراق الشريط الحدودي، وإدخال مئات العناصر إلى صحراء نينوى.

وأعلنت قيادة العمليات المشتركة في القوات العراقية عن حالة التأهب، بعد التظاهرات الأخيرة التي شهدتها العاصمة بغداد.

الأجهزة الأمنية متداخلة في الأزمة السياسية العراقية

وأكد الخبير الأمني، عدنان التميمي، أن “عناصر تنظيم داعش يستغلون أي خلافات أو أزمة سياسية، لشن الهجمات على المناطق المحررة، التي ما تزال فيها كثير من الثغرات الأمنية”.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الأجهزة الأمنية ليست بعيدة عن الخلاف السياسي القائم، منذ إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كون أغلب قياداتها تتبع للأحزاب والكتل السياسية، بسبب نظام المحاصصة المعمول به في العراق”.

وأشار، إلى أن “انشغال الأجهزة الأمنية بالخلاف السياسي والتظاهرات، كان له الأثر الأكبر على توتر الأوضاع، وزيادة نشاط “داعش” وعملياته، في مناطق ديالى وكركوك وحزام بغداد”.

تحذيرات سنية من عودة “داعش”

وكان أحمد عبد الله عبد الجبـوري، القيادي في تحالف عزم، أحد أكبر القوى السياسية السنية في العراق، قد أكد أن “تنظيم داعش يستغل انشغال الحكومة بالسجالات السياسية، لتنفيذ عملياته وإعادة نشاطه”.

وحذّر الجبوري، الحكومة العراقية والقوى السياسية، من “خطورة استعادة تنظيم “داعش” لعامل المبادرة، في أكثر من منطقة، ضمن حدود صلاح الدين ونينوى وديالى”.

موضحا، أن “التنظيم المتطرف يستغل انشغال الحكومة العراقية بالأزمة السياسية، لتنفيذ عملياته المختلفة، التي تستهدف حياة المواطنين وزعزعة الاستقرار و السلم المجتمعي، ومهاجمة القرى والمدن العراقية”.

ويواصل الجيش العراقي تكثيف عملياته العسكرية، لتحجيم تحركات عناصر تنظيم “داعش”، خاصة في المحافظات المحررة (نينوى وديالى وكركوك وصلاح الدين والأنبار)، إذ ما زالت بقايا التنظيم المتشدد تشكل تهديدا أمنيا في تلك المحافظات.

وكان الفريق الركن قاسم المحمدي، قائد القوات البرية في الجيش العراقي، قد كشف عن اتخاذ قرار جديد، بشأن تكثيف تدريب وحدات الجيش، لمواجهة أعمال العنف في البلاد، ورفع قدرتها القتالية.

وبحسب المحمدي، فإن “مدة تدريب اللواء من الجيش ستصبح ثلاثة شهور، يحصل خلالها على تدريب بأعلى مستوى، ويجري تمارين تعبوية بالذخيرة الحية”.

وتعد محافظة ديالى، المرتبطة حدوديا بإيران، من المحافظات غير المستقرة أمنيا، إذ تسجل أعمال عنف شبه مستمرة، توقع قتلى وجرحى من الأمن والمدنيين. وتتمتع فصائل “الحشد الشعبي” بنفوذ كبير في المحافظة، وتدير ملفها الأمني، إلى جانب قوات من الجيش العراقي.

سبل مواجهة “داعش”

وأشار الخبير العسكري عامر العبيدي، إلى أن “أكثر محافظتين، بدأ داعش يتمدد بهما، مستغلا الأزمة السياسية العراقية، هما ديالى وكركوك”.

مبينا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “المحافظتين هما أكثر المناطق الرخوة أمنيا، وتحتاجان لزيادة التنسيق بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة، لأن داعش يستغل الفراغ الموجود في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل”.

وأوضح، أنه “يجب أيضا تكثيف الجهد الاستخباراتي، والاستعانة بقوات التحالف الدولي، وخاصة أن العراق ما يزال ضعيفا من الناحية الجوية، الضرورية لضرب عناصر “داعش” في مناطق صحراوية أو زراعية صعبة جغرافيا، لا يمكن مواجهتهم فيها بريا”.

مختتما حديثه بالقول: “إذا أرادت الحكومة العراقية، السيطرة على تحركات داعش فعليها، أولا إبعاد الأجهزة الأمنية عن الأزمة السياسية العراقية، ومن ثم القيام بعملية عسكرية برية في حزام بغداد ومناطق حمرين، الممتدة بين محافظتي ديالى وكركوك، لأنها أخطر المناطق في الوقت الحالي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.