أقيمت في طهران قمة ثلاثية جمعت كل من إيران وروسيا وتركيا خلال شهر تموز/يوليو الماضي، في سياق مسار “أستانا” الراعي لمحادثات بين ممثلي حكومة دمشق، وعدد من قادة فصائل المعارضة السورية، لكن في هذه المرة لم يكن الملف السوري فقط الحاضر في القمة، فقد عقدت تركيا مع إيران العديد من الاتفاقيات التجارية في مجالات متعددة وأهمها الطاقة، واستيراد تركيا للغاز الإيراني، كما نتج عن القمة توقيع اتفاقية بين شركة “النفط الوطنية” الإيرانية وشركة “غازبروم” الروسية العالمية للنفط والغاز، وتشمل الاتفاقية استثمار روسيا للتنقيب في حقل شمال بارس النفطي، وإطلاق المرحلة الثانية من مشروع حقل غاز كيش، ومشروع زيادة إنتاج آبار بارس الجنوبي، والاستثمار في مشاريع الغاز الطبيعي المسال، وإنشاء خطوط أنابيب لتصدير الغاز، ومبادلة الغاز والمنتجات النفطية، اضافة الى تبادل الخبرات العلمية في كل ما يخص قطاع النفط والغاز، والتعاون التكنولوجي، وتوريد لإيران المعدات التقنية لصناعة النفط. وتبلغ قيمة الاستثمارات الجديدة 40 مليار دولار، وكانت قيمة المشاريع التي تديرها روسيا في إيران سابقاً 4 مليار دولار أميركي. ووفقا للمسؤولين الإيرانيين، يعد هذا أكبر استثمار أجنبي في تاريخ صناعة النفط الإيراني من قبل شركة أجنبية.

تسعى الدولتين اللتين تقبعان تحت العقوبات الدولية لتحقيق فوائد نسبية على المستوى الاقتصادي والسياسي والجيوسياسي، وذلك من خلال تحقيق العوائد التالية.

حاجة البنية التحتية الإيرانية لتحديث منشآت الطاقة، حيث تحتاج البنية التحتية لمنشآت إنتاج الطاقة في إيران إلى تحديث وتطوير كبير، وإلى إعادة تهيئة، فقد كانت الشركات الأجنبية سابقا هي التي تدير عمليات الإنتاج، وبعد فرض العقوبات الدولية على إيران خرجت جميع الشركات، وبطبيعة الحال تحتاج إيران إلى شركة دولية متخصصة لإعادة ضبط بنيتها التحتية لاسيما قطاع الغاز، فقد استخدمت إيران طوال الفترة السابقة طريقة حقن آبار الغاز بالماء مما أضر بفاعلية إنتاجية الآبار على المدى الطويل. تنظر إيران للشركات الروسية التي تمتلك خبرة كبيرة في مجال الطاقة كبديل لتطوير البنية التحتية الإيرانية.

وبناء على خطط تطوير إنتاج النفط والغاز التي وضعتها إيران والتي تقدر تكلفتها بـ 160 مليار دولار، سترتفع الطاقة الإنتاجية اليومية للنفط إلى 5.7 مليون برميل، وللغاز إلى 1.5 مليار متر مكعب في اليوم، وتصنف الاستثمارات الروسية جزء من خطة إيران المستقبلية. وينبغي التنبيه إن أي عملية تطوير للبنية التحتية لمنشآت الطاقة تحتاج على الأقل 3 سنوات.

زيادة التأثير الروسي في السوق الدولية للطاقة : يبلغ احتياطي روسيا وإيران أكثر من 70 تريليون متر مكعب من الغاز، ويمثل هذا الرقم 30 بالمئة من احتياطيات العالم، فضلا عن امتلاك روسيا ما يقارب 100 مليار برميل من النفط، وإيران تمتلك 156 مليار برميل تقريبا من احتياطيات النفط، ونمو الاستثمارات الخاصة بقطاع الطاقة بين الدولتين سيكسبهم دورا مهما في أسواق الطاقة العالمية، لاسيما أن العالم يعيش في الوقت الحالي أزمة اقتصادية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

ستلعب روسيا دورا أكبر في السوق الدولية للطاقة لأنها ستكون جزء مشغل لعمليات الإنتاج النفط والغاز في إيران، إضافة لسيطرتها على على مكامن الإنتاج في تركمانستان، حيث من المعلوم أن موسكو تسيطر بشكل شبه كامل على قطاع الطاقة هناك، من خلال شركات الطاقة الروسية.

حرمان الدول الأوروبية من الاستثمار في سوق الطاقة الإيراني: تسعى شركات الطاقة التابعة لدول الاتحاد الأوروبي للاستثمار في السوق الإيرانية، لذا فإن دخول روسيا للسوق الإيرانية سيقلص من مساحات الاستثمار للشركات الأوروبية في مجال الطاقة. ووفقا للاتفاقية الأخيرة، فإن جزءا من استثمارات الشركات الروسية سيكون في حقل جنوب بارس، حيث كان من المفترض أن تستثمر هذا الحقل شركة “توتال” الفرنسية للنفط في وقت سابق، ورغم أن شركة “توتال” وقعت اتفاقيات مع إيران لتطوير حقل بارس الجنوبي بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة العمل لدول 5+1؛ عام 2015، إلا أنها بعد فترة وجيزة من إعادة فرض الولايات المتحدة الأميركية العقوبات، خرجت الشركة وتركت إيران في أيار/مايو 2017. وبعد أسبوع من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، أعلنت شركة “توتال” في بيان أنها إذا لم تستطع الحصول على إعفاءات من العقوبات الأميركية، فإنها ستنسحب من حقل غاز بارس الجنوبي.

انعكاسات توقيع الاتفاق النووي: إذا وقعت كل من إيران والولايات المتحدة الأميركية اتفاقا جديدا بعد المفاوضات النووية الأخيرة في فيينا، ستعمل إيران حينها على زيادة إنتاجها وتصديره إلى الأسواق العالمية، وستكون الشركات الروسية جزءا من عملية الإنتاج، وبطبيعة الحال ستحصل على نسبة من الأرباح، وبذلك تكون قد عوضت جزء من الخسائر التي قد تتعرض لها جراء توقف دول الاتحاد الأوروبي استيراد نفطها، الذي سيدخل مرحلة التنفيذ في شهر أيلول/سبتمبر.

حاجة روسيا لكسب الاستثمارات الخارجية بعد العقوبات الدولية: بعد شن روسيا لغزوها على أوكرانيا؛ فُرضت عليها مجموعة شاملة من العقوبات الدولية، وفي بداية العقوبات استثنت أوروبا قطاع النفط والغاز، أما الآن فقد اتخذت أوروبا قرار إيقاف استيراد النفط الروسي، وبذلك ستتضرر شركات النفط الروسية مما يحتم عليها إيجاد استثمارات جديدة؛ لتعويض جزء من خسارتها للسوق الأوروبية، حيث سيشكل الاستثمار في السوق الإيرانية تعويضا عن جزء مما فقدته روسيا في أوروبا.

تحقيق تواجد روسي في مياه الخليج العربي: بتوقيع روسيا اتفاقيات الطاقة مع إيران، لاسيما في حقول النفط والغاز في مياه الخليج العربي، ستكون موسكو قد حققت تواجد جيواستراتيجي على سواحل الخليج العربي، حتى لو كان على شكل استثمارات وشركات طاقة.

ضامن اقتصادي لإيران اذا لم توقع الاتفاق النووي: تعاني إيران من انعدام الاستثمارات في البلاد على كافة المستويات بسبب العقوبات الدولية القصوى التي فرضتها أمريكا عليها، وبتوقيع طهران على مجموعة من الاستثمارات مع روسيا ستضمن لها تعويض جزء من الاستثمارات التي كانت تنتظرها من الدول الأوروبية بعد توقيع الاتفاق النووي.

ستحقق كل من روسيا وإيران مكاسب اقتصادية وسياسية وجيو استراتيجية عديدة من خلال توقيع الطرفين على مجموعة الاستثمارات، فالطرفين يحتاجان الى هذا النوع من الاستثمارات، وفي الوقت الحالي تعاني البنية التحتية لمنشآت الطاقة الإيرانية من انخفاض كفاءة الإنتاج، فيما تعاني شركات الطاقة الروسية من عقوبات بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.