يبدو أن حالة “الشك“ و“الغموض” التي كانت تحيط بمشاركة سوريا في قمة العرب المنتظرة في ظل خريطة عربية كاملة تحكمها، توترات واختلافات وتردد حول مجموعة من الملفات والقضايا، وأبرزها، أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركة الرئيس السوري، بشار الأسد، قد تلاشت مؤخرا.

إعلان حكومة دمشق، أمس الأحد، على لسان وزير الخارجية، فيصل المقداد، عدم مشاركتها في القمة العربية في الجزائر وتفضيل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بالجامعة، أثار الجدل حول خفايا ما حصل حتى تم طي ملف عودة دمشق للجامعة العربية، وهل سيتم إغلاق الملف نهائيا ومصيره بعد انتهاء عقد مؤتمر القمة في الجزائر.

رسميا.. سوريا خارج الحضن العربي

منذ تسلمها لرئاسة القمة العربية، تمسكت الجزائر بدعوتها للحكومة السورية من أجل حضور أعمال القمة التي من المزمع عقدها في تشرين الثاني/نوفمبر القادم، وكانت تحاول التوصل إلى توافق حول عودة سوريا إلى الجامعة في الاجتماع القادم لوزراء الخارجية العرب في القاهرة.

يقول المحلل السياسي، محمد عبيد، لـ”الحل نت”، أن سوراي بهذا الإشعار أكدت غيابها رسميا عن هذه القمة التي تعتزم الجزائر تنظيمها، بعدما كانت الجزائر ترغب في استضافتها بناء على دعمها لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، بالرغم من معارضة عدد من الأطراف العربية.

وأشار عبيد، إلى أنه رغم تسارع خطوات التطبيع مع دمشق من قبل عدة دول عربية، منها مصر والأردن والإمارات وعمان والبحرين، إلا أن الجو العام عربيا لا يفضل عودة سوريا لاستلام مقعدها، خصوصا وأن الشروط العربية التي طرحت على الأسد، لم تلقى اهتماما من دمشق، لا سيما فيما يتعلق بإيران.

وأضاف عبيد، أن “عدم استجابة النظام السوري للرسائل العربية، وتعويله على حلفه داخل الجامعة كالعراق ولبنان والجزائر وتونس، خلق جدارا وموقفا حازما حول عدم عودته إلى الحضن العربي، حتى أن دولا أخرى غيرت مواقفها قليلا، ما أدى إلى أن التوافق الكامل لم يحدث بعد، على عكس ما كانت متوقعا”.

تأجيل غير محدود الزمن

السفير حسام زكي، مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية، قال في تصريحات متلفزة سابقا، إنه “لا يوجد وقت محدد يمكن الإعلان عنه لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. على الرغم من أن الأمر ليس بعيد المنال، فهو ليس قريبا أيضا، حيث لم يتم البت في الأمر بعد، ولا يمكن تحديد إطار زمني له”.

وتعد الجزائر، أكثر الدول العربية حماسا لعودة دمشق، للجامعة العربية، والتي تصطدم مع وجهة النظر العربية الرسمية التي تتبناها الجامعة العربية، وسبق أن أشارت إليها مصر، هي أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، يجب أن ترتبط بتنفيذ اتفاقيات جنيف 1 و2 التي رعتها الأمم المتحدة، وشاركت بها روسيا والغرب، والتي تتضمن صياغة دستور سوري جديد يسمح بدور للمعارضة في الشؤون السياسية للبلاد.

من جهته يعتقد المحلل السياسي، أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية تأجل إلى وقت غير معلوم، لا سيما وأن العديد من الشكوك تحوم أيضا حول احتمالية تنظيم القمة العربية في الجزائر خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في ظل العديد من الخلافات الإقليمية بين البلدين العربية، خاصة القطيعة الدبلوماسية القائمة بين الجزائر والمغرب بسبب الدعم الجزائري العلني لجبهة “البوليساريو”.

كما أن بعض البلدان العربية لا تنظر بعين الرضا للعلاقات الجزائرية الإيرانية، على اعتبار الخلافات الكبيرة التي تربط هذه البلدان بإيران في الشرق الأوسط. كما أن بلدانا عربية أخرى لا تبدو متحمسة لتنظيم هذه القمة في الجزائر خوفا من تحولها إلى قمة تُصرف فيها الجزائر أطروحات معادية لبعض الأطراف.

رفض أم استبعاد؟

لا شك أن إعادة العلاقات، أو إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية ستُكسب أهمية لحكومة دمشق وحلفائها (إيران وروسيا)، وهذا ما يعارض إمكانية قبول دول مثل مصر والسعودية وحليفتهم الولايات المتحدة حدوث هذا الأمر، خاصة أن الأخيرة ترفض تعويم دمشق ما لم تلتزم بتطبيق القرار الدولي 2254، وإيجاد حل سياسي شامل للبلاد.

وبحسب بيان وزارة الخارجية الجزائرية، فإنه بعد مشاورات جرت المقداد، أكد الأخير أن بلاده “تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية”، في ما كشفت الخارجية الجزائرية، أن سوريا لن تكون حاضرة في القمة العربية المقبلة التي تعتزم الجزائر تنظيمها.

إلا أن عبيد شكك في هذا الطرح، حيث رجح أن البيان لـ”حفظ ماء الوجه، وأن الجزائر أبلغت رسميا دمشق برفض عربي لحضورها، ما أدى إلى أن يطلب وزير الخارجية السوري، بعد طرح شغل دمشق لمقعدها في الجامعة العربية بشكل نهائي”.

وذكر بيان الخارجية الجزائرية، أمس الأحد، أنه “من جملة المسائل التي تمت مناقشتها بهذه المناسبة، موضوع علاقة الجمهورية العربية السورية بجامعة الدول العربية، حيث أكد رئيس الدبلوماسية السورية أن بلاده تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية خلال قمة الجزائر، وذلك حرصا منها على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي”.

وختم البيان، أنه “قد تم الاتفاق بين الجانبين الجزائري والسوري على تكثيف الجهود ضمن هذه المقاربة خلال فترة الرئاسة الجزائرية؛ قصد تحقيق انطلاقة جديدة للعمل العربي المشترك تقوم على لم الشمل وإعلاء قيم التضامن والتكاتف، في خضم التغيرات المتسارعة على الصعيدين الإقليمي والدولي وما ينتج عنها من تحديات وفرص”.

الجدير ذكره، أن التطورات في سوريا لا تشير إلى إمكان إنهاء النزاع، خاصة مع بروز ملف تهريب المخدرات من الداخل السوري، وتعقّد عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ومواقف دمشق التي لا تعكس اتجاها للسير في حل حقيقي شامل للأزمة السورية. فضلا عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وعدم استجابة دمشق بشكل جدي في التعامل مع ملف المعتقلين والمختفين قسرا، إلى جانب الرضوخ الكامل لكل من إيران وروسيا، الأمر الذي يزيد من عدم قبول المجتمع الدولي والدول الإقليمية؛ مثل مصر والسعودية بهذا الوضع، وبالتالي استحالة عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، في ظل كل ما سبق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.