مكافحة المخدرات السورية.. هل ستقضي التحركات الأميركية على تجارة الظل الخاصة بدمشق؟

مؤشرات إقرار القانون الأميركي الخاص بمكافحة تجارة المخدرات التي تديرها دمشق كبيرة، نظرا للأخطار المترتبة على شبكات المخدرات السورية المتضخمة، بحيث تطال مخاطرها معظم دول العالم مع ارتباطها بشبكات عالمية ومافيات.

“مجلس النواب” الأميركي أقر في كانون الأول/ديسمبر 2022 مشروع قانون ميزانية وزارة الدفاع الأميركية السنوية للعام 2023، المعروف بمشروع “الدفاع الوطني”، بقيمة 858 مليار دولار أميركي، والذي تضمن ميزانية خاصة من أجل مشروع مكافحة وتفكيك المخدرات التي تديرها دمشق.

 أعضاء المجلس صوّتوا على مشروع القانون بغالبية 350 عضوا، مقابل رفض 80 عضوا، وبالتالي حصول القانون على غالبية الثلثين اللازمة لتمرير القرار إلى “مجلس الشيوخ”، من أجل التصويت عليه ثم إلى الرئيس جو بادين للتوقيع عليه.

السيناتور الجمهوري فرينش هيل، عرّاب القانون الجديد صرّح عقِب إقرار القانون في “مجلس النواب”، أن “المجلس مدد قانون التفويض الوطني بأغلبية ساحقة من الحزبين للسنة المالية 2023، وأنه سيواصل العمل بلا كلل لمنع الرئيس السوري بشار الأسد، من تعزيز نفوذه عبر نشر الكبتاغون دوليا وقال بأنّه فخور بهذا الإنجاز”.

صحيفة “المدن” اللبنانية نقلت عن مصادر مطلعة، أن “مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي للعام 2023، اتفقت عليه لجنة القوات المسلحة في مجلسي الشيوخ والنواب، مؤكدة تثبيت استراتيجية مكافحة إنتاج وتجارة المخدرات السورية، ما سيترك أثره على اقتصاد الحكومة السورية، من خلال حرمانها من عائدات هذه التجارة غير الشرعية أو التضييق عليها” وفق الصحيفة.

بانتظار التنفيذ

ليست المرة الأولى التي يتم من خلالها طرح قانون لمكافحة تجارة المخدرات السورية في الأوساط الأميركية، فرينش هيل كان قد قدم اقتراحا مشابها في كانون الأول/ديسمبر 2021 وتسبب أحد أعضاء “مجلس الشيوخ” بحذفه حينها. واليوم يُعاد تقديم القانون مرة أخرى، والذي سيمرر على الأرجح ويصبح قانونا معتمدا من الرئيس الأميركي.

القانون شبه متفق عليه، وسوف يصدر كملحق ضمن قانون موازنة وزارة الدفاع الأميركية للعام 2023 وبالتالي من المتوقع صدوره في وقت قريب، حيث تم إقراره في “مجلس النواب” وبانتظار إقراره في “مجلس الشيوخ” ثم توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن، وبعد إقراره يتم انتظار الرئيس بايدن، ستة أشهر لوضع الخطة والتنفيذ، بحسب حديث المحلل السياسي أيمن عبدالنور لــ”الحل نت”.

القانون الجديد يفوّض وكالة “مكافحة المخدرات” الأميركية بمتابعة ومراقبة شبكات المخدرات التي تُشرف عليها دمشق، والعمل على تفكيكها ما سيؤثر بشكل جدّي على عمليات تصنيع وتمرير المخدرات في سوريا، وسيساعد الدول التي تضررت من اتجار دمشق بالمواد المخدرة، على اكتشاف شحنات المخدرات قبل دخولها أراضيها والعمل على تدميرها وحرقها، الأمر الذي سيُضعف المدخول المالي لدمشق بشكل حصري، وفق عبد النور.

قد يهمك: مواجهة أميركية للمخدرات السورية.. ما النتائج؟

قيمة تجارة المخدرات التي تنشط في سوريا وخاصة الإتجار بمادة “الكبتاغون”، تبلغ عشرة مليارات دولار سنويا، ما يجعلها تلعب دورا كبيرا، في تمويل أطراف الصراع في سوريا، إذ تحولت سوريا الغارقة في نزاع دام منذ 2011، بحسب تحقيق أجرته وكالة “فرانس برس” إلى دولة مخدرات، وتشمل دورة إنتاج وتهريب هذه الحبوب المخدرة لبنان المجاور، الذي ينوء أيضا تحت ثقل انهيار اقتصادي.

سوريا غدت مركزا أساسيا لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا وصولا إلى دول الخليج مرورا بدول إفريقية وأوروبية، وتعتبر السعودية السوق الأول لـ”الكبتاغون”، بحسب ما يضيف التحقيق الذي كشف أن أربعة أو خمسة تجار كبار، يتقاسمون شحنة واحدة ميزانيتها عشرة ملايين دولار تغطّي المواد الأولية وطرق التهريب التي تُعرف بـ”السكة”، و”الرشاوى”، وتعود بربح قدره 180 مليون دولار.

في العام 2021، ووفق بيانات رسمية، صادرت القوى الأمنية في دول عدة أكثر من 400 مليون حبة “كبتاغون”. وبحسب ما أظهرت مضبوطات من العام 2022، يبدو أن صادرات “الكبتاغون” ستفوق تلك التي تمّت في العام السابق. لكن هذا ليس سوى رقم بسيط جدا، مقارنة مع ما لم يُضبط، حيث يقول مسؤولون أمنيون، إنه “مقابل كل شحنة يتمّ ضبطها، تصل تسع شحنات أخرى إلى وجهتها”.

القانون سيخفض إنتاج المخدرات

 القانون يعتبر دمشق منتجة ومصدرة ومروّجة للمخدرات، حيث يلاحظ الخطر الكبير الذي يطال العالم كله من هذه التجارة، ما يحتّم مكافحتها ووضع حد لها وحتى يكون الحل جذريا، ينبغي البدء بمصادر الإنتاج مثل مزارع إنتاج المواد الخام في جنوب لبنان، إلى أماكن تصنيعه المنتشرة في سوريا مثل ريف دمشق وحلب وحوران التي تحوي معامل لإنتاج “الكبتاغون” ضمن شبكة تصنيعية موسّعة، وفقا لمصادر خاصة لـ”الحل نت”.

“إفشال جميع محالات التهريب التي تقوم بها شبكات تجارة المخدرات من سوريا نحو العالم يُعد أمرا بالغ الصعوبة، إذ عادة يتم ضبط قرابة 20 بالمئة من الشحنات، بينما ينجح المتاجرون في تمرير ما تبقى من شحنات، وهي نسبة كبيرة جدا”، بحسب حديث وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة المعارضة عبد الحكيم المصري لـ”الحل نت”.

تجار المخدرات ينجحون في أغلب الأوقات بإيجاد طرق تهريب، عوضا عن الطرقات التي تكشفها سلطات الدول المجاورة، وفق المصري، ومكافحة هذه الشبكات بشكل كامل صعب جدا، لكن يمكن العمل على تجفيفه إلى أبعد حد، والأهم هو القضاء على مصادر إنتاج المخدرات سواء الزراعة أو معامل التصنيع.

في حال إقرار القانون الأميركي الجديد، يمكن أن نشهد انخفاضا واضحا في شحنات “الكبتاغون” الممررة من سوريا، بحسب المصري، نظرا لأن تكلفة نقله وشحنه ستغدو أكبر، ولتشديد الرقابة على طرقاته ومعامله والمتاجرين به، وفي نفس الوقت ستجف معظم طرقات التهريب، ما سيؤثر بشكل سلبي على اقتصاد الظل الخاص بدمشق، كون تجارة المخدرات تشكل أكبر مصدر لتمويل الحكومة السورية، على حد تعبيره.

بالتوازي، يرى المصري أنه “لا بد من تدمير مناطق الإنتاج بشكل كامل، وتتبع كل شبكات التهريب، فدمشق لن تستسلم أمام التحركات الأميركية، لأن المخدرات تشكل عصب اقتصاد الحرب الذي يمولها، وهي اليوم تبحث عن وسائل جديدة للاستبقاء على تجارة تهريب المخدرات”، وفق تعبيره.

الأمر ليس سهلا

خيارات دمشق لا تتعدى اللجوء إلى وسائل التحايل على مفرزات القانون والعمل على بقاء التصنيع والإتجار، لكن مع تغيير في الأساليب والطرق.

عبد الحكيم المصري يرى أن “إيران يمكن أن تساعد دمشق في الحصول على وسائل جديدة إضافة للعراق ولبنان، بحيث يتم تصدير الحبوب المخدرة كمنتجات أخرى”.

ثني دمشق عن متابعتها تجارة المخدرات التي يعتبرها مربحة، لم يعد سهلا، ما يدفع المتضررين منها إلى بذل مزيد من الجهود، لتطويق هذه المشكلة ومكافحتها قبل أن يفقد الجميع السيطرة عليها، وكل العوامل اللازمة للإتجار بالمخدرات تتوفر في مناطق سيطرة الحكومة السورية، فلديها خبراء لتصنيع “الكبتاغون”، وآلات خاصة وعشرات المعامل، ومرافئ متصلة بممرات الشحن في البحر الأبيض المتوسط، وطرق تهريب برية إلى الأردن ولبنان والعراق، كللتها حماية أمنية من المؤسسات الأمنية والعسكرية السورية، بحسب دراسة لمؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي”.

اقرأ أيضا: رغم الحملات الأمنية المتكررة.. توسع دائرة المتعاطين للمخدرات شمال سوريا

على مدار العامين الماضيين، روت تحقيقات استقصائية لوسائل إعلام أجنبية وعربية ومراكز رصد وأبحاث مختصة، كيف أضحت صناعة المخدرات في سوريا، تشتمل على مراحل الإنتاج والتهريب كافة، فمن عملية التصنيع التي تنتج بشكل أساسي حبوب “الكبتاغون”، إلى مراكز التوضيب حيث تجهز الحبوب وتخبأ للتصدير، وصولا إلى شبكات التهريب التي تتولى بيعها في الأسواق الخارجية.

بحسب المؤسسة، بات واضحا أن إحجام دمشق عن ضبط انتشار المخدرات منذ سنوات في البلاد ووصولها إلى خارج الحدود، يخفي خلفه عملا منظما يسير ضمن إطار مدروس ترعاه شخصيات كبيرة على ارتباط مباشر بالحكومة.

الأخطار المترتبة عن غرق سوريا في مستنقع المخدرات وتصدير “الكبتاغون” للخارج يمكن تقليصها من خلال تجفيف مصادر زراعة وإنتاج الحبوب المخدرة سواء في جنوب لبنان أو مناطق سيطرة الحكومة السورية. القانون الأميركي الجديد قد يشكل قوس نجاة للدول المجاورة لسوريا التي تعاني أضرارا بالغة من “الكبتاغون” السوري. أما دمشق فستفقد أهم مصادر تمويلها الذي تم العمل على تنشيطه خلال السنوات السابقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.