في كل عام، يحل شهر أيلول/سبتمبر كالكارثة على السوريين، إذ يضطرون إلى الاختيار بين المستلزمات الأكثر أهمية لهم لأن هذا الشهر يصادف بداية المدارس، والتحضير لمونة الشتاء، فالعديد من الأُسر لا تزال ترى في عودة الأطفال إلى المدرسة، “مصدر قلق إضافي” بسبب العجز عن شراء الأقلام والدفاتر، حيث وصل تكلفة الطالب الواحد 400 ألف ليرة سورية.

“ناس بالمولات وأطفال بالشوارع”

التقديرات بحسب أستاذة علم الاجتماع في جامعة دمشق، هناء برقاوي، تشير إلى أن النسبة المئوية للأطفال العاملين قد زادت بنحو 20 إلى 30 مرة منذ عام 2011، نتيجة للحالة الاقتصادية، والصراعات الأسرية، والطلاق وانهيار الأسرة، التي زادت نسبتها بشكل كبير، إذ في السابق، كان عمل الأطفال سائدا فقط خلال الصيف وفي مهن معينة.

ووفقا لما قالته برقاوي لإذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، أمس الاثنين، فإن كلفة الرضيع الواحد شهريا تصل إلى 300 ألف ليرة، بالنسبة للرضاعة الطبيعية من دون الحليب الاصطناعي، وأنه من المستحيل الحكم على الوضع في سوريا بسبب الانقسام الاجتماعي بين “أصحاب المولات والمطاعم وغيرهم ممن لا يجدون طعامهم اليومي”.

وفي هذا السياق، ذكرت برقاوي، إن “هناك امرأة امتنعت عن إرسال ابنتها إلى المدرسة بسبب عدم قدرتها على شراء القرطاسية، حيث يبلغ متوسط كلفة اللوازم المدرسية للطالب 400 ألف ليرة سورية”، فتدفع التكلفة المرتفعة للطالب، بعض الآباء إلى إخراج أطفالهم من المدرسة.

واقترحت برقاوي، على سبيل المثال زيادة الرسوم المدرسية إلى 50 ألف مقابل استخدام هذه الأموال لتحسين المرافق المدرسية ومساعدة الطلاب من خلال توفير الضروريات مثل الدفاتر، وأقلام الحبر والحقائب، كما ذكرت في هذا السياق أن بعض الآباء يدفعون ما يصل إلى 3 ملايين ليرة لتسجيل أطفالهم في رياض الأطفال.

شهيق وصفير

مع اقتراب افتتاح المدارس في سوريا، امتلأت الأسواق بالألوان الزاهية “الزهرية منها والكحلية”، متواجدة بقوة وتنوع في النماذج لجميع أنواع اللباس المدرسي، والحقائب وحتى الأقلام من مختلف الأنواع، لتعطي الأسواق جمالياتها في الشكل، ولكن، المضمون له قصة أخرى تتفرع بين القدرة الشرائية للمواطن، وإمكانية اقتحام تلك الأسواق، وما تحمله الأسعار فيها من غصات خانقة للكثير من المتسوقين، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 75 بالمئة، مقارنة بالعام الماضي.

بين الشهيق والصفير، تنوعت ردود فعل الأهالي المجبرين على تأمين اللباس المدرسي، وهم يشعرون بالإحراج أمام أبنائهم الذين يشترطون شكلا معينا للقميص أو البنطال، وحقيبة تنسجم مع الموديل نفسه، ما جعل الأهالي بين فكي كماشة.

سيجد المتسوق في أسواق جميع المحافظات السورية المشهد نفسه، وهو تشكيلة واسعة من الملابس المدرسية التي حرص أصحاب المحلات على إبرازها، والتركيز على ما يسمى بالقَصة الجديدة لهذا العام، والتي ستكون بلا شك تبريرا لرفع سعر القطعة بآلاف إضافية، والأمر ينطبق أيضا على الحقيبة المدرسية، حيث تبدأ الأسعار من 20 ألف ليرة سورية، وتصل إلى 30 ألفا، في المناطق الشعبية.

في حين تصل في بعض الأسواق إلى 80 ألف ليرة، لبعض الحقائب، كما أن القرطاسية المدرسية طالتها هي الأخرى ارتفاع الأسعار بشكل لافت، حيث بلغ سعر الدفتر ما بين ألفي ليرة، حتى 7 آلاف ليرة لكل (100 طبق)، أما (200 طبق) فيبدأ سعره من 8 آلاف، حتى 10 آلاف ليرة، وتراوح سعر قلم الرصاص حسب النوعية من 500 حتى 1500 ليرة، وقلم الحبر من ألف حتى 5 آلاف.

أما البنطال، فيتراوح سعره بين 25-60 ألف ليرة، وكذلك القميص، لتتجاوز أقل تكلفة للباس المدرسي مع الحذاء 150 ألفا، وتصل إلى 300 ألف، وتختلف الأسعار بين الصعود والهبوط تبعا للأسواق، وتصنيفها إما شعبية أو غير شعبية، إضافة إلى المولات والماركات، وفق التقرير المحلي.

الأطفال يعملون لتأمين المستلزمات!

اللباس المدرسي بالرغم من تقارب الألوان، إلا أن الأشكال المختلفة توحي باختلاف كبير في أسعاره، وهو ما يندرج تحت مسمى النموذج أو التصميم، وبذلك يجسّد التفاوت الطبقي في المدارس، ويحرج أبناء الأسر ذات الدخل المحدود، الذي يشكل معظم السوريين اليوم.

وهذا الجنون بالأسعار دفع الأهالي للبحث عن حلول بديلة تخفف المعاناة، فأم تيسير لديها أربع بنات في المدرسة، تقول إنها استفادت من لباس السنة الماضية ودفاتر بناتها القديمة لتأمين جزء من حاجات البنات الأصغر سنا، حيث تقوم بإفراغ الأوراق المكتوب عليها من دفاتر الفصل الثاني للعام الدراسي السابق، وتبقي الصفحات البيضاء، وهكذا حتى تصل إلى البنت الكبرى، فتشتري لها ما تحتاجه من مستلزمات مدرسية من دكاكين المدينة، وليس من شوارعها الرئيسية ذات الأسعار الكاوية، وإن كان هذا الإجراء سيضع أولادها في خانة الحرج، ولكنه ضروري في سبيل التقيد باللباس المدرسي.

وبحسب تقارير محلية، فإن حالة أم تيسير، تشبه حالة الكثيرين من السوريين، حتى لو كانت طريقة العلاج مختلفة، فالطفل محمد، وهو نازح من إحدى المحافظات السورية، وناجح إلى الصف الخامس، وجد في بيع الجوارب مَنفذا لتأمين سعر الحقيبة المدرسية، في حين أن اللباس المدرسي من العام الماضي، وفي السوق ذاته يوجد عشرات الأطفال يسعون للهدف ذاته.

وفي ظل ارتفاع أسعار اللباس المدرسي، والقرطاسية بمعدلات تراوحت بين 50-75 بالمئة، عن العام الماضي، خاصة في المحلات والمكتبات. لجأ الكثير من السوريين إلى الشراء من الأكشاك والبسطات في الأسواق الشعبية، كونها أرخص، وأنسب لجيوبهم ورواتبهم الهزيلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.