فقدان الأطفال هو أكثر الأمور التي يمكن أن ترعب خيالات العائلة السورية خلال الفترة الحالية. وذلك في الوقت الذي تتجه فيه أنظار السوريين إلى حل ينهي أزمة الانفلات الأمني في عدد من المحافظات؛ لاسيما في الجنوب السوري وبالتحديد في محافظة درعا.

في درعا وصلت درجة خطف الأطفال هناك إلى أن تكون تلك العمليات في وضح النهار، ولكن ما يكشفه “الحل نت”، هو تشكيل بعض أبناء العشائر في جنوب سوريا عصابات لخطف الأطفال من أجل الأموال أو حتى الثأر.

الأمم المتحدة تحققت من انتهاكات جسيمة ارتكبت بحق الأطفال في سوريا في عام 2021، وقد وردت في تقرير لأمينها العام أنطونيو غوتيريش، صدر في تموز/يوليو الفائت، تحت عنوان “الأطفال والنزاع المسلح”.

وجاء في التقرير الذي يغطي عام 2021، أن 2271 انتهاكا جسيما ارتكبت بحق 2202 طفل في سوريا، من بينهم 1824 فتى و235 فتاة و143 آخرين لم يحدد جنسهم، بالإضافة إلى 74 انتهاكا سجلت في الأعوام السابقة وجرى التحقق منها في عام 2021، طالت 73 طفلا، من بينهم 58 فتى و14 فتاة وطفل واحد لم يحدد جنسه.

اختطاف أمام العامة

بعد حادثة الطفل المخطوف فواز قطيفان، والذي أفرج عنه في شباط/فبراير؛ بعد 4 أشهر لقاء دفع عائلته لـ 500 مليون ليرة سورية، لم يعد الأطفال والنساء في درعا، مجرد ضحايا للعصابات، بل أصبحوا أهدافا لهم بشكل متزايد، إذ ازدادت حوادث خطف الأطفال في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، وهذه الطفرة الأخيرة تغذي انعدام الأمن في جنوب سوريا.

منذ أن سيطرت حكومة دمشق على المنطقة في صيف العام 2018، بعد دخولها لاتفاقية ما يسمى بمناطق “خفض التصعيد” وعملية التسوية الناتجة عن “مسار أستانا”، ازدادت عمليات القتل والسطو والخطف من أجل الحصول على فدية، ما جعل سكان محافظة درعا في حالة من القلق.

آخر عمليات الاختطاف كان في الـ 14 من تموز/يوليو الماضي، في بلدة علما في الريف الشرقي لمحافظة درعا، والثانية خلال أقل من شهر أيضا، حيث شهدت محافظة درعا عملية خطف أخرى، إذ عمد مجهولون إلى اختطاف طفل في مدينة الشيخ مسكين بريف درعا الشمالي الغربي، ولم يتم التواصل مع ذويه إلى الآن، وفق مصادر “الحل نت”.

وعن حادثة الشيخ مسكين، قال المحامي محمد شحادات لـ “الحل نت”، إن العصابة اختطفت الطفل من يد والدته أثناء ذهابها إلى السوق نهارا، وهذا مؤشر على أن العصابة كانت تستهدف الطفل أو العائلة بعينها، لأسباب عديدة من ضمنها الفدية أو الثأر.

اقرأ أيضا: درعا.. مراوغة من دمشق بعد خروج المطلوبين من طفس

لم تمنع التسوية الأولى عام 2018، والثانية نهاية العام الماضي 2021، عمليات الخطف في محافظة درعا، بل على عكس ذلك ازدادت، من حيث العدد، ورُفع سقف المبالغ المطلوبة كفدية لقاء الإفراج عن المخطوفين، وهذا ما جعل العديد من الأهالي داخل درعا يتساءلون عن دور ما للأجهزة الأمنية في عمليات الخطف، بحسب تقرير لموقع “رصيف 22”.

عصابات من أبناء العشائر؟

أدى انعدام الأمن في درعا بشكل متزايد إلى تعطيل توفير التعليم والخدمات الأساسية الأخرى للأطفال. فخلال العام الدراسي 2021 – 2022، تم إغلاق حوالي 60 بالمئة من جميع المدارس في درعا لمدة أسبوع، بسبب الاضطرابات الاجتماعية، التي تسببت بها حادثة الطفل فواز قطيفان. كما أدى تصاعد عنف العصابات وانعدام الأمن هذا العام، إلى منع العديد من الأطفال من الذهاب إلى المدرسة في العديد من المناطق الحضرية في مدينة درعا وما حولها.

لكن الحقيقة المروعة بحسب الشحادات، هي أن العديد من الأطفال الذين يتم اختطافهم من شوارع مدن درعا هم أهداف لما يسمى بـ “السرقة لأجل”، فالعصابات التي تشكلت حديثا تنقل ضحاياها إلى عصابات أخرى أو إلى موكليهم من أجل مبالغ مالية ضخمة.

ويشير شحادات، إلى أنه رغم التكهنات من أن قد يكون العديد من الأطفال المفقودين قد وقعوا في أيدي مهربين وتجار أعضاء، إلا أن حوالي 50 بالمئة من جميع حالات اختطاف الأطفال الأخيرة في درعا كان ينفذها عصابات من أبناء المحافظة، حسب ما توصلت إليه تحقيقات الأمن الجنائي السوري، وفق تقارير صحفية.

وطبقا لما نقله المحامي لـ”الحل نت”، فإنه بعد العديد من التحقيقات، خلص فرع الأمن الجنائي، إلى أن عناصر سابقين كانوا يعملون في فصائل المعارضة من أبناء عشائر درعا، شكلوا عصابات بأسلحة فردية، من أجل خطف الأطفال لوكلاء إما في الداخل أو الخارج، من أجل الثأر أو للحصول على فدية مالية إذا كان الطفل من عائلة غنية.

ووفقا للمعلومات التي حصل عليها “الحل نت”، فإن أبرز قادة العصابات التي وردت أسماءهم في التحقيق، هم محمد المسالمة، الذي كان أحد عناصر “جبهة النصرة” سابقا في درعا، وعبد الله الدخان، الذي كان قائدا ميدانيا فيما كان يسمى “لواء التوحيد” التابعة لـ “الجبهة الجنوبية” سابقا.

كما ورد اسم حمزة جاموس من مدينة داعل، وفراس رمضان المنحدر من الشيخ مسكين، وغياث الزعبي من مدينة المسيفرة، ووائل المقداد من مدينة بصرى الشام، وعلي القسيم من مدينة نوى، وجميعهم يملكون أشخاص يعملون تحت إمرتهم في عمليات الخطف والسرقة.

تجاهل لتغطية المشكلة

يمثل التهديد بالاختطاف والابتزاز مصدر قلق في جميع أنحاء سوريا ودرعا تحديدا، إذ يمكن أن يكون للخطف والابتزاز عواقب طويلة الأمد، بل تدوم مدى الحياة، ومع عدم تعاطي الحكومة السورية مع هذه الظاهرة وخصوصا الإعلام الرسمي، يوجّه متابعون من المنطقة، أصابع الإتهام إلى الأجهزة الأمنية بالتعاون مع هذه العصابات والتهاون معها.

الصحفي، عمر الحريري، علق لـ “الحل نت”، على الموضوع قائلا، إن المناطق التي خضعت حديثا لسيطرة الجيش السوري، أصبحت أرضا خصبة لانتشار وتوسع العصابات التي تختطف الأطفال، واستمرار حوادث الاختطاف في هذه المناطق أعطى دليلا على أنها مدعومة من قبل الأجهزة الأمنية، التي لا تفعل شيئا في السيطرة على عصابات الخطف وإخفاء العديد من الحالات والحوادث التي تحدث في مناطق سيطرتها.

قد يهمك: اغتيالات في درعا بسبب النفوذ الإيراني.. ما احتمالات التصعيد العسكري؟

وبحسب الحريري، لا توجد إحصائيات جديدة عن هذه الحوادث في ظل تكتم الأجهزة الأمنية على التقارير والقضايا التي تتلقاها، لا سيما تلك التي تضمنت تسجيلات الفيديو التي تظهر مساومة بالتعذيب لتحقيق أهدافها، فضلا عن استمرارها في الضغط على أي وسيلة إعلامية محلية تتعاطى مع هذه الأخبار.

منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” كانت قد نشرت تقريرا، في تشرين أول/أكتوبر 2020، تناولت فيه عمليات الخطف التي تشهدها مناطق الجنوب السوري.

وقالت المنظمة الحقوقية إنها سجّلت ما لا يقل عن 31 عملية ومحاولة خطف بحق أطفال منذ كانون الثاني/يناير حتى آب/أغسطس 2020، بعضها وقع بالقرب من حواجز تابعة للأجهزة الأمنية السورية.

المنظمة الحقوقية أشارت إلى أن عددا من حوادث الخطف تلك وقعت في أماكن لا تبعد مسافات كبيرة عن حواجز عسكرية تابعة للأجهزة الأمنية السورية في المحافظة، ما يفتح الباب أمام عدّة فرضيات، منها تورط عناصر الحواجز بهذه العمليات أو عملية تواطؤ متعمّدة.

وأضافت أن محافظة درعا شهدت منذ بداية عام 2020، تحديدا، تزايدا حادا في حوادث عمليات الخطف، بشكل عام، وعمليات خطف الأطفال بشكل خاص، خلال اللعب في الشارع، أو أثناء ذهابهم للمدرسة أو السوق.


فيما وبحسب ما وثقه “تجمع أحرار حوران”، فإن عام 2021 سجّل 39 حالة خطف، من بين ضحاياها أربعة أطفال وشابة في درعا، إلى جانب 12 شخصا من محافظة السويداء الجارة. وقد أُفرج عن 27 مخطوفاً، في حين قتل 11، من بينهم ستة من العسكريين في القوات النظامية.حاليا، في محافظة درعا، تطورت عصابات الخطف منذ بداية ظهورها غير المنظم في عام 2012 إلى شبكات إجرامية متطورة ذات أنشطة سرية للغاية. بسبب الموارد الكبيرة التي تجنيها العصابات أصبح هذا النشاط الإجرامي المنظم مربحا للغاية، ويشكل تهديدا خطيرا للسلم الأهلي في درعا، حيث تهدد العصابات الجديدة من أبناء العشائر المحلية بخروج الوضع عن نطاق السيطرة ونتيجتها اختراق وخلل في المجتمع المحلي.


الجدير بالذكر أن المرسوم رقم “20” الصادر في عام 2013، ينص على أن عقوبات الخطف تصل إلى الإعدام، وفق حالات معيّنة حددها المرسوم، أبرزها وفاة المخطوف، أو إصابته بالعجز ولو بنسبة 1 بالمئة، أو تعرضه لاعتداء جنسي.

حاليا، في محافظة درعا، تطورت عصابات الخطف منذ بداية ظهورها غير المنظم في عام 2012 إلى شبكات إجرامية متطورة ذات أنشطة سرية للغاية. بسبب الموارد الكبيرة التي تجنيها العصابات أصبح هذا النشاط الإجرامي المنظم مربحا للغاية، ويشكل تهديدا خطيرا للسلم الأهلي في درعا، حيث تهدد العصابات الجديدة من أبناء العشائر المحلية بخروج الوضع عن نطاق السيطرة ونتيجتها اختراق وخلل في المجتمع المحلي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.