كان ملفتا عنوان منصة “ET بالعربي” الفنية عن جنازة الفنان اللبناني جورج الراسي  بعد وفاته في حادث سير مروع نهاية شهر آب الماضي حيث كتبت المنصة “نجوم لبنان يلبون دعوة نادين الراسي لتشييع شقيقها جورج”.

لماذا يحتاج جورج الراسي إلى دعوة من شقيقته ليحضر نجوم لبنان في وداعه الأخير؟. في الواقع لم يحصد الفنان اللبناني هذا الزخم عبر وسائل الإعلام، وكان التعاطف معه بعد طريقة وفاته المحزنة وهو في بداية الأربعينات، متمحورا حول سبب الوفاة وليس حول رحيل فنان له مسيرة تجاوزت عشرين عاما وتركت أغانيه علامة في جيل التسعينات.

جيل الشباب الحالي لا يعرف من هو جورج الراسي الغائب عن تحقيق أي نجاحات فنية منذ أغنيتيه الشهيرتين “الحب المجنون”، و “أنت الحب” والتي للمفارقة كان الكليب الخاص به يحكي قصة تعرضه لحادث سير.

من هو جورج الراسي؟

بداية بالمعلومات العامة الراسي مغني لبناني من مواليد 1982، بدأ مشواره الفني بعمر مبكر نهاية تسعينات القرن الماضي، واشتهر الراسي بأداء الأغاني الطربية.

في عام 2000 صدر ألبوم “صبت الهدف” وفيه الأغنية الشهيرة التي تحمل اسم الألبوم، مع بعض الأغاني التراثية والطربية القديمة، وعبره خرج اسم جورج الراسي من  لبنان وسوريا إلى مساحات أوسع في المنطقة العربية، قبله قدم “حكاية” عام ،1998 وفي عمله الأول قدم عام 1996 “سهر الليل” والتي نسبها الكثير من الجمهور وقتها في عصر ما قبل ثورة المعلومات لسلطان الطرب جورج وسوف، ومن هنا ربما خسر الراسي الكثير من فرصه ليغدو نجما مكرسا في الغناء اللبناني والعربي، أو المشرقي (بلاد الشام) على الأقل.

بعيدا عن أغانيه الخاصة كان جورج أيضا مجيدا في أداء روائع الطرب العربي، وربما يترك اليوم تلك التسجيلات تأكيدا على احترافيته وجودة أدائه، التي لطالما ضاعت في الجماهيرية الجارفة للوسوف في الفترة نفسها.

من الصعب جدا في مرحلة أشرطة الكاسيت والراديو معرفة من يغني والراسي الذي  لم يخفي يوم عشقه للوسوف، تقمص عن قصد أو غير قصد صوته وأدائه، وهنا نقصد خشونة صوت الوسوف بعد المرض، الذي فعليا لم يكن يعاني منه الراسي.

وعلى سبيل المثال في أغنيته الأولى “سهر الليل” أو في أدائه لأغنية “زي الهوى” للفنان المصري الراحل عبد الحليم حافظ، قد يخالطك الشك أن الوسوف هو من يغني.

هذه النقطة انتبه لها الراسي فيما بعد وبداية من “صبت الهدف”  كان هناك محاولة ليبدو مختلفا عن الوسوف، واستفاد أيضا من توسع ظاهرة الفيديو كليب بعد انتشار الفضائيات، لكنه ربما لم يستطع أن يظهر إلى جانب الوسوف، ولم يكن الوحيد ضحية محرقة السلطان.

خليفة جورج وسوف

لا يمكن التأكد من عدد المرات التي سُئل فيها الراسي عن كونه خليفة للوسوف، والأخير حالة فنية مكرسة، كانت الصحافة ربما تعتقد بأنها تمدح جورج الصغير عندما تطلق عليه لقبا من هذا القبيل.

في واحد من لقاءاته الأخيرة تم توجيه هذا السؤال للفنان الراحل، وكانت الإجابة “إلي الشرف بس أنا عندي أغانيي الخاصة، أنا بقدر غني ساعتين من أرشيفي الخاص”، كان واضحا في اللقاء أن الراسي يشعر بالغبن، ويعتقد أنه لم يحصد ما يستحق من الشهرة والنجومية، رغم أنه حافظ على كياسة الحديث وتوازن الإجابات في هذا الموضوع.

في فترة ظهور الراسي كان الوسوف في أوج نجوميته، وتربع على عرش الغناء في لبنان وسوريا والمنطقة العربية، كما حمل لواء الطرب في عصر اكتساح الأنماط الغربية للغناء العربي والشعبية التي حققتها إلى جانب الأنماط المتطورة من الغناء الشعبي في كل بلد على حدى.

من هنا انطلقت موجة من ما يمكن تسميتهم “الوسوفيين” وهم مجموعة من المغنيين الشباب الذين حاولوا تبني مدرسة الوسوف وتكرار مسيرته، منهم من تقمص الصوت والشخصية بالكامل، وآخرين أخذوا اللون الغنائي والأسلوب وكان جورج الراسي الأقرب للوسوف حتى من حيث تشابه عمر البداية بالغناء والنجومية المبكرة، التشابه حتى أبعد من ذلك فالـ “الجورجين” مولودين في نفس الشهر، إلا أن جميع هذه التجارب فشلت عدى واحدة شقت طريقها نحو نجومية متفردة.

من أبرز هؤلاء الشباب إلى جانب جورج الراسي كان الفنان وديع مراد، والذي قيل عندما أطلق أغنيته الأشهر “حلوة الدنيي” أنه نجل الوسوف “وديع” نسبة إلى أن شهرة السلطان هي “أبو وديع”.

كذلك الفنان اللبناني رضا، والذي نحى بعد نجاح أغنيته “غمرتيني بلطفك” ليس إلى تقمص الوسوف؛ بل إلى دخول ملعبه ومحاولة أداء ذات النمط في أغاني مثل “أنا بتعلم منك” و “عدى العمر”، حتى أنه تعامل مع نفس الشعراء والملحنين الذين كان جورج وسوف يتعامل معهم في تلك الفترة كثيرا أمثال نادر عبدالله ووليد سعد وعوض بدوي وأخرين.

الناجي منهم كان النجم اللبناني وائل جسار الذي غير قواعد اللعبة سريعا وشق طريقه نحو أنماط متنوعة وأكثر تطورا في الموسيقى، كما أنه لم يحاول أن يتقمص جورج وسوف بأي شكل من الأشكال رغم أنه يستطيع. وبدرجة أقل نجى هشام الحاج وزياد برجي الذي حقق حلمه في النهاية ولحن للوسوف آخر أغانيه قبل الأزمة الصحية الأخيرة “بيحسدوني”.

جورج الراسي دفن فنيا في مقبرة جورج وسوف حتى لو كان هذا التعبير قاسيا، أو ربما دفن نفسه بها، قبل أن يوارى الثرى في مقبرة عائلته في مدينة جبيل اللبنانية قبل أيام، والمحزن أن الفنانين الحاضرين في الجنازة لم يتطرقوا لمسيرة جورج الفنية الغنية مقارنة بعمره، بل حضروا في عزاء العائلة وزميلتهم نادين الراسي شقيقة الراحل الذي كان يوما أكثر شهرة ونجومية منها، قبل أن يسطع نجمها عربيا في زمن الدراما المشتركة، وكان منافسا لبعض الحاضرين بل وربما متوفقا عليهم.

ومن المحزن أكثر أن تكون طريقة وفاته البشعة، هي الصدمة الكهربائية لتاريخه الفني المغيب، فربما تعود اليوم أغاني الراسي للتداول، أو يقوم فنانون شباب بتجديدها أو إعادة تقديمها، فأغاني كـ “سهر الليل” و “صبت الهدف” وغيرها لا تستحق أن تذهب طي النسيان في زمن الرداءة الفنية الذي نعيشه. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.