تكاد تكون الظروف الاقتصادية والأمنية، هي أبرز الأسباب التي تدفع بالشباب السوري للهجرة باتجاه بلدان أخرى بحثا عن حياة أفضل، ولعل تزايد معدلاتها خلال الآونة الأخيرة خير مثالا على ذلك؛ وخاصة الهجرة غير الشرعية، وما تمثله من خطر على حياة من يقدم عليها. إذ لا يكاد أن يمر شهر دون ورود أخبار عن وفاة أشخاص خلال رحلتهم إلى أوروبا.

الشاب السوري عبد الكريم زيدان (24 عاما) من محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، فقد حياته في غابات اليونان في أواخر آب/أغسطس الماضي، بعد أن نال منه التعب والإرهاق، أثناء رحلة الوصول إلى أوروبا للحصول على اللجوء.

حادثة وفاة الشاب الذي تخرج قبل شهور قليلة من الجامعة بتخصص الهندسة، لم تكن أولى حالات الوفاة في طريق الهجرة، إذ وثق “الحل نت” خلال الشهرين الماضيين، وفاة تسعة شبان سوريين، ثمانية من أبناء المحافظات الشرقية، وآخر من ريف دمشق.

قد يهمك: رغم ظروف الشتاء القاسيّة.. سوريون في تركيا يحاولون الهجرة إلى أوروبا

تعكس هذه الأرقام زيادة في معدلات الهجرة من مناطق مختلفة من سوريا لاسيما من الشمال الشرقي، وهو ما أكدته مصادر محلية لـ “الحل نت”، مشيرة إلى أن المحافظات الشرقية (دير الزور، الحسكة، الرقة) تشهد أكبر موجة هجرة منذ العام 2015.

ما الأسباب؟

لا يجب أن ينسى أو يغفل المجتمع الدولي عن الاحتياجات المتزايدة للنازحين واللاجئين السوريين داخل وخارج البلاد، وذلك بعد 11 عاما على اندلاع الأزمة التي زادت مؤخرا من ارتفاع معدلات الهجرة من سوريا. هذا ما أورده تقرير لـ الأمم المتحدة، مطلع العام الجاري.

لا تزال سوريا تعتبر أضخم أزمة نزوح وهجرة في العالم، حيث اضطر أكثر من 13 مليون شخص إما للفرار خارج البلاد أو النزوح داخل حدودها.

الصحفي زين العابدين العكيدي، من دير الزور، يقول في حديثه لـ “الحل نت”، إن المحافظات الشرقية السورية، تسجل الآن زيادة مخيفة في معدلات هجرة الشباب، معتبرا أن هذه المحافظات كانت تعاني ظروفا اقتصادية متدنية قبل 2011، والآن بعد مرور أكثر من عقد على الحرب، ازدادت الظروف سوءا، لدرجة أن الوضع بات لا يطاق، ولا يوجد حل أمام النسبة الأكبر من الأهالي، وخاصة الشبان، سوى الهجرة مهما كانت العواقب.

13 مليون سوري نزحوا/هاجروا منذ اشتعال الحرب السورية، وهو ما يمثل حوالي 60 في المئة من عدد السكان قبل الحرب، وهي نسبة نزوح لم تشهدها دولة من قبل خلال العقود الأخيرة، بحسب “مركز بيو للأبحاث”.

ويضيف المركز في دراسة نشرها على موقعه الإلكتروني في عام 2018 بأن أكثر من ستة ملايين و300 ألف سوري، أي حوالي 49 في المئة من عدد المهجرين قد نزحوا داخليا، لكن هذه النسبة تغيرت خلال السنوات الأخيرة مع عودة مئات الآلاف إلى ديارهم وظهور نازحين جدد. ويقول المركز إن حوالي 700 ألف سوري نزحوا داخليا في النصف الأول من 2017 بسبب الصراع المستمر.

الانسداد السياسي والوضع الاقتصادي الصعب، والتجنيد الإجباري، وغيرها من الأسباب الأخرى، أدت إلى ما يعانيه السكان الآن، ويضيف العكيدي حول ذلك: “من بقي من الشباب اليوم، لأنه لا يمتلك مصاريف رحلة اللجوء”.

الحسكة تأتي في مقدمة المحافظات الشرقية التي تشهد معدلات هجرة مرتفعة مؤخرا، وقد يدلل على ذلك، زيادة حركة سوق بيع العقارات والممتلكات، بهدف تأمين المبالغ الكافية لطريق الهجرة نحو أوروبا، وفق الصحفي السوري.

دوافع أخرى

التهديدات التركية بشن عمليات عسكرية جديدة في بعض المناطق الحدودية، هي من أبرز الدوافع التي يمكن أن تدفع الشباب في المحافظات الشرقية والمناطق الحدودية إلى السعي للهجرة والخروج من البلاد. لقد جاءت تلك التهديدات بشكل أكثر بروزا، بعد إعلان واشنطن في شهر أيار/مايو من العام الجاري؛ إعفاء مناطق في شمال شرق وشمال غرب سوريا من عقوبات “قيصر”. وفق رأي بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل العدالة والحقيقة”.

رغم أن هناك بعضا من التفاؤل بدخول استثمارات من شأنها تحسين الوضع المعيشي في المنطقة، إلا أن حالة عدم الاستقرار والتهديدات التركية أربكت حسابات الأهالي، فضلا عن عوامل أخرى مزمنة تتمثل بتردي الأوضاع الأمنية وكذلك الاقتصادية، في ظل ارتفاع نسبة الفقر في سوريا والبطالة وتدهور الوضع الاقتصادي بشكل عام.

اقرأ أيضا: سوريون يقيمون بتركيا يطمحون باللجوء إلى أوروبا.. والسبب!

هناك أيضا أسباب متعلقة بالفساد والتجنيد الإجباري، كما يؤكد الأحمد، الذي بيّن بأن هذه الأسباب مجتمعة، دفعت بالأهالي للبحث عن خلاص بعيدا عن سوريا والمنطقة، وقد يكون هذا سببا رئيسيا يتشارك فيه كل المهاجرين أو العازمين على الهجرة من سوريا.

طريق الهجرة

تبدأ رحلة الهجرة عند خطوط التماس بين مناطق “الإدارة الذاتية” في الشمال الشرقي، وبين منطقة العمليات العسكرية التركية “نبع السلام” الخاضعة لسيطرة فصائل “الجيش الوطني” المعارض المدعومة من أنقرة، حيث تتولى شبكات على جانبي مناطق السيطرة، نقل الأشخاص مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 30-100 دولار عن كل شخص، وفق مصادر “الحل نت”.

بعد دخول مناطق “نبع السلام” ذات السيطرة التركية، تتولى شبكات تابعة لفصائل في “الجيش الوطني” تهريب الأشخاص إلى تركيا، بكلفة مرتفعة تصل إلى نحو ثلاثة آلاف دولار عن الشخص الواحد.

إن محاولات الدخول إلى تركيا تنطوي على مخاطر عالية، بسبب الأساليب التي يتبعها حرس الحدود التركي، حيث يطلق عناصره النار على كل من يحاول اجتياز الحدود، أي أن احتمالية الموت عالية، والحوادث لا تكاد تتوقف. ورغم ذلك فإن محاولات اجتياز الحدود التركية قد تفشل لمرات متعددة، وهو ما يدفع بالمهربين إلى إعادة المحاولة لأكثر من مرة.

بعد الدخول لتركيا، يتحرك المهاجرون وفق إجراءات معقدة، خشية اعتقالهم من قبل حواجز الشرطة التركية، لعدم حصولهم على بطاقة حماية مؤقتة (كملك) ودون استصدار إذن السفر، إذ يحاولون تجنب أي مشكلة قد تواجههم، ريثما يتمكنون من الوصول إلى اليونان، ليتابعوا بعدها رحلتهم، إلى صربيا أو ألبانيا وصولا إلى الدول الأوروبية، “في حال تيسرت أمور رحلة الهجرة الشاقة”.

سلك كثير من السوريين طرق الهجرة البعيدة، متوجهين إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل وفرص عمل أكبر، وكانت 2015 أكثر سنة طرق فيها السوريون أبواب أوروبا، فتوزعوا على أغلب دولها.

في ذلك العام لم تكن تكلفة الهجرة باهظة كما أصبحت فيما بعد، إذ كانت تكلفتها تبلغ حوالي 1000 دولار، ولكن بعد ذلك تغيرت الظروف وازدادت الصعوبة من جميع النواحي، فشددت الدول حدودها، وفق تقرير لـ”العربي الجديد”، الأمر الذي انعكس على التكلفة المادية، كما أن طرق الهجرة نفسها أصبحت أشد صعوبة، وكثرت عمليات النصب وازداد استغلال المهربين للمهاجرين، وانعكس تشديد الحدود سلبا على حلم السوريين بالوصول إلى حياة أفضل.

وبعد موجة النزوح الكبيرة التي شهدها عام 2015، بدأت تلك الحركة تخف، لكنها عادت لتنشط من جديد خلال الفترة الماضية.

تتفاوت تكلفة الرحلة، بحسب المهربين، لكن في الغالب هي مرتفعة بين 5-10 آلاف دولار أمريكي، بحسب مصادر “الحل نت”. ورغم دفع هذه المبالغ الطائلة فإن ذلك لم يكن منجيا لعدد كبير من المهاجرين من التعرض للابتزاز وخاصة عند الحدود اليونانية الألبانية.

أحد طالبي اللجوء الذي وصل حديثا إلى هولندا، يصف الرحلة بـ “الشاقة والخطرة جدا”، ويقول في حديثه لـ “الحل نت” إنه أمضى عشرة أيام متواصلة سيرا على الأقدام في غابات اليونان.

أزمة لجوء في أوروبا

نتيجة لزيادة وتيرة الهجرة، تتحدث بعض الدول الأوروبية، عن أزمة حقيقة تواجهها بسبب زيادة أعداد طالبي اللجوء مؤخرا.

تقارير إخبارية من هولندا، ذكرت مؤخرا، أن صعوبات كبيرة متعلقة بارتفاع أعداد طالبي اللجوء، حيث وصل مؤخرا، المئات من المهاجرين إلى أبواب مركز “تير أبيل” المركز الرئيسي لاستقبال طالبي اللجوء، ما أدى إلى بقاء أكثر من 700 شخصا في الشارع، قبالة المركز، ينامون في خيام في ظروف إنسانية صعبة للغاية.

وقبل ذلك، أجرت هولندا تغييرات في قوانين اللجوء للحد من أعداد طالبي اللجوء، حيث أعلنت الحكومة عن إجراءات عدة لحل أزمة اللجوء التي تشهدها البلاد منذ أشهر وكان أبرزها التشديد “المؤقت” للم شمل أُسر طالبي اللجوء، الذين يشكل السوريون معظمهم، حيث قد تصل فترة انتظار طالبي اللجوء للم شمل ذويهم إلى مدة عام ونصف.

الحكومة الهولندية شددت مؤخرا القواعد الخاصة بلم شمل الأسرة، وذلك للحد من تدفق طالبي اللجوء إلى البلاد. هناك خطة مطروحة على الطاولة لهذا الغرض، فالائتلاف الحاكم هناك ينظر الآن إلى أزمة اللجوء على أنها أزمة كبيرة وقابلة للاشتعال سياسيا، بحسب تقرير لصحيفة “ذي تلغراف” الهولندية.

لا يوجد حاليا سوى شروط قليلة للم شمل الأسرة. لقد تم وضع شروط جديدة لطلبات لم الشمل العادية للمواطنين الهولنديين، الذين يرغبون بجلب شريك أجنبي إلى هولندا.

وحددت الحكومة شرط أن يكون الشخص الذي يرغب بلم شمل شريك من بلد آخر يمتلك دخلا ويعيش في منزل يتسع لشخصين على الأقل.

أما بلغاريا فشددت إجراءاتها الحدودية، في حين أعادت اليونان خلال شهر آب/أغسطس الماضي، أكثر من 25 ألف مهاجر إلى تركيا، بينما بدأت لاتفيا أيضا، في أواخر الشهر ذاته، بناء سياج دائم على امتداد الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي مع بيلاروسيا.

منظمة “أطباء بلا حدود”، نشرت على حسابها في “تويتر” تغريدة، في مطلع الشهر الجاري، انتقدت فيها الاحتجاز لفترات طويلة والتمييز الممنهج ضد المهاجرين وطالبي اللجوء في ليتوانيا، وحذرت المنظمة غير الحكومية، من أن المهاجرين المحتجزين في ليتوانيا، يعانون تدهورا يعرض صحتهم العقلية والنفسية للخطر، ودعت إلى وضع حد لهذه الممارسات وتقديم بدائل أكثر إنسانية من دون تأخير.

تعددت الآراء حول أسباب سعي المواطنين، خاصة الشباب منهم، إلى الهجرة من شمال وشرق سوريا؛ إذ يؤكد البعض أن السبب اقتصادي بحت، فالشباب يبحثون عن فرص أفضل للحياة والعمل؛ فيما يضيف البعض أسبابا أخرى، أهمها الخوف على مستقبل المنطقة من عدم الاستقرار السياسي، والتوتر الأمني، وعدم الرضا عن السياسات الاجتماعية والتعليمية في المنطقة. إلا أن الجميع يتفقون على أن المنطقة معرّضة لموجة هجرة طوعية ضخمة، قد تكون الأكبر منذ سنوات طويلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.