في الآونة الأخيرة بات القصف الإسرائيلي على مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا مركّزا أكثر من ذي قبل، حيث تركّزت الضربات الأخيرة على دمشق أولا ثم حلب، وخاصة مطارات المدينتين، إذ يبدو أن الأهداف المتواجدة فيها تعتبر أولوية قصوى للإسرائيليين، ولكن في القصف الأخير على دمشق، تبيّن وجود شخصيات مهمة تم استهدافها ما شكّل ضربة موجعة للإيرانيين.

وحدة لنقل الحرس الثوري

تقرير لموقع “إيران إنترناشونال“، يوم أمس الثلاثاء، نقل عن مصادر مطلعة أن الهجوم الذي نُسب إلى إسرائيل مساء يومي الجمعة والسبت الماضيين، في دمشق، استهدف الوحدة 2250، المسؤولة عن نقل المعدات والأفراد من إيران إلى سوريا.

ووفق التقرير، فإن “مكتب إغاثة القوات اللبنانية”، والمعروف باسم “الوحدة 2250″، هو مؤسسة لوجستية إيرانية تأسست عام 1990، وهي مجموعة فرعية من الوحدة 2000، ويديرها شخص يُدعى سيد رضا.

ويقع المقر الرئيسي لهذه الوحدة في مدينة دمشق، لكن هناك مكاتب تمثيل مختلفة لهذه الوحدة في مناطق مختلفة من سوريا، مثل ضواحي دمشق، واللاذقية، وحماة، وحلب، ودير الزور.

ويُعتبر المكتب مسؤول عن استلام المعدات الواردة من إيران إلى سوريا، وكذلك تخزينها وحمايتها، كما تقع عليه مسؤولية إدارة ممتلكات القوات المساعدة لـ”حزب الله”، وحتى مرافقة واستضافة كبار المسؤولين الإيرانيين وأسرهم عند الوصول إلى سوريا، وتتم كل هذه الأمور بالتنسيق مع المسؤولين، وكبار ضباط حكومة دمشق.

ويشير التقرير، إلى أن الهجوم الأخير المنسوب إلى إسرائيل، استهدف على وجه التحديد المستودعات ومواقف السيارات وحتى مقر “مكتب الإغاثة”، حيث تستخدم بعض هذه الأماكن لتخزين المعدات العسكرية؛ وهي أماكن تقع في قلب أحياء مدنية في سوريا وتشكل خطرا كبيرا على المواطنين في المنطقة.

إقرأ:القصف الإسرائيلي على حلب ودمشق.. خطوة متقدمة للتصعيد؟

مُن هم الأشخاص المستهدفون بالقصف؟

بحسب التقرير فإن 3 أشخاص في الوحدة كانوا ضمن أهداف القصف وهم، سيد رضا، ويشغل منصب رئيس مكتب الإغاثة في سوريا وفرع دمشق، وعمل منذ سنوات لصالح الأنشطة الإيرانية في المنطقة، كما عمل سابقا رئيسا لمكتب الإغاثة في طهران.

عبدالله عبادي، هو المسؤول عن نقل الأسلحة عبر رحلات الطيران المدنية في مكتب الإغاثة. وهو أحد أعضاء المكتب الرئيسيين في سوريا. كما يعمل على دعم وتسليم حقائب اليد في رحلات الركاب من إيران إلى سوريا.

ميثم كتبي، هو ممثل النقل والتحويلات بين مكاتب الإغاثة. خدم سابقا في الوحدة 190، وهي وحدة مسؤولة عن نقل قوات فيلق القدس التابع لـ”لحرس الثوري”، ويعمل حاليا في مكتب الإغاثة برئاسة سيد رضا، وهو مسؤول عن إضافة ونقل واستلام السلاح والقوات لدى الأطراف السورية.

كما يشير التقرير، إلى أن “مكتب الإغاثة” أدوارا مختلفة، منها: تنسيق نقل الأسلحة “بما في ذلك الأسلحة المتطورة والمعدات العسكرية الأخرى”، وكذلك الأفراد العسكريون من إيران، مبينا أنه يعمل في قلب الحكومة والمواطنين السوريين لتحقيق مصالح إيران و”حزب الله” اللبناني في سوريا.

قد يهمك:بين قصف مطار دمشق وقصر الأسد.. ماذا تريد إسرائيل في سوريا؟

تصعيد إسرائيلي

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإن القصف الإسرائيلي المتكرر على دمشق، يعطي مؤشرا بحسب مراقبين على أن إسرائيل، ماضية في تصعيدها ضد النفوذ الإيراني في سوريا.

الدكتور سمير صالحة، أستاذ العلاقات الدولية، بيّن في حديث سابق لـ”الحل نت”، أن الاستهداف الإسرائيلي ضد القوات الإيرانية والميليشيات المحسوبة عليها في سوريا، مستمر منذ سنوات، فإسرائيل تعمل بكل الوسائل الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية لتضييق الخناق على إسرائيل في سوريا، وهذا مرتبط بمصالح إسرائيل وحساباتها الإقليمية.

وأضاف صالحة، إن الاستهدافات الإسرائيلية لإيران في سوريا، تأتي في إطار لعبة المصالح، والاصطفافات الإقليمية الجديدة خاصة بالنسبة لإسرائيل، والتي بدأت تحسّن علاقاتها وتطبّع مع بعض العواصم في المنطقة، لذلك فالشق الإيراني مهم في هذا التحول في سياسيات إسرائيل الإقليمية.

وأيضا، حول مضي إسرائيل في توسيع عملياتها ضد إيران، أكد الباحث في الشأن الروسي، طه عبد الواحد، خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن احتمال توسيع المواجهة بين إسرائيل وإيران على الأراضي السورية قائم منذ الساعات الأولى لدخول الإيرانيين وميلشياتهم الطائفية إلى سوريا، وتوسيع نشاطهم في المناطق الحدودية مع الجولان السوري، لافتا إلى أنه من الممكن أن تُقدم إسرائيل على شن حرب واسعة النطاق في سوريا ضد إيران، وبدعم من حلفائها إذا كان هذا الحل هو الوحيد للحفاظ على أمنها.

وبحسب مراقبين لـ”الحل نت” في وقت سابق، فإنه لا يوجد وقت محدد للتصعيد الإسرائيلي ضد إيران، خاصة في سوريا، فالطائرات الإسرائيلية لم تتوقف أبدا عن استهداف المواقع الإيرانية، ومواقع “حزب الله” في سوريا، وهي تملك الضوء الأخضر للعمل بحرية في سوريا، من قِبل الأميركيين والروس.

ولفت المراقبون، إلى أن إسرائيل تخوض حربا متعددة الأوجه ضد إيران وحتى في العمق الإيراني، من خلال اغتيال عدد من العلماء الإيرانيين، أو من خلال هجمات سيبرانية وإلكترونية قادرة على تعطيل العمل بالمنشآت النووية الإيرانية، أو القيام بعمليات تخريب في بعض المنشآت من خلال عملاء وجواسيس تابعين لها داخل إيران.

إقرأ أيضا:تصعيد القصف الإسرائيلي على سوريا.. ثمن مصالحة دمشق مع “حماس”؟

مرحلة جديدة واستهداف متكرر

في نهاية آب/أغسطس الماضي، استهدف قصف صاروخي إسرائيلي، مواقع في محيط مدينتي حماة وطرطوس في غرب سوريا، في مناطق طريق وادي العيون غرب مصياف، ومنطقة البحوث العلمية، ومنطقة السويدة جنوب شرقي مصياف، ومنطقة الجليمة أيضا، حيث توجد مقار ومواقع عسكرية ومستودعات للأسلحة والذخائر تابعة للميليشيات الإيرانية، وجرى تدمير أسلحة وذخائر، بينما اندلعت النيران بمناطق في ريف مصياف، على خلفية القصف الإسرائيلي وصواريخ الدفاع التي حاولت التصدي للهجوم الجوي.

الاستهداف الإسرائيلي في محيط طرطوس التي تُعتبر قاعدة لروسيا، يعتبر مؤشرا بارزا، إزاء ما يتعلق بطبيعة الغارات الإسرائيلية على المناطق السورية، والمرحلة الجديدة من التصعيد، فالجانب الروسي لم يعلّق على الغارتين؛ في الوقت الذي زادت إسرائيل من تصعيدها ويفترض أنها تراعي عدم الاحتكاك مع الروس، ورسخ القصف الذي جرى على مطار حلب، فرضية التحول إلى مرحلة جديدة في التصعيد.

سمير صالحة، أكد أن هذه المرحلة من التصعيد بدأت بالفعل، وهي ترتبط بأمرين مهمين، الأول نتائج المباحثات الخاصة بالملف النووي الإيراني، والثاني تصريحات أميركية جديدة يوم أمس، بأن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وهذا التصريح يعتبر بمثابة تعهد لإسرائيل ولدول أخرى في المنطقة.

ولفت صالحة، إلى أنه لدى الولايات المتحدة فرصة مهمة لحسم الملف النووي الإيراني، وبعد ذلك ستكون قادرة على تضييق الخناق على القرار الإيراني، وهذا ما سيؤدي للتأثير على المشهد العسكري المتعلق بالتواجد الإيراني في سوريا، وهو ما سيؤثر أيضا على الكيفية التي ستستمر إسرائيل بها باستهداف إيران في سوريا.

من جهته، الباحث السياسي عصام زيتون، أوضح في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن الاستهدافات الإسرائيلية لشحنات الأسلحة الإيرانية في سوريا، لا ترتبط بأي تطور سياسي.. زيادة النشاط الإيراني نتيجة محاولته لملء الفراغ الذي تتركه القوات الروسية، أدى ذلك لزيادة النشاط الإسرائيلي لضرب الشحنات الإيرانية في دمشق ومحيطها.

قد يهمك:ما السر وراء تكرار القصف الإسرائيلي على دمشق؟

ضوء أخضر لإسرائيل

خلال اجتماع رؤساء مجالس الأمن القومي لروسيا، والولايات المتحدة وإسرائيل، في صيف عام 2018، تم الاتفاق بين الأطراف الثلاثة على أن أمن إسرائيل أولوية قصوى بالنسبة لهم، ومنذ ذلك الوقت أُعطيت إسرائيل الضوء لاستهداف المواقع، والتحركات الإيرانية في سوريا.

وبناء على هذا الاتفاق، فإن الضوء الأخضر الممنوح لإسرائيل بضرب المواقع الإيرانية في سوريا لا يستثني أي منطقة، حتى تلك المناطق التي تُعتبر مناطقا للنفوذ الروسي وعلى رأسها طرطوس، لكن ضمن آلية يتم فيها إبلاغ الروس بشكل مسبق، وعدم الاحتكاك بهم في هذه الضربات.

وفي هذا السياق، أوضح الباحث في الشأن الروسي، ديمتري بريجع، خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن استهداف إسرائيل لمناطق تواجد الإيرانيين في سوريا، هي رسالة واضحة من الإسرائيليين لإيران أنها سوف تستهدفها في أي بقعة يتواجدون فيها في سوريا، حتى لو كانت خاضعة للنفوذ الروسي.

وأشار بريجع، إلى أن استمرار الغارات الإسرائيلية ضد الإيرانيين، وعدم رد الروس عليها أيضا رسالة روسية ضمنية على عدم رغبة روسيا بتواجد إيران في سوريا، خاصة أن النظرة الروسية حول التواجد الإيراني، تقول بأن إيران تعمل على مشروع مبني على أفكار دينية وطائفية، بينما تحاول روسيا الحد من هذا المشروع، لأنه يهدد وجودها في سوريا قبل أي طرف آخر.

ولفت بريجع، إلى أن هناك تفاهمات ضمنية بين روسيا وإسرائيل، فيما يخص الدور الإيراني في سوريا، والشرق الأوسط بشكل عام، أساسها أن أمن إسرائيل يبقى على رأس أولويات السلطة الحاكمة في روسيا، وعليه، فإن روسيا سوف تستمر بغض النظر عن استهداف إسرائيل لإيران في سوريا، مهما كان شكل الاستهداف ونوعه، وزمانه ومكانه.

إقرأ:“حماس” تُعيد علاقاتها مع دمشق رسمياً.. ما الذي يحصل؟

من الجدير بالذكر، أن القصف الإسرائيلي على المواقع الإيرانية في سوريا لم يتوقف منذ سنوات، في الوقت الذي تصمت فيه إيران وحليفتها حكومة دمشق، عن هذا القصف إلا من إدانات إعلامية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.