بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وظهور أزمة غذاء في أوروبا والعالم، اضطر الاتحاد الأوروبي مؤخرا لتعديل خطته الاستراتيجية بشأن الغذاء في أفق 2025، لتظهر في شكل “خطة لتعزيز الأمن الغذائي العالمي“، فهل تستطيع أوروبا تلافي الأزمة، وكيف يمكن ذلك في ظل عدم ضبط الغزو الروسي لأوكرانيا وتأثيراته على أوروبا والعالم.

الغزو الروسي لأوكرانيا، وما تسببه من تعطيل للصادرات الغذائية من منطقة البحر الأسود، كان له الأثر الأبرز على سوق الغذاء حول العالم، فارتفعت أسعار الحبوب الغذائية الأساسية إلى مستوى قياسي في آذار/مارس وحتى تموز/يوليو. ساعد ذلك في دفع تضخم الغذاء العالمي إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.

خطة أوروبية لمواجهة الأزمة

الخطة الاستراتيجية بشأن الغذاء، التي أجرى الاتحاد الأوروبي تعديلات عليها، كانت قد نُشرت في العام 2015، حيث جاءت التعديلات في ظل المخاوف من تدهور الوضع الغذائي على مستوى العالم، لاسيما ضمن الدول محدودة الدخل.

وبحسب تقرير نشره “مركز الإمارات للسياسات“، فإن ورقة تعديل خطة الغذاء في أوروبا، “تسعى لتحليل مضمون الخطة الأوروبية الاستثنائية الجديدة، والكشف عن أهدافها وركائزها، والتحديات التي يمكن أن تعترض طريق تنفيذها في سياق دولي متغير، وظروف مناخية واقتصادية غير مستقرة“.

يُعدّ القطاع الزراعي الأوروبي مستوردا كبيرا لمنتجات معينة، مثل بروتينات الأعلاف، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف المدخلات مثل الأسمدة والوقود الأحفوري، الأمر الذي يخلق صعوبات في الإنتاج للمزارعين، ويهدد برفع أسعار المواد الغذائية.

بناء عليه تقترح المفوضية الأوروبية مجموعة واسعة من الإجراءات القصيرة والمتوسطة المدى لتحسين الأمن الغذائي العالمي، ودعم المزارعين والمستهلكين في الاتحاد في مواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية، أبرزها: دعم الفئات الضعيفة من السكان؛ وتكثيف الإنتاج الغذائي المحلي؛ وإزالة القيود المفروضة على تجارة المواد الغذائية وتعزيز المنافسة.كما سيتم إضافة مبلغ 500 مليون يورو إلى المخصصات الوطنية لتقديم الدعم المباشر للمزارعين الأكثر تضررا من زيادة تكاليف المدخلات وإغلاق أسواق التصدير.

كذلك تسعى الدول الأوروبية لتجنب “كارثة إنسانية“، متعلقة بارتفاع أسعار المواد الغذائية في دول الأطراف، ما قد يؤدي إلى اختلال التوازن الأمني والاجتماعي في هذه الدول القريبة من أوروبا، وبالتالي احتمالية تصاعد التهديدات الإرهابية وموجات الهجرة غير الشرعية.

اقرأ أيضا: أوكرانيا من الدفاع إلى الهجوم.. معركة فاصلة في الشتاء؟

ويركّز تقرير المركز على أن هذه الدول، تشكل بالنسبة لأوروبا جزء من خريطة سلاسل التوريد العالمية.

وتقوم الخطة الأوروبية للأمن الغذائي العالمي، لاسيما في الجوار الأوروبي، على أمور عدة، أولها “كسر قيود التصدير، وحظر تصدير الأغذية، وتعزيز مسارات تحرير أسواق الغذاء ضد الحمائية العائدة بقوة خلال السنوات الأخيرة. وقد بدا ذلك واضحا في النهج الأوروبي للعقوبات ضد روسيا بعد غزو أوكرانيا، حيث لا تستهدف العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا وبيلاروسيا القطاع الزراعي، وخاصة قطاع تجارة الغذاء، من قبيل شراء واستيراد ونقل المنتجات الزراعية والغذائية التي بقيت مُعفاة من الحظر المفروض على السفن التي ترفع العلم الروسي“.

كذلك ترتكز الخطة الأوروبية على دعم أوروبا لأوكرانيا، من خلال المساعدة على تصدير ونقل الإنتاج الزراعي الأوكراني ومنتجات الأسمدة، لاسيما الحبوب إلى الأسواق العالمية، للمساهمة في زيادة العرض، وبالتالي خفض أسعار الغذاء الأساسي والأسمدة.

الخطة الأوروبية شملت كذلك المساعدة المباشرة التي تقدم للدول محدودة الدخل المتضررة من ارتفاع تكاليف الغذاء. حيث تعهد الاتحاد الأوروبي، والدول الأعضاء، في نيسان/أبريل الماضي، بتقديم أكثر من مليار يورو لضمان الأمن الغذائي في منطقة الساحل الإفريقي.

وكذلك تقديم 633 مليون يورو في شكل مساعدات طارئة لتعزيز الصمود وأنظمة الغذاء في بلدان أفريقيا، والكاريبي، والمحيط الهادئ. وفيما يتعلق بالجوار الجنوبي، اعتمد الاتحاد الأوروبي خطة دعم بقيمة 225 مليون يورو للتخفيف من آثار الأزمات الغذائية المحتملة، بسبب الاعتماد الكبير على الواردات الغذائية التي تعطلت بسبب الحرب.

الجهود الأوروبية لوقف تدهور الأمن الغذائي تواجه العديد من التحديات، أهمها استمرار عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، دون أفق واضح، وصعود النزعات الحمائية في صادرات الغذاء العالمي، والمسار التصاعدي للتضخم في العالم، لاسيما في الغذاء والأسمدة.

يصف تقرير المركز استمرار الحرب في أوكرانيا، بأنه “التحدي الأهم للخطة الأوروبية للأمن الغذائي اليوم. إذ تزيد حالة اللايقين وضبابية أفق حلّ الأزمة من انكماش أسواق الغذاء العالمية، ومن تكاليف الغذاء، كما أنها تطيل أمد توقف قوى الإنتاج الزراعي في أوكرانيا، وتسهم في التقليل من العرض وزيادة الطلب والأسعار“.

وفضلا عما سبق، فإن استمرار عمليات غزو روسيا لأوكرانيا، قد تدفع إلى مزيد مزيد من القيود العالمية على صادرات الغذاء، ونزوع الدول المصدرة إلى الحمائية، الأمر الذي يرفع بشكل مباشر الأسعار إلى مستويات قياسية في بعض المواد، مثل الزيوت. ففي آذار/مارس الماضي، حظرت أوكرانيا تصدير عدد من المنتجات الغذائية (الشعير، والحنطة السوداء، والسكر، واللحوم) حتى نهاية عام 2022.

وحول تأثير التضخم الاقتصادي على الخطة الأوروبية، جاء في تقرير المركز “تشكل مستويات التضخم العالية عالميا، حائلا كبيرا أمام عودة مؤشر الأمن الغذائي إلى مستواه قبل الحرب الأوكرانية، حيث ستكون المساعدات النقدية التي ستقدمها دول الاتحاد للدول محدودة الدخل، محدودة التأثير بسبب المسار التصاعدي لمستويات التضخم العامة، لاسيما التضخم في سوق الغذاء والأسمدة الزراعية“.

أزمة عالمية

ورغم أن مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء سجّل هبوطا حادا في تموز/يوليو الماضي بمعدل 8.5 في المائة عن الشهر السابق، فقد بقي أعلى بنسبة 13 في المائة من قيمته المسجلة في الشهر نفسه من العام الفائت.

وتقول المنظمة التابعة للأمم المتحدة إن الأسعار العالمية للقمح التي دفعت هذا التراجع هبطت بنسبة كبيرة بلغت 14.5 في المائة في يوليو/تموز، ويعزى السبب بجزء منه إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين أوكرانيا والاتحاد الروسي، ومع ذلك، فإن الأسعار الدولية للقمح لا تزال أعلى بنسبة 25 في المائة من قيمتها المسجلة في يوليو/تموز من العام الماضي.

وتؤدي أزمة المناخ وموجة الجفاف الحالية إلى تفاقم الوضع. حيث أدى الجفاف في المناطق الرئيسية المنتجة للمحاصيل الغذائية، مثل أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية، إلى تراجع إنتاج الحبوب وارتفاع أسعار السلع الغذائية.

الطقس الجاف هو تنبيه بأن الإمدادات الغذائية مهددة، سواء استمرت الحرب أو توقفت. هذا الأسبوع، سجل تقرير وزارة الزراعة الأميركية عن تجارة الحبوب حول العالم تراجع إنتاج القمح في رومانيا بنسبة 18 بالمئة، وهي بديل لواردات القمح لمصر، أكبر مستورد للقمح في العالم. وكذلك توقع التقرير تراجع الإنتاج في فرنسا بنسبة 8 بالمئة، وهي مورد رئيس للجزائر خامس أكبر مستورد للقمح في العالم.

تُظهر صور المناخ الملتقطة بالأقمار الصناعية صعوبة تغطية دول المنطقة العربية أي فجوة غذائية بأنفسها في هذا العام على الأقل. وتشير صور غطاء المحاصيل في المغرب، إلى موسم قمح كارثي، مع إنتاج أقل بكثير مما كان عليه في السنوات الأخيرة بسبب الجفاف الذي بدأ هناك في نهاية عام 2021 واستمر حتى أوائل هذا العام.

وفقا لبرنامج الأغذية العالمي، زاد مؤشر الجوع العالمي بشكل كبير من 135 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2019، إلى 345 مليونا في عام 2022. منهم نحو 50 مليون شخص في 45 دولة يعانون مجاعة حقيقية.

قد يهمك: الاحتجاجات تدخل مدن إيرانية كبرى

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.