لا يزال ملف السجون في العراق من أكثر القضايا حساسية، لاسيما في ظل عدم تحرك حكومي جدي لوضع حد لمعاناة آلاف المعتقلين، يؤكد عمر الجبوري أن أغلبهم حكم عليهم بشكل غير عادل.

الجبوري صاحب الـ٣١ عاما، يقول في حديث لموقع “الحل نت”، إن في صيف عام 2009 لم أكن أتوقع أبدا، أن أصل عقدي الثالث وأنا معتقل على خلفية اتهام باطل، وحينها كنت في الـ 18 من عمري.

لم يمضي سوى أشهر قليلة على خروج عمر أحد سكان محافظة ديالى من معتقله الذي قضى فيه 15 عاما، على إثر اتهامات كيدية، وهو واحد من آلاف الشباب الذين قضوا سنوات طويلة من أعمارهم تحت التعذيب والتنكيل، لسيت لسبب سوى أنهم ضحية صراعات سياسية، يشير الجبوري.

ويضيف أن “المعتقلات في العراق عبارة عن مصادر تمويل اقتصادية لفئات كثيرة، لما تتوفر فيها من مجالات يمكنهم من خلالها الاستثمار فيها بعيدا عن الأنظار”، مبينا أنه إضافة إلى “الفساد في ملف طعام المعتقلين والخدما، وترمين السجون وغيرها من الاحتياجات اللوجستية، فأن ذوي المعتقلين مصدر آخر للتمويل”.

ويشير إلى أن “القوات العاملة على حماية وتأمين السجون وإدارتها، تختلق وسائل غير مسبوقة للسرقة والابتزاز، منها فيما يحتاجه المعتقل والذي يضطر إلى دفع أموال كثيرة على حصوله، إضافة إلى التعمد في تأخير تقديم ملفات المعتقلين إلى القضاء ما يدفع بذويهم لدفع الرشاوى لغرض تعجيل حسمها”.

اقرأ/ي أيضا: “ملايين العراقيين بلا سكن”.. أزمة متفاقمة وعجز حكومي

شرطي ومعتقل بتهمة اسمه

الجبوري وهو شرطي سابق في صفوف وزارة الداخلية العراقية، كان قد اعتقل صدفة لمخالفته تعليمات قوات التحالف الدولي حينها، والتي كانت تمنع حمل العناصر الأمنية القنابل اليدوية، غيره أن عدم التزامه أدى به إلى السجن في وقت كانت الطائفية تستعر في البلاد.

في أثناء خروجه من المنزل على دراجته، يقول عمر: “تفاجأت بدوريات لقوات التحالف في الشارع المجاور لبيتنا، حينها كانوا في واجب أمني. استوقفوني واكتشفوا إني أحمل قنبلة يدوية، واعتقلت على إثرها، ومع كوني شرطي كنت أعتقد أن القضية لن تستغرق أكثر من ساعات، دون أن أحسب أي حساب لأسمي الذي سأحكم بسببه 15 عاما”.

بعد “اعتقالي سلمتني قوات التحالف فورا إلى الجهات الأمنية العراقية، لكن في ذلك الوقت كانت سياسية رئيس الوزراء حينها نوري المالكي الطائفية تنعكس على سلوك الجهات الأمنية، فضلا عنما كانت البلاد تشهده من اقتتال طائفي بين السنة والشيعة”، مستدركا: “ولكون اسمي عمر، عمد ضابط التحقيق إلى اتهامي في الإرهاب”.

وتابع أن “إصرار ضابط التحقيق، ومع ما تعرضت إليه من تعذيب ربما لن يفارق ذاكرتي طيلة حياتي، أجبرت على تقديم اعترافات كاذبة، وعلى إثرها تم ترحيلي إلى سجن التاجي في العاصمة بغداد، وهناك كانت أيضا لدي فرصة لإثبات براءتي، لكن اسمي كان العائق، إذ أصر ضباط التحقيق والقاضي على حكمي بشكل غير عادل، بدليل اثبتت براءتي بعد كل تلك السنين”.

وأردف: “كنا نعيش ظروف مأساوية، نحرم من الطعام ونعامل بطريقة مهينة، ويتم تعمد زجنا مع المجرمين من أصحاب السوابق، كما يتم استغلال ذوينا لغرض الحصول على المال منهم”، مشيرا إلى أنه “إذا كنت معتقل وحاول ذويك ادخال لك شيء معين فهذا يتطلب صفقة كبيرة مع السجان حتى تتمكن من ذلك”.

اقرأ/ي أيضا: “انتهينا مشردين”.. معاناة مستمرة بكردستان العراق في ظل القصف التركي

التحرش الجنسي داخل السجون العراقية

هذا كله بعيدا عن “الابتزاز والتحرش الجنسي بزوجات المعتقل وأخواتهم سواء في أيام المقابلات أو من خلال مقايضتهم على تسهيل ملفات أبناءهم، وهذا ليس خفي على الجميع”، مؤكدا “تقديم شكاوى عديدة لدى منظمات وجهات رقابية لكنها لم تنجح في وضع حد لذلك”.

الجبوري أكد لموقع “الحل نت”، أن “السجون عبارة عن مقابر صممت للقضاء على المعتقلين لا تقويمهم، إذ تنتشر الأمراض بشكل كبير داخلها، وتمارس أبشع الانتهاكات الإنسانية بحق المعتقلين في سلوك ممنهج يتعمد من خلاله تجريد المعتقل من أي شعور”.

تأكيدا على ذلك، تقول والدة عمر، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، أن القائمين على السجون تحولوا إلى أثرياء بشكل لا يصدق من خلال من يحصلون عليه من ذوي المعتقلين، لافتة إلى أن، “زيارة أبنها في موعد خاص بعيدا عن أيام الزيارة المحددة كان يتطلب تقديم 1000 دولار، قبل أن يتم تخفضه إلى 300 بمرور الوقت”.

كما أشارت إلى أن “تكاليف إدخال وجبة طعام خاصة لولدها كانت تتطلب إطعام كل السجانين، إضافة إلى دفع بطاقات شحن لخطوط هواتف بواب قاعة السجن”، مؤكدة أنها “اضطرت إلى دفع أكثر من 100 دولار، خلال فترة اعتقال ابنها”.

وبمرور الوقت، اتسعت مساحة عمليات التعذيب في السجون العراقية. وازداد تنفيذ هذا النوع من الانتهاكات في حقبة “المخبر السري” التي طبقتها حكومة نوري المالكي بين عامي 2006 و2014. 

السجون العراقية والمخبر السري

لم تتوقف انتهاكات “المخبر السري” إلا بعد إصدار مجلس الوزراء في عام 2013 لقرارٍ أنهى فيه تطبيق مثل هذا النوع من الممارسات. ويكمُن أحد أسباب تفاقم هذه العمليات في دمج وزارة العدل لمئات الأشخاص غير المؤهلين من الميليشيات المسلحة ضمن صفوف ضباط وموظفي وزارة الداخلية. وجاء ذلك في إطار خططٍ سبقت اجتياح تنظيم “الدولة الإسلامية” لمدن العراق عام 2014.

وبحسب منظمات حقوقية، فأن السجون العراقية تعاني من الاكتظاظ وقلة موارد الحياة الأساسية وضعف الإمدادات الطبية، ما أدى ذلك إلى إصابة آلاف من النزلاء بأمراض مثل الجرب والحساسية والطفح الجلدي وغيرها، ويعزا سبب ذلك إلى ما لعبته الطائفية من دور رئيسي في الأزمة العراقية في مرحلة ما بعد 2003، إذ وصل التمييز الطائفي إلى جميع مناحي الحياة تقريبا، وبطبيعة الحال، فقد كان للسجون نصيب من هذا التمييز.

بلغ عدد المحكومين والموقوفين في مقرات الاحتجاز وسجون دوائر الإصلاح العراقية التابعة لوزارة العدل والداخلية حتى 23 مايو/أيار 2021، نحو 73715 سجينا وموقوفاً، منهم 51776 محكوما، وفق آخر احصائية قدمها عضو المفوضية علي البياتي لموقع “العربي الجديد”.

وتتلقى المفوضية حوالى 15 ألف شكوى من منظمات وأهالي السجناء سنوياً، تتعلق برداءة الطعام وسوء المعاملة والتعذيب، وفق تأكيد البياتي. كما وثقت المفوضية، عبر تقييم واقع طعام السجون في تقاريرها السنوية للأعوام (2018 و2019 و2020)، تراجعا واضحا على مستوى توفير طعام النزلاء والموقوفين والمودعين، بالإضافة إلى سوئه.

وفي تموز/يوليو الماضي، وثق مرصد “أفاد” الحقوقي، وفاة العشرات من المعتقلين داخل السجون العراقية، جراء عمليات التعذيب، وتفاقهم حالاتهم الصحية وسط إهمال حكومي.

اقرأ/ي أيضا: “الأسواق تحولت لمقابر”.. الركود يعصف بالعراق في ظل غياب الموازنة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.