صحيح أن القصف الإيراني الأخير لكردستان العراق، ليس الأول من نوعه، لكن هذا الانتهاك هو الأعنف منذ عقود طويلة؛ إذ أسفر عن سقوط 71 مدنيا بين قتيل وجريح، منهم أطفال.

القصف، تبناه “الحرس الثوري” الإيراني، لا بل أن الإعلام الإيراني، ووكالة “تسنيم” بثت مقاطع فيديوية للحظات الأولى للانتهاك السافر لسيادة العراق وإقليم كردستان، فيما توعدت طهران باستمرار عملياتها العسكرية.

حدث القصف بـ 20 طائرة مسيّرة مفخّخة و6 صواريخ أرض-أرض، وطال أقضية سيدكان في السليمانية وكوية وكويسنجق في أربيل، ناهيك عن جبال كركوك، والهدف الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة لطهران، أبرزها “حدكا”.

ضحايا القصف كانوا من المدنيين العراقيين، بعضهم من أطفال كردستان العراق، نتيجة وقوع بعض الصواريخ على المدارس، وترفض طهران الاعتذار، فيما لم تتجاوز ردود بغداد وأربيل غير الاستنكار واستدعاء السفير الإيراني لدى العراق، لتسليمه مذكرة احتجاج “شديدة اللهجة”.

تكلفة الرد

إدانات دولية عديدة، أهمها من الأمم المتحدة وواشنطن، لكن السؤال لماذا لم ترد أربيل بحزم ولو حتى ببيان شجب قوي على القصف الإيراني؟ وهنا لابد من الإشارة إلى أن السليمانية حليفة طهران، ولذا ليس من المستغرب أن لا ترد.

بحسب الخبير الأمني والسياسي، هاوكار الجاف، فإن الرد يجب أن يكون من قبل الحكومة الاتحادية ببغداد؛ لأنها هي المعنية بشكل رسمي للرد على أي تجاوزات وانتهاكات تحصل لأراضي العراق وإقليم كردستان.

الجاف يقول لـ “الحل نت”، إن أربيل استنكرت القصف الإيراني، واستغربت استمراره ودعت لعدم تكراره، وذلك ما تملكه فقط؛ غيره ليس من مهمتها، ناهيك عن أنها تتعرض لضغوط قصوى من حلفاء طهران في العملية السياسية العراقية.

الحلفاء هم قوى “الإطار التنسيقي” الموالي لإيرلن، إذ تسعى بلغات تهديد غير مباشرة لتشكيل حكومة عراقية جديدة بالضغط على الكرد والسنة للاشتراك معهم من أجل المضي بتأليف الحكومة، وعدم تعطيل العملية، وفق الجاف.

الجاف يردف، أن أي رد قد يكلف أربيل باستهدافات أكبر ليست من طهران فقط، بل من “الإطار”، مثلما كان يستهدف أربيل في عديد من المرات، عندما كانت أربيل مع مشروع مقتدى الصدر لتشكيل حكومة أغلبية لا وجود لقوى “الإطار” فيها.

ويشير الخبير الأمني والسياسي الجاف، إلى أن الرد لا يُتوقع أن يكون أعلى من الاستنكار والشجب والأدانة واستدعاء السفير الإيراني من قبل بغداد وأربيل؛ لأن الكفة ليست بصالحهما للرد على طهران بأي وسيلة أخرى.

علاقة التبادل التجاري

من جهتهه، يرجع الباحث السياسي، وجدان عبد الرحمن، سبب عدم رد أربيل واكتفائها ببيان مقتضب لا يحمل لهجة حادة إزاء القصف الإيراني، إلى أن طهران تعد هي وأنقرة الشريان الاقتصادي لأربيل.

عبد الرحمن يبين لـ “الحل نت”، أن أربيل ورغم القصف عليها تحاول عدم الاصطدام مع إيران؛ كي لا تفقد تبادلها التجاري مع طهران، ولذلك تلجأ إلى استخدام الحكومة الاتحادية في بغداد للدفاع عن نفسها.

وعلى غير العادة، لم تصدر الحكومة العراقية بشخص رئيسها، مصطفى الكاظمي، ولا رئيس الجمهورية، برهم صالح، أي ردود رسمية عبر بيانات أو ما شابه تندّد بالقصف الذي شنّه “الحرس الثوري”، والانتهاك الواضح لسيادة العراق.

أما عن سبب القصف الإيراني، فيرى عبد الرحمن ومعه الجاف، بأن طهران تريد تغيير البوصلة من الاحتجاجات الشعبية الكبيرة في الداخل الإيراني عبر استهداف الأحزاب المعارضة لها، خصوصا وأنها تنظر للأحزاب الكردية بأنها وراء الاحتجاجات الأخيرة.

وتشهد إيران منذ نحو أسبوعين، احتجاجات شعبية كبيرة، على خلفية مقتل الشابة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، بعد تعرضها للتعذيب على يد “شرطة الأخلاق” في طهران، بحجّة عدم ارتداء الحجاب بشكل سليم.

تكرار القصف؟

عبد الرحمن يقول، إن إسلوب طهران معروف وليس بجديد، وهو اللجوء لاستهداف الأحزاب الكردية المعارضة مع كل حدث يهدّد وجود “النظام الإيراني”، وهو ذات الأسلوب تستخدمه أنقرة، عبر استهدافها لـ “حزب العمال الكردستاني”، كلما تعرض نظام حكمها للتهديد.

ويلفت عبد الرحمن، إلى أن الأحزاب الكردية الإيرانية لديها التأثير بشكل كبير على جمهورها الكردي في الداخل الإيراني، وعندما تطلب منه التظاهر أو الاحتجاج فإنه يستجيب لها، وذلك ما يُقلق طهران لذلك تلجأ لاستهداف الأحزاب المعارضة الكردية.

تنتشر الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة في المناطق الحدودية التابعة لإقليم كردستان المحاذية لإيران، وخصوصا في الجبال، نتيجة مطاردتها من قبل طهران، واعتبارها لها بكونها “تنظيمات إرهابية”.

ويختتم عبد الرحمن، أن القصف الإيراني لن يكون الأخير، بل سيستمر ويتكرر كثيرا؛ طالما أن طهران متغلغلة في القرار السياسي العراق، وطالما لديها ميليشيات وأحزاب سياسية تتبع لها في بغداد.

يجدر بالذكر، أن الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، وكرد إيران، هم وحدهم من قالوا “لا” للدستور الإيراني عام 1979، ورفضوا التصويت عليه، ومنذ ذلك اعتبرت طهران أن الكرد يعادونها، وبدأت باستهداف الأحزاب الكردية الإيرانية في حدود إقليم كردستان منذ الثمانينيات وإلى اليوم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.