المخزون الذهبي هو واحدا من أهم الملاذات الآمنة للبنوك المركزية والمستثمرين حول العالم، ويكتسب قيمته من ندرته، حيث بقي محافظا على كونه أهم الاحتياطات للثروات، لا سيما في ظل فقدان العملة الورقية قيمتها وارتفاع معدلات التضخم حول العالم.

العودة لتخزين الذهب

مع تفاقم الأزمة الاقتصادية حول العالم، عادت البنوك المركزية للدول، لتبني توجه تخزين الذهب، لحفظ احتياطاتها، لا سيما بعدما بدأ الحديث عن ركود اقتصادي محتمل خلال الفترة المقبلة، بسبب رفع أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة على العملة الورقية في مختلف الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة.

خلال العامين الماضيين، زاد طلب البنوك المركزية في العالم على الذهب بسبب تبعات فيروس كورونا، كما ارتفعت مرة أخرى خلال الأشهر الماضية، منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، وما تبعه من عواقب اقتصادية سلبية على مختلف الأصعدة.

فخلال العام الماضي فقط، اشترت البنوك المركزية حول العالم، 12 بالمئة، من إجمالي إنتاج الذهب العالمي، بزيادة 50 بالمئة عما اشترته البنوك، عام 2020، حيث شهد خط الطلب للبنوك المركزي ارتفاعا خلال السنوات العشر الماضية، بلغت ذروته خلال الأشهر الماضية.

اقرأ أيضا: اتفاق ترسيم الحدود.. ما هي مكاسب لبنان وإسرائيل؟

تقرير لمركز “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة“، يشير إلى أن البنوك المركزية، تحولت منذ عام 2010، إلى مشترينَ صافيينَ للذهب، بعد أن كانت بائعة له، إذ تؤكد تقديرات شركة “بنكر جروب” السنغافورية، إلى أن العديد من البنوك المركزية العالمية أقبلت على شراء الذهب حتى في فترات ذروة أسعاره، مثلما كان عليه الوضع في عام 2010، عندما اشترت العديد من البنوك المركزية الذهب بكثافة في هذا العام، وعند مستويات سعرية مرتفعة للغاية.

ارتفاع وتيرة الطلب

ظاهرة إقبال البنوك على شراء الذهب بقوة، شهدت قفزة خلال الفترة الممتدة من عام 2015 ونهاية 2016، وذلك عندما كان العالم على أعتاب أزمة اقتصادية حينها، بسبب الديون المتراكمة بالعملة الدولارية الورقية، ما دفع بالبنوك المركزية إلى الإسراع لضمان احتياطياتها عبر استقدام ما يمكن شراؤه من المعدن الأصفر.

كذلك ساهم انخفاض أسعار النفط في توجه العديد من البنوك المركزية، التي تعتمد دولها على النفط كمدخول أساسي إلى شراء الذهب، كروسيا مثلا التي توجه فيها البنك المركزي إلى شراء كميات ضخمة من الذهب خلال 2015، وأصبح أكبر مشتر للمعدن الثمين بين البنوك المركزية في العالم وقتها، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي.

وبحسب سلسلة تقارير (تابعها الحل نت) لصحف عديدة بينها “الشرق الأوسط“، فإن البنك الروسي اشترى مطلع عام 2016، أيضا 22 طنا من الذهب، تُقدر قيمتها بنحو 800 مليون دولار. ووفقا لبيانات المركزي الروسي.

ما يوضح كذلك اتجاهات طلب البنوك المركزي على الذهب مؤخرا، بحسب تقرير “المستقبل“، البيانات التي تؤكد ارتفاع طلب البنوك المركزية على المعدن الأصفر، بنسبة تصل إلى نحو 85 بالمئة، خلال العام الماضي، حيث وصل إجمالي الطلب إلى 463.1 طن، وفقا لبيانات مجلس الذهب العالمي، وذلك مقارنة بـ 255 طن خلال 2020.

اشتداد وتيرة الأزمة الاقتصادية منذ مطلع عام 2020، ساهم إلى حد كبير في تغيير نسب احتياطات بعض الدول من الذهب، كذلك فقد كان لبعض البنوك المركزية في الدول العربية نصيب من الذهب العالمي، فقد أكد تقرير لمجلس الذهب أن الإمارات اشترت 23.9 طن من المعدن النفيس خلال 2020.

وبهذه العملية تصدرت الإمارات الدول العربية بشراء الذهب في 2020، وهو عام شهد إقبالا كبيرا على الأصفر الرنان بصفته ملاذا آمنا في أوقات الأزمات، وأصبح الذهب يشكّل 2.7 من إجمالي احتياطات الإمارات، في حين يشكل الذهب في بعض الدول ما نسبته أعلى من ذلك بكثير، حيث يتجاوز 25 بالمئة من إجمالي احتياطات روسيا والصين، من الذهب وما يتجاوز 60 بالمئة في الولايات المتحدة الأميركية ومعظم الدول الأوروبية.

تأثير الحرب في أوكرانيا

منذ مطلع العام الجاري، استمرت وتيرة الإقبال على الذهب من قِبل البنوك المركزية حول العالم، وزادت هذه الحدة مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، في شباط/فبراير الماضي، بسبب مخاوف من حدوث أزمات اقتصادية غير محسوبة.

وكان البنك المركزي المصري، أكبر مشتر للذهب في الربع الأول من العام الجاري، إذ أشار تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي إلى أن البنك المركزي المصري، اشترى 44 طنا من الذهب، ليرتفع إجمالي ما يملكه بنسبة 54 بالمئة ويصل إلى 125 طنا، وهو بذلك يعادل 17 من إجمالي الاحتياطيات المصرية، كما أنها النسبة الأعلى بين دول المنطقة.

أما صافي مشتريات البنوك المركزية حول العام، فقد بلغ خلال النصف الأول من العام الجاري، 270 طنا، فيما يُعد البنك المركزي الهندي أكبر مشتر للمعدن الأصفر خلال الفترة ذاتها، وهو الذي أضاف 13 طنا من الذهب خلال شهر تموز/يوليو فقط، وبلغ إجمالي احتياطيات الذهب لديه نحو 469 طنا، وهو أعلى مستوى في عامين.

قد يهمك: مشاكل تهدد العلاقات الأميركية السعودية؟

عمليات الشراء هذه من قِبل البنوك المركزية، استمرت على الرغم، من ارتفاع سعر الذهب بنسبة 24 بالمئة هذا العام، والزيادات الأخرى المتوقعة في السعر يمكن أن تضيف المزيد من البنوك المركزية إلى قائمة المشترين، حيث تلجأ البنوك المركزية لشراء الذهب حاليا لتنويع احتياطياتها، بحسب تقرير سابق لموقع “نون بوست“.

حركة الشراء هذه قابلتها حركة بيع من بعض الدول، فمثلا تصدرت تركيا هذا العام قائمة بائعي الذهب، بعد وصول مبيعاتها إلى نحو 1.2 مليون أوقية، ما يمثل زهاء 7 بالمئة، من مجمل احتياطياتها من الذهب، فيما تحتسب أنقرة احتياطيات البنوك التجارية من الذهب جزءا من احتياطياتها الوطنية.

كذلك كندا، المُدرجة في قائمة الدول الـ 10 الأكثر إنتاجا للذهب في العالم، باعت جميع ما لديها من المعدن الأصفر، ولم تُبقِ إلا على كمية قليلة جدا تبلغ 100 أوقية فقط لا غير.

https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/7682

وفي تعليق على الأسباب من وراء خطوة بيع بلاده ما لديها من احتياطات بقيمة 24 مليار دولار، قال المتحدث باسم وزارة المالية الكندي ديفيد بارنابي، في فبراير الماضي “الحكومة لديها سياسة طويلة الأمد لتنويع مدخرات حقيبتها الاستثمارية من خلال بيع السلع المادية كالذهب، بلادنا تتجه إلى الاستثمار في الأصول المالية ذات الطلب الكبير عليها“.

عملية بيع كندا لجميع مخزونها من الذهب، هي الأولى من نوعها، منذ عام 1935، لتكون بذلك الدولة الأولى والوحيدة في “مجموعة العشرين” التي تتخلى عن جميع احتياطياتها من الذهب.

ومع اشتداد وتيرة الأزمة الاقتصادية، واحتمالية وقوع حروب بين عدة دول، فضلا عن ارتفاع اسعار النفط، وزيادة أزمة حدوث ركود اقتصادي وارتفاع نسبة الديون بالعملة الورقية، يبدو أن الطلب على الذهب سيرتفع خلال الأشهر المقبلة من قِبل البنوك المركزية للدول بشكل رئيسي، وذلك لضمان قيمة احتياطياتها من الثروات، وخوفا من انهيار محتمل لبعض العملات الورقية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.