تواصل الحكومة اللبنانية الضغط من أجل إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ذلك على الرغم من التحذيرات الدولية من خطورة هذه الخطوات، لا سيما وأن جميع الخطط اللبنانية لم تضمن حتى الآن عودة طوعية وآمنة للسوريين إلى بلادهم.

خرق لمبادئ الإنسانية

جميع الخطط اللبنانية التي تم طرحها سابقا، من منطقة آمنة وغيرها، وصفها حقوقيون بأنها خرق لجميع مبادئ حقوق الإنسان، لتعلن اليوم بيروت عن آلية جديدة لتنفيذ مخططاتها بشأن السوريين، فما سرّ توقيت هذا الإعلان وقانونيته، ومن يدعم بيروت في ملف عودة السوريين.

الرئيس اللبناني ميشال عون، أعلن الأربعاء الفائت، أن عملية إعادة اللاجئين السوريين على دفعات إلى بلادهم، ستبدأ الأسبوع المقبل، رابطا تنفيذ هذه الإجراءات بإنهاء ملف اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.

وقال عون في تصريحات نقلتها وسائل إعلام لبنانية، إن الأسبوع المقبل هو بداية تنفيذ خطة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم على دفعات، “الأمر الذي يُعتبر قضية مهمة بالنسبة إلينا“، على حد تعبيره.

تصريحات عون، لم توضح تفاصيل حول آلية عودة السوريين إلى بلادهم، وسط ضبابية المشد فيما يخص هذا الملف، هذا بالتوازي مع تحذيرات المنظمات الحقوقية، من المخاطر الناجمة عن “إجبار الأشخاص على العودة إلى بلدان يواجهون فيها خطرا واضحا بالتعرض للتعذيب أو باقي أنواع الاضطهاد“.

الصحفي والمدير التنفيذي لمركز “وصول” لحقوق الإنسان محمد حسن، يرى إلى أن خطة لبنان بشأن عودة اللاجئين السوريين، تتبناها لبنان رسميا، استنادا إلى أهداف سياسية تتبناها عدة أطراف داعمة لدمشق، مشيرا إلى أن الخطة لا تستند إلى مبادئ قانونية واضحة.

حسن قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “الخطة التي تبناها لبنان رسميا ناتجة عن أهداف سياسية من عدة أطراف داعمة لرواية النظام السوري بشأن عودة الأمن والاستقرار في سوريا، وهي بالتالي مناهضة لوجود اللاجئين السوريين في لبنان منذ زمن. ملف اللاجئين على رأس أولويات الحكومة اللبنانية، كونه الملف الثاني الذي يحظى باهتمام المجتمع الدولي بما يخص لبنان بعد ملف ترسيم الحدود البحرية“.

حول قانونية تصريحات الجانب اللبناني والخطط، التي تتحدث عن إعادة السوريين، يضيف حسن، “تحيط عملية العودة الطوعية عدة شروط كي تكون سليمة من الناحية القانونية، وهي أن تكون آمنة ودائمة من منظور اللاجئين العائدين إلى مناطقهم الأصلية في سوريا، ولذلك، نرى بأن خطة الحكومة اللبنانية سابقة لأوانها، ولا تستند إلى مبادئ قانونية واضحة“.

سوريا غير آمنة

لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، أكدت في تقريرها الأخير، أن سوريا دولة ما تزال غير آمنة لعودة اللاجئين، وبالتالي، فإن الظروف الحالية في سوريا ليست مواتية للعودة الطوعية بأمان، حيث لا تزال البلاد تعيش حالة أمنية معقدة، وتواجه خطر العمليات العسكرية والاعتقالات التعسفية، مع غياب الاستقرار الأمني كأحد المرتكزات المهمة والممكِنة للعودة الآمنة للاجئين والنازحين، في حين أن الخطة الحكومية اللبنانية لإعادة اللاجئين السوريين تأتي بشكل منفرد، لم يتم التنسيق أو التعاون أو التخطيط، مع أي جهة دولية أو أممية.

حسن يعتقد، أن هناك “توافق إقليمي غير رسمي لإنهاء أزمة اللجوء السوري، تزامنا مع رغبة أردنية مماثلة لعودة السوريين إلى بلادهم، إضافة إلى إعلان تركيا عن خطة حكومية لإعادة مليون لاجئ سوري، والتي تأتي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية، التي تستعمل ملف اللجوء السوري كورقة ضاغطة داخل تركيا وخارجها، وتحديدًا على الاتحاد الأوروبي“.

قد يهمك: مشاكل تهدد العلاقات الأميركية السعودية؟

وخلال الأشهر الماضية، صرّح العديد من المسؤولين الحكوميين في لبنان، عن خطط إعادة السوريين إلى لبنان، كما وجه رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الشهر الفائت، قال فيها إن “ما يواجهه لبنان يقتضي مقاربة مختلفة في التعاطي مع أزمة النزوح السوري قبل أن تتفاقم بشكل يخرج عن السيطرة“، حسب تعبيره.

بلغ عدد العائلات التي سجلت أسمائها للعودة في القافلة الأولى لدى وزارة المهاجرين 483 عائلة، أي ما بين 1500 و1800 شخصا، وقد تم تسجيل 235 سيارة كذلك“، بحسب ما أكده وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال، عصام شرف الدين.

بدوره قال المدير العام للأمن العام اللواء ابراهيم، في تصريحات نقلها موقع “الحرة” حول خطة إعادة السوريين، “نحن لم ولن ننتظر ضوءا أخضرا من أحد لاستئناف قوافل العودة، ولا أحد سمح لنا من قبل ولا سأل. وإن كان هناك من تغيير في الموقف الأوروبي من موضوع العودة، فذلك يعود الى ما تركته قوافل الهجرة غير الشرعية التي تطرق أبوابهم، وأن هذا الأمر قد يُغيّر في المقاربة الدولية لهذا الملف، فنحن في لحظة سياسية مؤاتيه للعمل على إعادة هؤلاء إلى بلادهم“.

وبحسب المنسقة القانونية لوزارة المهجرين في عرسال، رنا رمضان، فإن قوافل العودة ستتوجه إلى قرى ومدن القلمون الغربي وهي مدينتي يبرود وقارة، وقرى جراجير والمشرفة (فليطة) ورأس العين ورأس المعرة والسحل والصرخة، حيث تهدف بيروت إلى إعادة 15 ألف لاجئ شهريا.

خطة لبنان والقانون الدولي

تقرير سابق لـ“الحل نت“، أوضح أن الخطة اللبنانية تخالف القانون الدولي واتفاقيات اللجوء، إذ تحاول الالتفاف على اتفاقية اللجوء من خلال الادعاء أن سوريا باتت آمنة لعودة اللاجئين، حيث تم اعتماد مذكرة صادرة عن مفوضية شؤون اللاجئين تنص على أنه، “يحق للدول بموجب القانون الدولي طرد الأشخاص الذين يتبين أنهم ليسوا بحاجة إلى حماية دولية، وأنه من واجب بلدان الأصل أن تسترد مواطنيها، وينبغي أن تتم العودة بطريقة إنسانية مع احترام كامل لحقوق الإنسان وكرامته“.

كما أن ما تقوم به الحكومة اللبنانية، يخالف مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي نصت عليه اتفاقية مناهضة التعذيب، والتي يعتبر لبنان طرفا فيها، وتنص في مادتها الثالثة على أنه ” لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده أو تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توفرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب“.

الخطة اللبنانية بحسب ما نشرت تقارير صحفية اطلع عليها موقع “الحل نت” وتابعها مع مراقبين لبنانيين وسوريين، تقضي بإعادة الـ 15 ألف لاجئ بشكل شهري إلى سوريا، حيث تتولاهم حكومة دمشق وتقيم لهم مراكز إيواء خاصة بما يمكن تسميته “منطقة آمنة لبنانية” تعيد العلاقات السياسية والدبلوماسية بين بيروت ودمشق، رغم أن العديد من السوريين في لبنان غادروا بلادهم بسبب الأعمال العسكرية التي رعاها “حزب الله” اللبناني، بتوجيه ودعم من “الحرس الثوري” الإيراني، ولعل المناطق الحدودية السورية مع لبنان لا سيما تلك التابعة لمحافظة حمص، خير دليل على أبرز أسباب لجوء السوريين إلى لبنان.

تأثير الوضع الاقتصادي

الصحفي اللبناني ربيع دمج، رأى أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في لبنان، ألقت بظلالها على ملف اللاجئين السوريين، لا سيما بعد أن أوقفت العديد من الدول الأجنبية والخليجية، دعمها الخاص باللاجئين.

دمج قال في حديث سابق لـ“الحل نت“: “اليوم 80 بالمئة من اللبنانيين يعانون من الفقر، وهذا رقم كبير، لبنان مليء بالأزمات الاقتصادية والمعيشية، سابقا كان التيار الوطني الحر والأحزاب اليمينية المتطرفة ضد الوجود السوري بلبنان، ودعوا باستمرار لعودة اللاجئين إلى بلادهم لأسباب سياسية بحتة، لكن الآن علت الأصوات أكثر بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي يعيشها لبنان“.

ويؤكد دمج، أن قضية اللاجئين تحولت إلى ورقة، تستخدمها الأحزاب في الانتخابات النيابية، ويضيف: “الأشخاص المرشحين يستخدمون هذه الورقة، ويتحدثون بالتالي عن قضية اللاجئين السوريين وضرورة إيجاد حل، لكن لا أعتقد أنه يمكن لهم إيجاد حل عملي“.

دمج يعتقد أن مشكلة لبنان لن تُحل بعودة اللاجئين إلى بلادهم، وحول ذلك يقول، “طبعا هلأ الترند الجذاب لأي مرشح أو حكومة هو اللاجئين السوريين، وأعتقد أن عودة اللاجئين السوريين لن تحل مشكلة الاقتصاد، يوجد فساد ومال منهوب، المشكلة ليست باللاجئ السوري، هي لعبة من المرشحين، حتى لو راحو السوريين لن يتغير شيء في لبنان، هناك القضاء وملف مرفأ بيروت وغيرها من الملفات“.

يمر لبنان بالعام الثالث من الانهيار المالي الناجم عن عقود من الفساد والسياسات السيئة التي أدت إلى انهيار قيمة العملة بأكثر من 90 بالمئة، وأبعدت البنوك معظم المدخرين عن حسابات العملات الصعبة. وقدرت مسودة خطة الإنقاذ المالي الحكومية في وقت سابق من هذا العام وجود فجوة بحوالي 70 مليار دولار في القطاع المالي.

وأعلن نائب رئيس مجلس الوزراء في الحكومة اللبنانية، مطلع شهر نيسان/أبريل الجاري، علنا وبشكل لا لبس فيه، إفلاس الدولة ومصرف لبنان المركزي، وقال إن الخسائر ستوزع على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين.

السوريون وخطر العودة

يعاني معظم السوريين في لبنان، من تصاعد وتيرة الخطاب العنصري مؤخرا، في وقت وثّقت فيه وسائل إعلام حوادث عديدة ضد اللاجئين حملت طابعا عنصريا.

حسب تقرير صادر عن “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين“، و“برنامج الأغذية العالمي” و“منظمة الأمم المتحدة للطفولة” (يونيسف)، في أيلول/ سبتمبر الماضي، فإن اللاجئين في لبنان “باتوا عاجزين عن توفير الحد الأدنى من الإنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة“.

كما يخشون من مطالب سياسيين لبنانيين، بإعادتهم إلى سوريا رغم صدور تقارير دولية بتعرض عائدين منهم إلى الاعتقال.

وكانت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، قالت في تقرير لها في أيلول الماضي، إن لاجئين سوريين تعرضوا للاعتقال والاختفاء القسري، على يد السلطات السورية، لدى عودتهم إلى وطنهم.

ورصدت المنظمة في التقرير 66 حالة للاجئين عائدين إلى سوريا، تعرضوا فيها للاعتقال والتعذيب، على يد قوات الأمن، بينهم 13 طفلاً، فيما لا يزال 17 منهم مختفين للآن وقُتل 5 منهم تحت التعذيب.

حتى اللحظة لم توضح الحكومة اللبنانية، تفاصيل خطة عودة اللاجئين، وفيما إذا كانت العودة ستكون طوعية فعلا وبإرادة السوريين، ما يثير بعض المخاوف من احتمالية أن تلجأ حكومة لبنان إلى القوة لإعادة السوريين عبر ترحيلهم قسرا، ما قد يعرّضهم للعديد من المخاطر.

اقرأ أيضا: اتفاق ترسيم الحدود.. ما هي مكاسب لبنان وإسرائيل؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.