“نتيجة الأعطال المتكررة في المستشفى الوطني بمحافظة درعا، قررت أن آخذ والدتي معي إلى العاصمة دمشق، حيث أقيم هناك مع زميلاتي في الجامعة. وبقاء والدتي معي في دمشق حتى إتمام الرحلة العلاجية أفضل من درعا، حيث إن فقدان مستلزمات مرضى الكلى أمر متكرر، وهذا يضر بصحة والدتي ويكلف أيضا تكاليف باهظة، وليس لدينا القدرة المالية على دفع مبالغ كبيرة”، هكذا تشرح فاطمة الأحمد حالتها هي ووالدتها مع الأعطال المتكررة في مستشفيات الحكومة السورية، بالإضافة إلى النقص الدوري في الإمدادات لمرضى غسيل الكلى.

القطاع الطبي في سوريا يتعرض بين الحين والآخر لعدة معوّقات، أبرزها نقص الكوادر الطبية من أطباء وممرضين إلى جانب قلة المستلزمات الطبية، وارتفاع تسعيرة الكشفيات الطبية التي يدفعها المواطن السوري، بالإضافة إلى انقطاع بعض أنواع الأدوية وارتفاع أسعارها بدرجات متفاوتة. ولعل من بين المتضررين بهذه المعوّقات والأزمات هم مرضى الكلى، فقد انقطعت بعض مستلزمات غسيل الكلى في العديد من المستشفيات بالمحافظات السورية، مؤخرا، الأمر الذي يفرض عليهم أعباء مالية باهظة، وبالتالي يضطر المريض إلى دفع قرابة نصف مليون ليرة سورية شهريا لحين انتهاء جلساته.

معاناة المشافي الحكومية

عدد من مرضى غسيل الكلية في مستشفى محافظة حماة الوطني اشتكوا من تعطل بعض الأجهزة، بالإضافة لنقص مواد لازمة لعملها، لا سيما مادة بيكربونات الصوديوم التي توقف الإمداد بها منذ 4 أيام وهي تكلف 25 ألف ليرة سورية لجلسة غسيل واحدة، وهو ما لا يقدر على دفعه كثير من المرضى في الظروف المعيشية الصعبة، وفق تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، اليوم الخميس.

بعض المرضى أشاروا إلى أن هناك أجور نقل باهظة يتكبّدها الذين يريدون غسيل الكلية من أرياف حماة، وهناك من يضطرون لغسيل الكلية مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيا.

فاطمة الأحمد (27 عاما)، طالبة ماجستير في جامعة دمشق، من محافظة درعا لكنها تقيم في دمشق، تسرد لـ “الحل نت”، معاناة عائلتها بسبب الأعطال ونقص الإمدادات في المستشفى الوطني في درعا. فتقول، “والدتي مريضة الكلى، وتحتاج لجلسات شهرية لغسيل الكلى، ومنذ حوالي عدة شهور إما كان يحصل أعطال أو نقص في المستلزمات لمرضى الكلى بالمشفى الوطني بدرعا، وهذا كان يكلفنا مبالغ كبيرة نتيجة اللجوء لشراء الأدوية من السوق أو أخذها إلى مشافي خاصة أو أخذها إلى العاصمة دمشق، بالإضافة إلى أن صحة والدتي كانت تتدهور نتيجة التأخير في تلقي العلاج”.

فاطمة، أردفت في حديثها “نسبة كبيرة من الأهالي بدرعا قدموا العشرات من الشكاوى والنداءات للجهات المعنية لإيجاد حلول لهذه الأعطال والنقص، إلا أن ذلك لم يستجيب، خاصة وأن المستلزمات كانت متوفرة في الصيدليات في الخارج ولكنه كان مفقود في المشافي الحكومية، أي أن القصة ربما كانت تسيس وتقاعس”.

قد يهمك: “لا مياه ساخنة ولا كهرباء”.. عن معاناة طلاب الدراسات العليا في سوريا

نقص في المستلزمات

في تصريح صحفي للموقع المحلي، لم ينفِ مدير عام مستشفى حماة الوطني الدكتور سليم خلوف، فقدان مادة بيكربونات الصوديوم اللازمة لغسيل الكلية، مشيرا إلى أن استجرار مواد الكلية مركزي من الوزارة وذلك حسب تعليمات رئاسة مجلس الوزراء في 2018، وقد تم إعلام الوزارة بظرف نقص المادة المذكورة.

حول أجهزة غسيل الكلية العاملة أو المعطلة، أشار رئيس المكتب الهندسي في مستشفى حماة الوطني عبد الكريم جرجنازي، إلى أن هناك 14 جهاز غسيل كلية يعمل أمام ضغط كبير من المرضى المراجعين يتراوح عددهم بين 70 و80 مريضا بشكل يومي، بالمقابل هناك 8 أجهزة معطلة يتم صيانة 6 أجهزة منها وهي تكلف نفقات كبيرة جدا، على حد وصفه.

مجد إبراهيم (اسم مستعار)، يعمل طبيب في أحد مشافي دمشق، يعلّق حول موضوع نقص المستلزمات في المشافي الوطنية، وخاصة في محافظات مثل حماة ودرعا والسويداء وغيرهم، فيقول “نظرا لأن تكاليف المستلزمات كبيرة، بالإضافة إلى وجود شحّ في قطاع الأدوية بعموم سوريا، لم تعد تزود وزارة الصحة السورية المشافي الوطنية بالكميات السابقة من الأدوية والمستلزمات”.

الدكتور مجد، أشار إلى أن الوضع في العاصمة دمشق أفضل للمرضى، وصحيح أن النقص يحدث في مستشفيات العاصمة أحيانا، لكن يتم علاجه في وقت قصير، بالنظر إلى وجود عدة مشافي حكومية، لذا فإن توفير العلاج يكون متوفرا حتما في إحدى المستشفيات، وليس مثل المحافظات الأخرى، التي ليس لديها سوى مستشفى واحد فقط.

يُشار إلى أن غسيل الكلية يتم فقط في مستشفى حماة الوطني على مستوى المحافظة، ولا يوجد سوى جهازين في أحد المشافي الخاصة وتكلف الجلسة الواحدة نحو 450 ألف ليرة سورية، في حين أنها تجري مجانا في مستشفى حماة الوطني مع نقص بعض المواد لظروف خارجة عن إرادة المستشفى تتعلق بظروف اقتصادية ضاغطة، حسب المصادر المذكورة سابقا للموقع المحلي.

قد يهمك: أسعار المأكولات الشعبية في سوريا إلى ارتفاع.. “مسلسل الغلاء ما اله حلقة أخيرة”

كل جلسة بـ 75 ألفا

من حين لآخر، يتكرر انقطاع بعض مستلزمات غسيل الكلى، لمرضى محافظة درعا، ما يفرض عليهم أعباء مالية كبيرة لا يمكنهم الاستمرار في تحمّلها في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها عموم البلاد.

النواقص اللازمة الآن، بحسب ما أفاد به بعض المرضى وذويهم، لصحيفة “تشرين” المحلية، في وقت سابق، هي (الأنبوب والفلتر والخرطوشة)، مما يضطرهم لشرائها من السوق بقيمة تتراوح ما بين 70 و75 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ كبير خاصة، وأن المريض يحتاج شهريا إلى 8 جلسات دورية باستثناء الرعاية الطارئة عند الحاجة، مما يعني أن المريض يحتاج لشراء هذه النواقص حتى تتم جلسة غسيل الكلى إلى حوالي 600 ألف ليرة في الشهر الواحد، وهو مبلغ لا يستطيع معظم المرضى تحمّله.

طالب المرضى، الجهات المعنية في الحكومة السورية بضرورة حل هذه المشكلة في أسرع وقت ممكن، وتأمين كافة متطلبات جلسات غسيل الكلى التي لا يمكن الاستغناء عنها أو تأجيلها، مشيرين إلى أنه لا يوجد مبرر مقنع لانقطاعها لأنها متوفرة في السوق.

في المقابل، أوضح الدكتور أشرف برمو، مدير صحة محافظة درعا للصحيفة المحلية، أن تأمين مستلزمات غسيل الكلى أمر مركزي، ويتم إجراء المراسلات والمتابعة في هذا الصدد، أملا في توفيرها بالكامل في أسرع وقت ممكن، لافتا إلى أن مديرية الصحة تحتاج ما بين 1500 و1750 جلسة شهريا، للمرضى الذين يخضعون لغسيل الكلى في مختلف مستشفياتها، وفي مجمع العيادات الشامل في درعا، حيث يحتاج بعض المرضى بالإضافة إلى الجلسات الدورية جلسات إسعافية حسب الحاجة.

فيما لفت الدكتور يحيى كيوان، مدير عام هيئة مشفى درعا الوطني، إلى أن التوريد أيضا مركزي، والاحتياج الشهري يتراوح بين 250 و270 جلسة غسيل لمرضى الكلية في المشفى الوطني لوحده، حيث يحتاج المريض أحيانا لجلسات إسعافية غير الدورية، وتتم المتابعة المستمرة والحثيثة من أجل تأمين جميع المستلزمات عن طريق وزارة الصحة، على حدّ وصفه.

قد يهمك: بين ضعف التسويق وارتفاع تكاليف الإنتاج.. “المنتجات الريفية صارت من الماضي”

مليون ليرة تكلفة صورة الطبقي المحوري

صحيفة “البعث” المحلية، أشارت في تقرير سابق إلى وجود “بورصة” للتصوير عبر أجهزة المرنان، والطبقي المحوري، وذلك في ظل ندرة الأجهزة في المشافي الحكومية، حيث وصلت تكلفة الصورة لأكثر من 600 ألف ليرة في المراكز الخاصة، وتجاوزت المليون في بعض الحالات.

الصحيفة، أردفت أن المشافي الحكومية ما تزال تقدم الخدمة بأسعار رمزية، “لا تتجاوز 9 آلاف ليرة، وصفر ليرة لبعض الحالات“، لكن مصادر لـ“الحل نت” أكدت في وقت سابق أن معظم الأجهزة معطلة ولا تقدم الخدمة بالشكل المطلوب.

بدوره أكد الطبيب المشرف على قسم الأشعة في مشفى “المواساة” بدمشق خالد الخطاب، أن المشفى يعاني من ضغط كبير على أجهزة المرنان المغناطيسي، حيث تشكل هذه المشكلة عبئا على المشافي الحكومية، والمرضى على حد سواء.

الخطاب قال في تصريحات نقلتها الصحيفة المحلية، “عدد الأجهزة قليل، وخلال السنوات الماضية، خرجت لعديد من المشافي عن الخدمة، وبالتالي ازدياد الضغط على ما بقي منها، بما فيها مشفى المواساة، الذي يحتوي ستة أجهزة إيكو، إضافة إلى أجهزة الطبقي المحوري، والماموغرام، والأشعة، وجهاز مرنان، يُخدِّم شهريا ما بين 500 إلى 600 مريض، لاستقباله عددا كبيرا جدا من المرضى من مختلف المحافظات، وخاصة تلك التي تفتقر بشكلٍ نهائي لجهاز مرنان، كمدينة اللاذقية التي ونتيجة تعطل جهازها الوحيد والأساسي فيها، باتت مشافي العاصمة وجهة مرضاها الوحيدة“.

الخطاب نوّه إلى وجود حالات فساد في المشفى، “إذ اضطر بعض المرضى، لدفع 50 ألف ليرة، للموظفين الذين يستغلون حاجة المريض للحصول على خدمات الطبقي المحوري، ما دفع إدارة المشفى لتدشين منصة، أو تطبيق عبر الموبايل يُمَكِّن المواطن من حجز دور بشكلٍ مباشر، وبالتالي ضبط كل التجاوزات الحاصلة من قِبل البعض، لحصر الأمر بشكل كلي بالإدارة“.

قد يهمك: “الحكومة شغالة لراحة الأغنياء“.. قرارات حكومية تزيد من هموم المواطن السوري

عدم استقبال الحالات الإسعافية

مشكلة جهاز “الطبقي المحوري”، عادت في عدد من المشافي إلى الواجهة مجددا، حيث تؤكد المعلومات، أن مشفى “الأسد الجامعي”، يستقبل الحالات المقبولة ضمن المشفى، وغير مخصص للحالات الإسعافية الحرجة (يستقبل حالات إسعافية معينة)، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، قبل أيام.

بحسب التقرير المحلي، يتم تحويل المرضى من المحافظات مثل السويداء، ودرعا، وبعض مشافي ريف دمشق، لمشافي دمشق لإجراء الـ “طبقي محوري“، الغير موجود أساسا في العديد منها، ليبقى المريض في الإسعاف ساعات وساعات بانتظار تأمين مشفى خاص، وتأمين مبلغ لإجراء “الطبقي”، ليخرج بسيارة إسعاف لإجراء طبقي ويعود، وبعد ساعة يذهب المرافق لإحضار نتيجة الصورة، وكل هذا الوقت، ينتظر المريض في الإسعاف.

قد يهمك: صيانة السيارات في سوريا.. قطع الغيار تلهب الأسعار!

بورصة لتكاليف عمليات القلب

فيروس السوق السوداء وإصابته لقطاع الصحة، هو القلق الذي عبّر عنه كثير من المرضى في اللاذقية، الذين يعاني بعضهم من أمراض مزمنة وخبيثة، بالإضافة إلى مشاكل في القلب والعظام، في ظل فقدان المستشفيات العامة للعديد من الخدمات الطبية التي لا تزال تقدمها العيادات، والمستشفيات الخاصة في سوريا.

هذا ويعاني بعض مرضى القلب في سوريا، بحسب التقرير الذي نُشر على صحيفة “الوطن” المحلية، مطلع أيلول/سبتمبر الفائت، من صعوبات في الحصول على عمليات قثطرة القلب، في مستشفى “الباسل” لأمراض القلب والجراحة، في اللاذقية، بسبب تعطل جهاز القثطرة لعدة أشهر، في حين يُطلب من الذين يذهبون إلى مستشفى “تشرين” الجامعي، شراء المستلزمات اللازمة لإجراء العملية من خارج المستشفى.

بحسب التقرير السابق، فإن توافر السلع والأدوية في القطاع الخاص ولكن ليس في القطاع العام، يثير قضايا مختلفة تحتاج إلى معالجة من قِبل السلطات المختصة حتى يفهم المواطنون ما يجري. فهل ينطبق الحظر الاقتصادي فقط على السلع في القطاع الحكومي، في حين أن الفقراء يلجأون إلى المؤسسات الحكومية لأنهم لا يستطيعون تحمّل تكاليف شراء الأدوية بالملايين.

وفق المعلومات، يضطر المرضى إلى الذهاب للمستشفيات الخاصة، ودفع أسعار مرتفعة جدا تتراوح ما بين 600 إلى 800 ألف ليرة، لإجراء القثطرة وحوالي 6 ملايين ليرة لتركيب شبكة واحدة، لتصبح الأرقام المطلوبة مسببات لزيادة “الهم على القلب”، وفق ما ذكره مواطنون، مطالبين بإيجاد حلول تنعش المرضى بأقرب وقت.

القطاع الطبي في سوريا تراجع كثيرا خلال السنوات الماضية، نظرا لتردي اقتصاد الحكومة السورية من جهة، وتدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي من جهة أخرى، حيث أن جميع مستلزمات القطاع الطبي تُقدر بالعملة الصعبة، هذا بالإضافة إلى هجرة الكوادر الطبية بشكل غير مسبوق، وتدمير نسبة كبيرة من المنشآت والمراكز الطبية، خلال السنوات الماضية.

قد يهمك: البيع بالدّين في سوريا ممنوع.. توقيف البيع أفضل من البيع بخسارة؟!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.