في الوقت الذي تراجع فيه بعض الدول الإقليمية مواقفها من الملف السوري وفي مقدمتها تركيا، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، استئناف علاقاتها مع الحكومة السورية منهية بذلك فترة قطيعة امتدت لعقد من الزمن، على خلفية موقف الحركة السابق من الأحداث في سوريا، في خطوة جاءت ثمرة لجهود وساطة قادتها إيران و”حزب الله”، واستجابة لنصائح إقليمية.

من دمشق التي وصلها برفقة وفد يمثل الفصائل الفلسطينية خلال الأيام القليلة الماضية، قال رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في الحركة خليل الحية، في تصريح صحفي، نعتقد أنه يوم مجيد ويوم مهم، نستأنف فيه حضورنا إلى سوريا العزيزة، ونستأنف فيه العمل المشترك معها، ولقاءنا مع الرئيس السوري بشار الأسد، نعتبره تاريخيا وانطلاقة جديدة متجددة للعمل الفلسطيني السوري المشترك.

قد يهمك: “حماس” تُعيد علاقاتها مع دمشق رسمياً.. ما الذي يحصل؟

وسائل إعلام سورية، لم تذكر في تغطيتها لزيارة الوفد الفلسطيني “حماس” بالاسم، مكتفية بالقول إن الرئيس السوري، استقبل وفدا ضم قادة وممثلي الفصائل الفلسطينية، وجرى النقاش حول نتائج حوارات المصالحة في الجزائر، وأنه بالرغم من الحرب التي تتعرض لها سوريا، إلا أنها لم تغير من مواقفها الداعمة للمقاومة بأي شكل من الأشكال.

دمشق لم تنس مواقف “حماس”

عمر رحمون المتحدث باسم “المصالحة” التابعة للحكومة السورية، يعزو موقف الحكومة، وتحديدا تجاهل ذكر “حماس” بالاسم، إلى تبعات مواقف الحركة السابقة، ويقول لـ”الحل نت”، لن تعود العلاقة بين دمشق و”حماس” لسابق عهدها، رغم الزيارة ورغم الوساطات.

استقبلت دمشق، وفق رحمون، وفدا فلسطينيا، ولم تستقبل وفدا خاصا بـ “حماس”، وبالتالي الزيارة ليست خاصة للحركة. مواقف دمشق التي أكدها رحمون، ليست جديدة، فعلى ما يبدو لم تنس الحكومة السورية ما تعتبره بمثابة “الطعنة” من الحركة، وكانت العلاقات بينهما قد تدهورت منذ بداية الأحداث السورية، حيث أغلقت الحركة مكاتبها في سوريا في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2012.

 دمشق اشترطت على “حماس” تقديم اعتذار رسمي عن موقفها من الحرب في سوريا، وكذلك أكدت أنها لن تسمح لكبار القياديين فيها بدخول البلاد مرة أخرى، وعلى رأسهم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق للحركة، بحسب ما كشفه موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، في أيلول/سبتمبر الماضي.

إعادة العلاقات مع حكومة دمشق تقتصرعلى إعادة العلاقات السياسية واللوجستية من أجل تعزيز التحالفات في المنطقة، بحسب ما نقله الموقع عن مصدر بازر في “حماس”، مبينا بأن طهران و”حزب الله” لعبتا دورا بارزا في المفاوضات التي استمرت شهور.

بالفعل، لم يشارك مشعل في الوفد الذي زار دمشق، لأن الأخيرة تصنفه من ضمن “جناح حركة الإخوان المسلمين” في الحركة وليس من “جناح المقاومة” وفق ما أكدت صحيفة “الوطن” السورية قبل أيام من الزيارة. عودة حماس إلى دمشق ستكون كفصيل مقاوم فقط، بعيدا عن أي تمثيل لها في العاصمة السورية، بحسب الصحيفة.

مصالح تتطلع إليها “حماس”

رغم “البرود” من جانب الحكومة السورية وشروطها التي توصف بـ “المذلة” قبل موافقتها على استئناف العلاقات، يبدو أن هنالك حالة من الإصرار في الحركة على طي صفحة الخلاف مع دمشق.

لدى “حماس” قرار من قيادتها بالعودة للساحة السورية، وهذا القرار اتخذ بعد تقدير مصلحة الشعب الفلسطيني، ولا علاقة له بأي ضغوطات من أي طرف من الأطراف، بحسب حديث الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني المقيم في قطاع غزة، مصطفى صواف، لـ “الحل نت”.

عندما خرجت “حماس” من الساحة السورية، كانت كل المؤشرات تقول إن الساحة السورية لم تعد آمنة في ظل اختلاط الحابل بالنابل، وكذلك خرجت حتى لا تحسب مع طرف، لأن سياستها تقوم على مبدأ النأي بالنفس وعدم التدخل بشؤون الدول، وفق الصواف.

من وجهة نظر الكاتب، فإن “التحالفات التي تقوم في المنطقة ضد المقاومة والمشروع الوطني، تفرض إيجاد تحالفات بين الحركة ومن يدعم المقاومة وفلسطين، وسوريا اليوم هي ضمن الدول التي تقف في وجه الاحتلال الاسرائيلي وتتعرض لعدوان مستمر من قبله، بحسب صواف، لذلك باتت العودة مهمة لسوريا، وربما “حماس” ترى في الساحة السورية ما يحقق لها ما تسعى إليه.

اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بحاجة إلى رعاية بعد أن تخلي الكل عنهم، والعودة هنا تخدم أبناء الشعب الفلسطيني، من وجهة نظر صواف، لذلك العودة إلى الساحة السورية التي قدمت في السابق كل الدعم للمقاومة، هو عودة لنفس السبب الذي كانت عليه المقاومة في سوريا قبل الأحداث الأخيرة.

عودة بدفع من حلفاء “حماس”

علاوة على الأسباب السابقة، تبدو “حماس” قد استمعت إلى النصائح من أطراف إقليمية حليفة، وهو ما يمكن تلمسه من تصريحات خليل الحية، عندما قال إن تركيا وقطر شجعتا الحركة على عودة علاقاتها مع سوريا، وذلك بعد تدهورها منذ اندلاع الأزمة السورية.

الحركة ذهبت إلى خيار مراجعة موقفها من الأزمة السورية، في ظل الواقع الجديد، ونتحدث هنا عن المقاربة التركية الجديدة في العلاقة مع دمشق، التي تسعى روسيا إلى جعلها واقعا، وفقا لحديث الكاتب والمحلل السياسي الأردني زيد النوايسة لـ “الحل نت”.

“حماس” تتوجه إلى استعادة الحلفاء العرب، لأنها تقرأ تبدلا في مزاج الأطراف العربية نحو سوريا، بحسب النوايسة. حماس تشاورت مع قطر والجزائر وتركيا وروسيا قبل الذهاب إلى دمشق، وبالتالي هي تذهب بغطاء إقليمي ودولي، علما أنها بحاجة للدور السوري، رغم الأزمة التي تعاني منها دمشق والتي جعلت من تأثيرها في الملف الفلسطيني محدودا.

عودة التواصل بين دمشق ودول عربية أخرى، يبدوا أنها سهلت المصالحة بين دمشق و”حماس”، حيث أن التغيرات الأخيرة في الموقف التركي أيضا من دمشق كانت مفيدة لـ “حماس”، بحسب تصريح للباحث في مركز “سنتشوري أنترناشونال” آرون لوند، لوكالة “فرانس برس” الفرنسية.

التطبيع مع دمشق التي تعاني أزمات متعددة، ليس فيه مكاسب للأطراف التي ترغب بذلك، مرحليا على الأقل، وتشير التقديرات إلى أن كل الأطراف التي راجعت مواقفها من الحكومة السورية، إنما فعلت ذلك بانتظار مجريات الحل السياسي.

الحال ذلك ينطبق على “حماس”، كما يؤكد النوايسة الذي اعتبر أن حماس تتطلع إلى منافع في سوريا على المدى البعيد، وخاصة إذا تعززت فرص الاستقرار في هذا البلد.

صراع بين تيارات “حماس”

انتقادات كثيرة سببها توجه “حماس” لدمشق وتحديدا من أوساط فلسطينية رأت أن الخطوة “غير مبررة” ولا تعبر عن موقفهم غالبية الفلسطينيين الذي أيدوا مطالب الشارع السوري المعارض.

آخرون اتهموا بعض المسؤولين في “حماس” باختطاف قرار الحركة، ومنهم المحامي أيمن أبو هاشم منسق “تجمع مصير” الفلسطيني، والذي أكد خلال حديثه لـ “الحل نت” بأن هناك حالة من الصراع داخل الحركة بين تيار يقوده خالد مشعل، وتيار آخر يبدو أنه تفرد بقرار الحركة، يمثله قيادات “حماس” في قطاع غزة. هؤلاء يعتقدون أن سوريا قد تشكل ساحة بديلة، عن الساحات التي يمكن أن تخسرها الحركة مثل تركيا وقطر، في حال تغيرت الظروف السياسية.

كذلك، يمكن فهم موقف “حماس”، من وجهة نظر المحامي الفلسطيني، بأنه استجابة للضغط الإيراني، حيث ركزت طهران الداعم المالي واللوجستي الرئيسي لـ “حماس” مؤخرا، على ضرورة إعادة العلاقات مع دمشق، معتقدا أن ما يجري ليس أكثر من استرضاء لطهران.

فصل جديد فتحته “حماس” مع الحكومة السورية، يضعفه غياب عامل الثقة المتبادلة، وفي المقابل تقوي حظوظه حاجة كليهما للآخر، فـ “حماس” ترى في مواقف دمشق المعارضة للتطبيع مع إسرائيل دعما لخطها السياسي، وحكومة دمشق تعتبر أن أي انفتاح خارجي عليها يعني اعترافا بـ”الانتصار” في الحرب السورية.

  اقرأ أيضا: وفد يصل دمشق قريباً.. ما الذي تريده حماس؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.