في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، انطلقت الانتخابات النصفية الأميركية التي قد تحدد الأغلبية في مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأميركيين، ويتوقع المتابعين للشأن الأميركي أن يتفوق الجمهوريين على الديمقراطيين، وهذا الأمر سبب ارتباك كبير في المعسكر الديمقراطي بقيادة الرئيس الأميركي جو بايدن.

النتائج الأولية للانتخابات، أظهرت تفوق ضئيل للجمهوريين وأداء غير جيد في مقاعد الشيوخ والنواب، وبالأخص الذين كانوا يتلقون دعم مباشرا من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

بايدن أشاد بالانتخابات خلال خطاب يوم الأربعاء في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، واصفا إياها بيوم جيد للديموقراطية، وأن موجة حمراء “يشير إلى الجمهوريين” عملاقة لم تتحقق.

بينما كان يهم الرئيس الأميركي السابق ترامب، للإعلان عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، خرج لينفي صحة التقارير التي أفادت بأنه غاضب بعد نتائج الانتخابات النصفية، وقال في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” أنه “يرى أن نتائج الانتخابات كانت جيدة، وأن كل من دعمهم أبلوا بلاء حسنا”.

الانتخابات النصفية الأميركية، تختلف هذه المرة عن الانتخابات السابقة، لشدة الخلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين وقرب الانتخابات الرئاسية، فما هي الانتخابات النصفية وكيف تؤثر على السياسات الأميركية.

 الانتخابات النصفية

الانتخابات النصفية تجرى كل سنتين، إلا أنها تكتسب أهمية خاصة عندما لا تتزامن مع انتخابات الرئاسة الأميركية التي تجرى كل 4 سنوات، وتسمى نصفية لأنها تأتي خلال نصف ولاية الرئيس الأميركي.

الانتخابات هذا العام جرت يوم 8 تشرين الثاني/نوفمبر، لكن بعض الولايات تسمح بالتصويت المبكر سواء بالبريد أو بالحضور الشخصي، ويتم انتخاب كل أعضاء مجلس النواب لمدة عامين، لذلك يتم خوض الانتخابات في كل مقاعد المجلس البالغ عددها 435 مقعدا خلال انتخابات التجديد النصفي. في حين يتم انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ المئة (35 مقعدا) في الانتخابات النصفية كل عامين، وهناك كذلك انتخابات لحكام الكثير من الولايات (36 ولاية)، إضافة لسكرتيري الولايات، والعديد من المناصب السياسية المحلية في الولايات والمقاطعات.

خارطة مجلس الشيوخ والنواب الأميركيين

حاليا 222 عضوا في مجلس النواب للديمقراطيين، مقابل 212 للجمهوريين، مع بقاء 3 مقاعد خالية لوفاة أو عزل شاغليها، ويهدف الحزب الجمهوري إلى استعادة الأغلبية في مجلس النواب التي خسرها في انتخابات التجديد النصفي عام 2018، وهو يحتاج إلى 5 مقاعد فقط لاستعادة الأغلبية، وتشير أغلب استطلاعات الرأي إلى أن الجمهوريين سينجحون في مهمتهم.

مجلس الشيوخ ينقسم حاليا بنسبة 50/50 بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لكن الأخير يملك الأغلبية من خلال امتلاك نائبة الرئيس كامالا هاريس، حق “كسر التعادل في التصويت”، بوصفها رئيسة مجلس الشيوخ.

من بين الـ 35 مقعدا في الانتخابات، يمثل الجمهوريون 21 مقعدا، في حين للديمقراطيين 14 مقعدا، ويحتاج الحزب الجمهوري إلى كسب مقعد واحد فقط لاستعادة الأغلبية في مجلس الشيوخ، في حين يواجه الديمقراطيون تحديات كبيرة قد تتسبب في حرمانهم من الأغلبية.

الدكتور “حيدر سلمان” باحث بالشأن الدولي، أوضح لـ”الحل نت”، إن الجمهوريين حققوا أغلبية في مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وبالتالي وجود معارضة جمهورية للرئيس الأميركي بايدن، وهذا الأمر حدث في عهد ترامب أيضا وحقق الديمقراطيين آنذاك الأغلبية في المجلسين، بحسب حديث الباحث في الشأن الدولي حيدر سلمان، لـ “الحل نت”.

سلمان، استعان بمصطلح أميركي للحالة وهو “البطة العرجاء” وهو ما سيكون عليه وضع الرئيس الأميركي بايدن، وبالتالي سيكون له موقف صعب أمام معارضة الجمهوريين وسيكون موقفه صعب نوعا ما، ويرجح سلمان بعد نتائج الانتخابات النصفية أن “الانتخابات الرئاسية ستميل بعد عامين لصالح الجمهوريين، مرشحا فوز ترامب”.

صراع الأزرق والأحمر

الديمقراطيون الذي يرفعون اللون الأزرق كشعار لهم والجمهوريين الذين يرفعون اللون الأحمر كشعار لهم، بينهم صراع كبير منذ انتخابات الرئاسة الأميركية الماضية ونجاح بايدن وسقوط ترامب فيها، والأمر مستمر إلى اليوم، خاصة بعد أن أعلن ترامب نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة وهذه النية موجودة لدى بايدن أيضا.

بايدن أشار خلال خطاب الأربعاء، إلى أن “لديه النية” للترشح لولاية ثانية في العام 2024، لكنه قال إنه سيؤكد ذلك “مطلع العام المقبل”، وقال “لدي النية للترشح”، لكنه شدد على أن الأمر ينطوي “قرار عائلي”، وتعد هذه المسألة حساسة جدا في معسكره الديمقراطي مع بلوغ بايدن، وهو أكبر الرؤساء الأميركيين سنا، عامه الـ80 في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

صحيفة “بوليتكو” الأميركية، ذكرت أن الأغلبية الساحقة من سكان كاليفورنيا لا يريدون أن يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فترة ولاية أخرى، ويرون الحاكم الديمقراطي غافين نيوسوم 55 عاما، منافسا رئيسيا لخلافته، وفقا لاستطلاع جديد.

بينما هناك انقسام واضح في معسكر الجمهوريين بين الداعمين لترامب وحاكم فلوريدا رون دي سانتيس الذي احتفظ بمنصبه، والذي أصبح يشكل تحديا لترامب بحسب شبكة “فوكس نيوز” الأميركية. بات ذلك واضحا خلال حديث ترامب لـ “فوكس نيوز” والذي اعتبر ترشح دي سانتيس للانتخابات الرئاسية، بأنه سيلحق الضرر بالحزب الجمهوري.

الجمهوريون والديمقراطيون تعبير سياسي عن نمط حياة مختلف اجتماعيا وجغرافيا، حيث أن الديمقراطيين والليبراليين يهيمنون على مناطق الساحل الشرقي والغربي والمدن الكبرى وبعض الجيوب في الوسط والشمال والجنوب، أما الجمهوريين والمحافظين يهيمنون على الوسط، وبعض الجيوب في الساحلين أيضا، بحسب حديث الصحفي المقيم في الولايات المتحدة رياض محمد، لـ”الحل نت”.

نقاط الاختلاف كثيرة بين الحزبين وتوجهات أنصارهم وفق “محمد”، وأهمها في هذه الانتخابات قضية الإجهاض التي يعارضها الجمهوريون ويؤيدها الديمقراطيون، هناك قضايا أخرى من ضمنها إدارة الحكومة للاقتصاد والديمقراطيون يؤمنون بزيادة الضرائب على الشركات والأثرياء والعكس مع الجمهوريون، الديمقراطيون مؤيدين للهجرة وللمثليين والأقليات والجمهوريين على العكس.

توجهات الناخبين

وكالة “أسوشتيد برس” الأميركية، نشرت استطلاع للرأي عن توجهات الناخبين الأميركيين خلال الانتخابات النصفية، وشمل الاستطلاع 94 ألف ناخب أميركي، وكان الاقتصاد هو العامل الأكبر المؤثر على المصوتين.

بيّن الاستطلاع أن غالبية قليلة من المصوتين، أخذت خلال تصويتها الاعتبارات الاقتصادية مثل التضخم وارتفاع أسعار الطاقة والوقود والمواد الغذائية، ويلقي الغالبية اللوم على سياسات بايدن، بينما نسبة أقل من النصف ترى أن عوامل أخرى تسببت في رفع الأسعار مثل الأزمة الأوكرانية الروسية.

الاستطلاع أظهر أن نسبة 44 بالمئة، أخذوا تهديد الديمقراطية مقياسا للتصويت وتأثروا بحديث بايدن، عن أن الجمهوريين يشكلون تهديدا على الديمقراطية، وإنه لن يدعم أي تشريع يعتقد أنه سيضر بأميركيين من الطبقة العاملة، بما في ذلك التخفيضات الضريبية للأثرياء، ولن تزيد الضرائب الفيدرالية على أي شخص يقل دخله عن 40 ألف دولار في السنة.

 الجمهوريون يراهنون على استياء الناخبين من التضخم والجريمة والهجرة لمساعدتهم على الفوز، ورد بايدن وزملاؤه الديمقراطيون بالقول إن “الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة تستعد للنهضة بسبب استثماراتها في البنية التحتية، وإنتاج رقائق الكمبيوتر ومشاريع الطاقة النظيفة”.

الصحفي عبد اللطيف الهجول، متابع للانتخابات النصفية الأميركية، يقول في حديث لـ”الحل نت”، أن “الاقتصاد هو النقطة الفاصلة والمؤثرة في الانتخابات النصفية، وتغير خارطة الانتخابات دائما وليس فقط في هذه الانتخابات”.

قد يهمك: معارك “ضارية” في الانتخابات النصفية الأميركية.. هذه أبرز التفاصيل

العلاقات الخارجية الأميركية والسياسات المتبعة من قبل إدارة بايدن، لها تأثير أيضا على رأي المصوتين بحسب الهجول، حيث يقول إن “علاقات وتعامل ترامب مع دول الخليج مثلا كانت قوية وكان يتحكم أكثر بأسعار النفط، عكس بايدن الذي يعتبر ضعيفا نوعا ما أمام الخليج وسياسة خفض الإنتاج”.

الواقع الأميركي يظهر أن الناخبين يواجهون نوعا من التردد في اختيار أي جهة من الجهتين، وهناك تخوف من حدوث انقسام سياسي كبير داخل البلاد، وينظر أغلب المصوتين إلى قضيتين رئيسيتين هما الاقتصاد والحفاظ على الديمقراطية الأميركية، وهذا ما ولد نوعا من التردد لدى المصوتين، وهذا ما جعل تفوق طرف على آخر ضئيلا نوعا ما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.