نزاعات عدّة ماتزال تشهدها ليبيا إلى الآن، منذ سقوط نظام الزعيم السابق معمر القذافي، فالبلاد تغرق في أزمة سياسية متداخلة الأطراف، رغم محاولات دولية لحلحتها وسد الصدع بين الفرقاء، حيث تُشكل الأزمة الليبية أحد أبرز الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية، نظرا لأهمية هذه الأزمة وتداعياتها المختلفة على الأمن والاستقرار في الإقليم.

في أحدث حلقات البحث عن سبل إنهاء الأزمة، أطلق المجلس الرئاسي الليبي، الخميس الفائت، مبادرة لحل الأزمة عبر لقاء تشاوري بين المجالس الثلاثة، المجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بالتنسيق مع المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا عبد الله باتيلي.

“المبادرة تهيّئ لحوار دستوري كأولوية لإنهاء المراحل الانتقالية، تضمن فيه المبادرات والأفكار والرؤى التي طرحتها الأحزاب والقوى الوطنية على المجلس الرئاسي، حيث جاءت اتساقا مع نصوص خارطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي الحاكمة للمرحلة، وانطلاقا من المسؤولية الأخلاقية الواقعة على المجلس الرئاسي”، وذلك وفق بيان المكتب الإعلامي للمجلس.

حبر عل ورق

المجلس الرئاسي الليبي ولد ميتا إن صح التعبير، فلم يكن له أي دور على أي صعيد من الأصعدة، لا في الوصول إلى الانتخابات أو لحل المشاكل والأزمات بين الكتل والمؤسسات في ليبيا، حتى لم يكن له أي دور في تنفيذ المهام الموكلة إليه، ونقصد هنا العمل على المصالحة الوطنية، فكلها كانت لقاءات عبثية لم تؤت أكلها أبدا، بحسب حديث الكاتب والصحفي الليبي حمدي بن أحمد، لـ”الحل نت”.

من وجه نظر بن أحمد، المبادرة مجرد حبر على ورق ولا تساوي حتى ثمن الحبر التي كتبت به، فالأزمة لا تحل بمثل هذه المبادرات، إضافة إلى ذلك غياب الضغط الدولي على الأجسام والميليشيات الموجودة في ليبيا.

 لا يتوقع بن أحمد أن يكون هناك انفراج قريب في الأزمة، لأن جميع من في السلطة، بحسب تعبيره، لا يريدون الوصول إلى حل، لأنه في حالة الوصول إلى ذلك، سيكون انتهاء لأجسامهم أو الأجسام التي يمثلونها، وهي أجسام ميتة فيها أشخاص أصبح لهم 10 سنوات، وبعضهم له 6 سنوات ومنهم 8 سنوات، وحتى الحكومة الأخيرة التي عمرها ما يقارب الـ 3 سنوات الآن، لم تقم بأي شي يساهم في انفراج الأزمة السياسية، لأن هذا الانفراج يعني انتهاء دورها.

خلافات سياسية

مبادرة “الرئاسي”، تتماهى مع ما طالب به المبعوث الأممي من ضرورة لقاء المجالس الثلاثة، وجاءت غداة تعليق رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، التواصل مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وأعمال اللجان المشتركة بينهما، إلى حين إلغاء قانون إنشاء محكمة دستورية بمدينة بنغازي شرقا، بدلا من الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بالعاصمة طرابلس غربا.

قد يهمك: الأزمة الليبية.. إلى أين؟

تعليق التواصل بين المجلسين، يكرس من حالة الانقسام السياسي في البلاد، ويأتي في الوقت الذي كان يسعى فيه المشري وصالح إلى اللقاء مجددا، لبحث بعض المسائل العالقة، على رأسها مسألة القاعدة الدستورية، وملفي المناصب السيادية وتوحيد السلطة التنفيذية.

مبادرة المجلس الرئاسي تعتبر بمثابة الفقاعة، بحسب بن أحمد، إذ تتضمن أفكار عامة يمكن إن يطلقها أي شخص، ولا تتضمن نقاط ومواضيع محددة، وتفتقد لكافة عناصر النجاح، كما أنها جاءت في وقت غير مناسب في ظل قطيعة بين مجلس الدولة والنواب.

تعثر الانتخابات

بسبب خلافات بين مؤسسات الدولة، حول قانونَي الانتخاب الرئاسي والبرلماني، تعثر إجراء انتخابات في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021، وتقرر إجراء تلك الانتخابات خلال ملتقى الحوار السياسي بين أطراف النزاع الذي انعقد أول مرة في تونس برعاية أممية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

بعد فشل إجراء انتخابات في كانون الأول/ديسمبر الماضي، دخلت ليبيا في صراع جديد بعدما كلّف مجلس النواب حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، لتتصارع مع حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.

كما لم تتمكن ليبيا خلال 2022 من إجراء الانتخابات؛ جراء تعثر لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة في التوافق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات.

سبب تعثر أعمال اللجنة، التي تشكلت بمبادرة من الأمم المتحدة، كان “هو خلاف على شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، والتي منها مشاركة العسكريين ومزدوجي الجنسية”، وفق تقارير صحفية.

جميع من في السلطة يوهمون الشعب، ويوهمون المجتمع الدولي بأنهم يحاولون الوصول إلى حل، بينما هم حقيقة لا يسعون لذلك، من أجل إطالة أعمار أجسامهم التي يمثلونها، كذلك جميع الميليشيات والأجسام التي لها أذناب ولها اتصالات خارجية تساهم في عرقلة أي مبادرة تقوم، مستغلة غياب الضغط الدولي الذي يعد أبزر أسباب الأزمة، وفق حمدي بن أحمد.

تواصل مشروط

قانون المحكمة الدستورية الذي سنّه مجلس النواب، من دون ذكر نصاب الجلسة، أو عدد الحضور، أو المصوّتين، يعد خطوة غير سليمة قانونا ودون أساس دستوري، بل إنها “مخالفة لكل ما يؤسس للمحاكم الدستورية وفق النظم القانونية المعاصرة”، بحسب تصريح لعضو مجلس الدولة الأعلى، فتح الله السريري، لموقع “الجزيرة نت”.

المشاورات حول المناصب السيادية والسلطة التنفيذية والقاعدة الدستورية عُلّقت مع مجلس النواب، “إلا إذا ألغى ما سنّه بخصوص المحكمة الدستورية التي تحتاج إلى نص دستوري لا تشريعي، مع الالتزام التام بنصوص الاتفاق السياسي الليبي”.

هذا الاتفاق يعدّ الوثيقة الدستورية الحاكمة للمرحلة الانتقالية، في أي لقاءات مستقبلية لإنهاء المراحل الانتقالية، وهي الخطوة المتعثرة منذ توقيع الاتفاق السياسي الليبي بمدينة الصخيرات المغربية عام 2015 برعاية الأمم المتحدة.

قرار المجلس الأعلى للدولة، جاء في خطاب رسمي وجّهه رئيسه المشري إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، عبّر فيه عن رفض رئاسة مجلس الدولة للخطوة، وتعليق التواصل مع رئاسة مجلس النواب إلى حين إلغاء القانون، معتبرا أنه “صدر بالمخالفة للنصوص الدستورية ولكل ما توافق عليه المجلسان”.

هذه الخطوة تأتي رغم التقارب بين رئيسي المجلسين في الأشهر الأخيرة، لكن الصحفي حمدي بن أحمد، يرى بأن القرارات الأخيرة من كلا الطرفين، تؤكد حالة الانسداد السياسي، وتنذر بمزيد من الانقسام المؤسسي، “وتثبت أن التقارب الذي حدث بين المشري وصالح، يهدف لتحقيق مصالح شخصية”، وفق تعبيره.

الاختصاص الوحيد لمجلس الدولة ومجلس النواب، بحسب أحمد، هو التوافق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، أما تشكيل سلطة تنفيذية موحدة فليس للمجلسين أي دور في ذلك وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2656 الذي لم يشر إلى أي مؤسسة انبثقت عن ملتقى الحوار السياسي.

انسداد سياسي

تعليق التواصل بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، يدل على أن لكل منهما حسابات خاصة به وبمن يقف وراءه، بالنسبة لمجلس النواب، يوجد ارتباط وثيق بينه وبين كل من الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، داخليا، وبمحور الاعتدال العربي، خارجيا، وبالنسبة لمجلس الدولة، وبالنظر إلى هيمنة جماعة “الإخوان” عليه، يبدو مرتبطا بمحور التنظيم الدولي، وعلاقاته المتشعبة في المنطقة والعالم، بحسب حديث الكاتب المختص بالشأن الليبي، عبد الستار حتيتة، لـ”الحل نت

لهذا يمكن القول إن الخلاف الأساسي بين المجلسين، فيما يتعلق بكثير من الأمور، يخص بندا رئيسا، ألا وهو حق العسكريين (المقصود المشير خليفة حفتر) في الترشح لانتخابات الرئاسة أم لا، وعلى هذا تجري المفاوضات بين المجلسين، وفق تعبيره.

اقرأ أيضا: تحالفات سياسية على وقع الأزمة الليبية.. من يحكم طرابلس؟ 

لقد وافق مجلس النواب لمجلس الدولة على وضع عراقيل أمام من هم تحت الملاحقة القضائية، لمنعهم من الترشح، بحسب حتيتة، حتى لو لم تكن قد صدرت بحقهم أحكام نهائية (المقصود بالطبع هو ترشح سيف الإسلام القذافي للرئاسة).

لكن أطماع مجلس الدولة من خلفه “جماعة الإخوان”، تبدو أطماعا كبيرة، ولا يريد مجلس الدولة أن يكتفي بإبعاد سيف، بل يريد حاليا أن يبعد المشير حفتر أيضا، من أي انتخابات مقبلة. لهذا ما زالت المفاوضات بين المجلسين، على وضع قاعدة دستورية تفضي لانتخابات، مفاوضات تراوح مكانها.

مبادرة المجلس الرئاسي، وفق حتيتة، تسعى، في الحقيقة، لتمهيد الطريق لإلغاء دور مجلسي النواب والدولة، وأن يتولى المجلس الرئاسي، في نهاية المطاف، وضع القاعدة الدستورية، أو فتح الباب لاختيار مجموعة أخرى من الشخصيات الليبية، لإصدار القاعدة الدستورية، التي ستجري عليها الانتخابات، مثلما حدث عند اختيار مجموعة من الشخصيات لحكومة الدبيبة وللمجلس الرئاسي نفسه، منذ نحو سنتين.

“تاريخ ليبيا المميز”

لقعد من الزمن، فشلت كل المحاولات في إقامة حكومة شرعية لأنها تجاهلت “تاريخ ليبيا المميز”، وفقا لتحليل لصحيفة “وول ستريت جورنال”.

تأسست المملكة الليبية في عام 1951، وطيلة 18 عاما، كانت ليبيا ديمقراطية برلمانية متطورة، ولكن في عام 1969، تمت الإطاحة بالديمقراطية الوليدة في ليبيا، بعد انقلاب القذافي وإلغاء الملكية في البلاد، حسب “وول ستريت جورنال”.

بحسب “واشنطن بوست”، فقد دمرت الصراعات الداخلية والأزمات السياسية المتتالية، الدولة الغنية بالنفط، وتسبب في انقسام البلاد بين حكومتين، يدعم كلا منهما مليشيات مسلحة وحكومات أجنبية.

مسارات الأزمة في ليبيا متشابكة ومعقدة، وفقا لمراقبين، وأي مبادرة تقدم من أجل التوصل إلى حلول للأزمة الليبية، يجب أن يكون وراءها زخم دولي وإقليمي للضغط على مجلسي الدولة والنواب، وغير ذلك يعتبر فاقدا لقيمته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.