منذ إقرار مجلس الأمن للقرار 2254، الذي ينص في الأصل على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، لم نشهد أي تقدم للدفع باتجاه تنفيذ هذا القرار، على الرغم من الجهود الأممية، وإنشاء اللجنة الدستورية السورية في سبيل تحقيق الانتقال السلمي للسلطة في البلاد.

مع استمرار الاستعصاء السياسي في سوريا، بدأ الحديث يزداد منذ فترة فيما يخص ضرورة الخروج من نفق اللجنة الدستورية والبحث عن قنوات أخرى، من شأنها أن تدفع بالحل السياسي في البلاد، فهل نرى في المستقبل الجديد آلية جديدة خارج إطار القرار الدولي 2254 للحل في سوريا.

“اتجاهات مقلقة”

المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، شدد في إحاطته الأخير أمام “مجلس الأمن الدولي” حول الأوضاع في سوريا، على أهمية الحل السياسي الشامل، وفق القرار 2254 الذي يلبي وحدة وسلامة أراضيها وتطلعات السوريين المشروعة.

بيدرسون أوضح في إحاطته التي قدمها ليلة الجمعة أمام “مجلس الأمن”، أنه لمس “اتجاهات مقلقة“، بعد زيارته الأخيرة إلى دمشق، من أجل دفع عملية الحل السياسي وفق القرار الأممي، مشيرا إلى أن السوريين يواجهون “أزمة إنسانية واقتصادية متفاقمة داخل وخارج البلاد“.

المحلل السياسي بسام الأحمد، رأى أن السياق السياسي السوري، بات بتطلب البحث عن حل خارج إطار القرار الأممي 2254، موضحا بالوقت ذاته إلى أن اللجنة الدستورية السورية لا يمكن لها أن تكون بداية الحل، بدون توافق أميركي روسي.

الأحمد قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “القصة لا تتعلق مباشرة بالمبعوث الأممي بيدرسون، الملف السوري أساسا محصور بين قطبين أساسيين، الأول يتمثل بروسيا وإيران، والثاني بالولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية“.

ولذلك فإن الحل النهائي لن يخرج من مكتب المبعوث الأممي، وهو الذي كان يحاول فقط تنفيذ القرار 2254، ولم يملك أدوات نجاح هذه المهمة.

بالعودة إلى حديث بيدرسون أمام “مجلس الأمن”، فقد وضع 6 أولويات، يجب أن يتم التركيز عليها لدفع الحل السياسي، وهي أولا التراجع عن التصعيد واستعادة الهدوء النسبي على الأرض وتجديد إطار عمل “مجلس الأمن” على الصعيد الإنساني، واعتبر أن الوصول غير المقيد للمساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين المحتاجين في جميع أنحاء البلاد، بجميع السبل، لا يزال أمرا ضروريا.

كذلك شدد بيدرسون على أن الأولوية الثالثة، هي الحاجة إلى استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية وجعلها أكثر موضوعية في جنيف، وأضاف “استعداد الأمم المتحدة لاستئناف اجتماعات اللجنة في جنيف بمجرد أن يكون هناك استعداد للقيام بذلك من قبل الآخرين“.

مصير اللجنة الدستورية

برأي الأحمد، فإن اللجنة الدستورية لن تقدم أي شيء في سبيل تقدم الحل السياسي في سوريا، إلا بوجود اتفاق حقيقي بين الأطراف المعنية لإنجاح هذه اللجنة، فهو رأى ذلك أن هذا الاتفاق لم ينضج بعد.

حول ذلك أضاف، “اللجنة الدستورية لا يمكن لها أن تكون بداية الحل، يجب أن يكون هنالك رغبة محلية من النظام والمعارضة والإدارة الذاتية ومن خلفهم أميركا وروسيا، بعدها يمكن أن تصبح للجنة الدستورية دور إيجابي في الانتقال السياسي“.

وفق الأحمد فإن “الأمم المتحدة” لا يمكنها حاليا أن تقترح آلية جديدة للحل السياسي في سوريا، خارج إطار القرار 2254، وذلك لأن هذا القرار تم تبنيه من قبل “مجلس الأمن”، وبالتالي على المجلس الأن أن يصدر قرار جديد يتعلق بسوريا.

في هذا السياق أوضح الأحمد أن “مكتب المبعوث مهمته تنفيذ قرار مجلس الأمن، المشكلة الأساسية هي أن السياق السوري الآن اختلف عن الوقت الذي تم فيه إقرار 2254، من قبل مجلس الأمن، يجب أن يكون هناك قرار أممي جديد يتناسب مع السياق الحالي السوري، ويضمن كذلك تمثيل جميع الجهات السوري مثل الإدارة الذاتية وغيرها، لأن كثير من هذه الجهات غير ممثلة حاليا بالنقاشات واللجان الحالية“.

العمل على قضية المحتجزين والمختفين والمفقودين يشكل الأولوية الرابعة لبيدرسون، الذي أشار إلى ضرورة تبادل المعلومات حول المعتقلين والإفراج عنهم.

أما الخامسة فهي وفق بيدرسون فتتمحور حول، “تعزيز الحوار من أجل تحديد وتنفيذ تدابير بناء الثقة الأولية خطوة مقابل خطوة“، بينما الأولوية السادسة هي الاعتماد على مشورة ورؤى “المجلس الاستشاري النسائي” وإدماج المنظور النسائي في كامل عمله.

قد يهمك: اجتماع اقتصادي برعاية واشنطن.. تطور للعلاقات “العربية-الإسرائيلية” في 2023؟

من جهته، قال وكيل الأمين العام “للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ” مارتن غريفيث، إن الأرقام الواردة من سوريا كانت سلبية جدا وقياسية، موضحا أن عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية ارتفع إلى 14.6 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.2 مليون عن العام 2021، متوقعا أن يصل هذا الرقم إلى 15.3 مليون شخص في العام 2023.

غريفيث أشار إلى أن هذه الأرقام” لم يتم رؤيتها منذ بداية الأزمة في سوريا عام 2011″، مشددا على أن أكثر من نصف السكان “يكافحون من أجل وضع الطعام على المائدة“، ومحذرا من إمكانية أن ينزلق ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص إلى حالة انعدام الأمن الغذائي.

مسارات أخرى للحل

في ظل الانسداد السياسي في سوريا، انطلقت مؤخرا العديد من الدعوات الدولية والإقليمية لسلك مسارات جديدة، للوصول إلى هدف الحل السياسي في سوريا.

قبل أيام كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن عرض قدمه لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، لإجراء لقاء ثلاثي يضم أردوغان وبوتين والرئيس السوري بشار الأسد.

أردوغان قال في تصريحات نقلتها وكالة “الأناضول” التركية، إنه تلقى الرّد على العرض الذي قدمه لنظيره الروسي بـ“إيجابية“، وأضاف “بهذا الشكل نكون قد بدأنا بسلسلة اللقاءات“.

وحول آلية بدء هذه اللقاءات، لفت أردوغان إلى أن الخطوة الثلاثية، يجب أن تبدأ بلقاءات بين أجهزة الاستخبارات ومن ثم وزراء الدفاع، تليها اللقاءات على مستوى وزراء الخارجية.

بحسب حديث لمحللين مختصين بالشأن السوري، فإن دعوة أنقرة يمكن لها أن تنتهي بالدعوة إلى قمة بدون وجود شروط مسبقة، ما قد يمهد للقاءات من شأنها أن تناقش حل سياسي واقعي قابل للتطبيق والتوافق من قبل معظم الأطراف المعنية.

كذلك فإن الأردن يسعى بدوره لحشد دعم عربي، من أجل دفع العملية السياسية في سوريا، ويأمل بذلك أن يخفف من الضغط الأمني على حدوده الشمالي في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بقضية المخدرات العابرة والحدود ووجود الميليشيات الإيرانية.

الجهود الأردنية بدأت أواخر العام الماضي، لصياغة مبادرة أردنية، تهدف لتقديم رؤية للحل السياسي في سوريا، ووصلت التجارب الأردنية، إلى محاولة إعادة العلاقات مع دمشق، ليتبين فيما بعد أن دمشق بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد، لا تستطيع ضبط الميليشيات الإيرانية والحدود السورية الأردنية، لتلجأ الأردن في مبادرتها لجمع جهود عربية.

إذا فالحل السياسي لا يبدو أنه بيد اللجنة الدستورية ومن خلفها الجهود الأممية، وكادر مكتب المبعوث الدولي غير بيدرسن، ما يعني أن المبادرات الحالية يجب أن تأخذ فرصتها في التمهيد لآلية جديدة تدفع باتجاه الحل السياسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.