ملف ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والعراق، يُعتبر من المسائل المصيرية بالنسبة لكلا الطرفين، حيث عاد هذا الملف مؤخرا إلى الواجهة، فعلى وقع قمة بغداد الإقليمية الثانية “بغداد 2” التي عُقدت قبل أيام قليلة في الأردن، طالب رئيس الوزراء الكويتي أحمد نواف الأحمد الصباح خلال كلمته الافتتاحية، بإغلاق الملفات العالقة مع العراق، لا سيما ترسيم الحدود بعد “العلامة 162 “؛ حتى يتمكّن البلدان من الانطلاق نحو آفاق جديدة للتعاون الثنائي.

ما هي “العلامة 162” الحدودية؟

“العلامة 162″، هي النقطة التي توقف عندها ترسيم الحدود الدولية الصادر من مجلس الأمن في أيار/مايو عام 1993 برقم 833 والذي اعتبر “خور عبد الله” خطا حدوديّا بين العراق والكويت، ويقع “خور عبد الله” شمال الخليج العربي بين جزيرتي “بوبيان”، و”وربة” الكويتيتين، وشبه جزيرة “الفاو” العراقية.

بيد أن التوتر حول هذه العلامة بدأ في عام 2010 عندما وضعت الكويت حجر الأساس لبناء ميناء “مبارك” على الضفة الغربية للخور، في الوقت نفسه وضعت بغداد حجر الأساس لإنشاء ميناء “الفاو” الكبير في الضفة المقابلة، فيما اعتُبر في حينه ردا على الخطوة الكويتية.

قبل “العلامة 162” باتجاه الشمال الشرقي باتجاه “خور شيطانة” و”خور وربه” و”الزبير” تعدّ علامات بحرية، تبدأ بـ”العلامة 107 ” وتنتهي بـ”162″، وهي حدود مرسّمة بقرارات مجلس الأمن الدولي، وفق خط التالوك، بحسب حديث خبير الحدود والمياه الدولية العراقي جمال الحلبوسي، لـ”الحل نت”.

قد يهمك: دوريات بحرية مع العراق والكويت.. تهديدات جديدة تواجه المنطقة؟

أما ما بعد ذلك، يقول الحلبوسي، تبدأ المنطقة غير المرسّمة من “العلامة 135″ وتنتهي بـ”العلامة 162″ وتُعدّ مُنصِفة لـ”خور عبد الله التميمي” أي التسمية العراقية للخور، وعن طول الشريط الحدودي غير المرسّم بين البلدين يعلّق، “هناك أعمال مشتركة بين البلدين للترسيم مع ضغط كويتي في هذا الجانب، لا يمكن تحديد طول هذا الشريط من قِبل أي مهندس حدودي، حيث يعتمد على المتغيرات المقابلة للسواحل، وصولا إلى منطقة وسطية بين البلدين”.

الطول التقريبي للشريط الحدودي غير المرسّم قد يصل إلى 12 ميلا بحريا إقليميا ( 22.25 كيلومترا) يضاف إليها 12 ميلا بحريا كونها منطقة متاخمة، إضافة إلى 62 ميلا أخرى منطقة بحرية اقتصادية، وفق الحلبوسي.

الموقف الكويتي

الكويت ملتزمة تماما بقرارات الشرعية الدولية وبالاتفاقات الثنائية، وملتزمة أيضا بتجنب أي تصعيد يتعلق بمسألة ترسيم الحدود البحرية، بحسب حديث الباحث والمحلل السياسي الكويتي عايد المانع، لـ”الحل نت”، والذي يرى بأن “التعاون بين البلدين هو الحل لإنهاء الجدل المُثار حول قضية الترسيم، إذ إن منطقة شمال الكويت يمكن أن تكون ذات بُعد اقتصادي يعود بالمنفعة السياسية والاقتصادية على العراق والكويت”.

التأخير في استكمال عملية ترسيم الحدود لما بعد “العلامة 162” يؤثر على العلاقة الثنائية المشتركة بين البلدين، وسيسبب أزمات جديدة في المستقبل، وهذا الأمر لا يصب في مصلحة البلدين، فكلا البلدين بحاجة إلى حل هذه القضية، فإن كانت الكويت بحاحة لإنهائها، فبغداد بحاجة أكبر لذلك، لأنها بحاجة إلى استقرار سياسي، والكويت من أول الداعمين لها في ذلك، بحسب تعبيره.

تأخير حسم الموقف، سيكون مُضر وبالذات على الجانب العراقي، من وجهة نظر المانع، لأنه المشتكي من مشاكل الصيادين وما شابه، لكن المانع يعتقد، بأن “المشكلة لا تتعلق بوجود صيادين، بل بوجود مهرّبين يعملون بدون علم الحكومة العراقية، وقد أُلقي القبض على عدد من هؤلاء أثناء قيامهم بعمليات تهريب المخدرات، حيث قتل أحدهم وتمت ملاحقة آخرين، وهذا معروف عند الجانب العراقي”، وفق قوله.

“من حق الكويت ألا يسمح بمرور أي زورق أو سفينة خارج نطاق المياه الإقليمية للطرف الآخر، يعني لو دخلت من الجانب الكويتي سفن إلى الجانب العراق دون إذن منه، بالتأكيد هنا سيكون من حق العراق أن يتخذ الإجراءات اللازمة، وتماما في هذا الجانب من حق الكويت أن تتخذ أي إجراءات في حال تسلل أو دخول للمياه الإقليمية الكويتية، دون موافقة السلطات في الكويت”، وفق المانع.

الموقف العراقي

مطالب الكويت بالنسبة للقرارات الدولية انتهت في 27 آذار/مارس 2013 بعد إنجاز المرحلة الثالثة من صيانة الحدود البرية بين الكويت والعراق، وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، وعلى غرار ذلك، انتهت جميع مطالبات الكويت الدولية، وبات ترسيم الحدود المتبقية مسألة ثنائية بين البلدين، بحسب الحلبوسي.

اقرأ أيضا: آلية جديدة لدخول المركبات الكويتية إلى العراق

العراق لديه العديد من الملاحظات والاعتراضات، لا سيما أن الكويت تتصرّف دون استشارة العراق، وأنها أنشأت بعض المحطات؛ مثل “فشت العيج” و”الكايد” التي تعدّها طبيعية، وهو ما يرفضه العراق؛ وفق الحلبوسي، لأن أي مهندس حدودي لا يمكنه القبول بهذه المحطات، ومن يقبل بها من الجانب العراقي سيفرّط بالمصالح الوطنية، وفق تعبيره.

الكويت بدأت أيضا، بطلب ترسيم الحدود بعد “العلامة 162 “بعد أن أكملت طريق عمل غير مشروع، وفق الحلبوسي، حيث أنشأت جسور اصطناعية، وأدعت أنها جزر طبيعية، تكونت جراء الرمال التي يجرفها شط العرب، حيث أصبحت قريبة على جزيرة “بوبيان”.

 ترسيم للحدود بعد “العلامة 162” بدون تنسيق كامل مع الحكومة العراقية، برأي الحلبوسي، هو ضرر كبير جدا على العراق، وعلى الشعب العراقي وعلى الأرض العراقية وعلى المياه العراقية أيضا، لأن أصل هذا كله بُني على خطأ، وهناك أخطاء تراكمت وأخطاء تعذرت على فرق الأمم المتحدة حلها، وهي مشكلة العلامات البحرية “107، و108، و109، و110″، وأيضا هناك معالم وجزر أخرى تحاول الكويت، أن تنميها وتجعلها طبيعية، هذا كله يؤثر على مستقبل العلاقات بين البلدين، وفق تعبيره.

توتر مستمر

تُعدّ المنطقة الواقعة بعد “العلامة 162” البحرية نقطة خلاف كبيرة بين البلدين، لا سيما مع الخلاف العلني حول منطقة “فشت العيج”، والاعتراض العراقي على التصرفات الكويتية.

في آب/أغسطس 2019، وجّه العراق شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة اعترض فيها على إنشاء الكويت منصة بحرية في “فشت العيج”، وهي مساحة من الأرض تقع بعد “النقطة 162″، بحسب موقع “الجزيرة نت”.

بينما ترى الكويت أن “فشت العيج” واقعة ضمن سيادتها، في الوقت الذي يؤكد العراق أن خطوة الكويت تُحدث تغييرا في الحدود البحرية، قبل التوصّل إلى اتفاق يفضي لترسيم الحدود كاملة، وهو ما يؤكّده الحلبوسي أن “فشت العيج” و”الكايد” ليست من صنع الطبيعية؛ وإنما صناعية افتعلتها الكويت، حسب وصفه.

مراقبون يرون بأن التأخر في حل قضية ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت، قد يكون له آثار سلبية في ضياع فرص اقتصادية كثيرة على البلدين، وخاصة بالنسبة لبغداد التي تحتاج إعادة إعمار والكثير من المشاريع التنموية المرتبطة بحياة المواطن العراقي، وأن الإسراع في عملية انتهاء الترسيم، سيكون خطوة مهمة لما يعود بفوائد على كلا الجانبين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.