الحزب “الشيوعي” الصيني، يبدو أنه تراجع مؤخرا عن فكرة إنشاء قطب عالمي موازي لقطب الولايات المتحدة الأميركية، والاتجاه مجددا للاهتمام بالاقتصاد الصيني، للعودة وجعله قوة اقتصادية كبيرة في الساحة الاقتصادية الدولية.

نتيجة ما حصل من تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا، والتوجه الدولي لعزل روسيا، الأمر الذي أدى ببعض الدول كالصين إلى التراجع عن فكرة إنشاء قطب مواجه للولايات المتحدة بالتعاون مع روسيا وإيران، فهل يتوجه الحزب “الشيوعي” إلى النأي بالنفس عن المحور الإيراني الروسي.

حلف ضد واشنطن؟

من ملامح تراجع الصين عن فكرة إنشاء أو الانخراط في حلف لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية خاصة باستخدام الخيارات العسكرية، هو سعيها للتوجه إلى الشرق الأوسط وتعزيز علاقاتها مع الدول الخليجية، لتعزيز الاتفاقيات الاقتصادية.

فالرغبة الصينية يبدو أنها تحولت من توسيع النفوذ العسكرية، إلى التركيز على توسيع النفوذ الاقتصادي، فكانت منطقة الشرق الأوسط الوجهة الأبرز للحكومة الصينية.

تقرير لتلفزيون “ميمري” المهتم بشؤون الشرق الأوسط، أفاد بأن سلسلة الزيارات التي بدأتها الحكومة الصينية إلى الشرق الأوسط وتحديدا إلى دول الخليج، توحي بتغير التوجه الصيني، لا سيما فيما يتعلق بالحلف الذي تحاول روسيا إنشاؤه في العالم.

الرئيس الصيني كان قد توجه إلى المملكة العربية السعودية خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، وبعد أن قابل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، صدر بيان مشترك فيما يخص جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التي تتنازع الإمارات وإيران على ملكيتها.

البيان كان واضحا أنه لا يأخذ وجهة النظر الإيرانية، إذ عبّر عن دعم الصين ودول مجلس التعاون الخليجي لجهود دولة الإمارات لحل النزاع سلميا من خلال المفاوضات الثنائية وفقا للقانون الدولي، وهو أبرز علامة جديد على تعديل بكين لتوجهاتها فيما يتعلق بالتحالف مع روسيا وإيران.

قد يهمك: زيارة أوروبية إلى المغرب.. حل للأزمات أم وصول إلى نقطة “اللاعودة“؟

الباحث السياسي عامر المالكي، رأى أن الدول التي سعت إلى إنشاء قطب آخر في العالم كروسيا والصين فشلت نتيجة بدء الصراع مبكرا، إذ أن معرفة الصين بحقيقة وضعها جعلها تتراجع عن الانخراط والدخول في صراع خاسر، مشيرا إلى أن الرئيس الصيني يسعى مجددا للنهوض والتركيز على وضع البلاد من الناحية الاقتصادية.

أحلام تلاشت

المالكي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “على الرغم من تطور الأحداث عالميا وتصاعد الكثير من القوى، فإن العالم مازال تحت سطوة الذراع الأميركي، وكل أحلام الدول التي كانت تريد تكوين أقطاب أخرى تضاد أو تعاكس القطب الأميركي بدأت تتلاشى خاصة بعد الدرس الأميركي الكبير في أوكرانيا“.

لكن ذلك لا يعني بالتأكيد استبعاد إمكانية ظهور أقطاب أخرى في المستقبل، لكن يبدو أن الحلف الذي سعت روسيا لإنشائه خلال السنوات الماضية في طريقه للزوال، خاصة بعد عملية الغزو الروسي لأوكرانيا، وتراجع الصين عن نواياها المتعلقة بمهاجمة تايوان.

المالكي اعتقد في حواره، أن “أقصى آمال دول مثل الصين وغيرها من القوى حتى تركيا، هي محاولة التفاوض مع أميركا على أكبر قدر من المصالح، هذا بشكل عام أما بشكل خاص حول الصين فإن الصين وعلى حد تصريحاتها فإن عام 2027 هو العام المنشود والذي كانت تطمح فيه للوصول لكمال التجربة الصينية، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهيه سفينة الصين وبدأ الصراع بين الأقطاب باكرا وهو الشيء الذي جعلها تتخوف بشكل كبير، ولذلك تجاوزت عن كثير من الأشياء كالرد على زيارة نانسي بلوسي لتايوان“.

إن معرفة بكين بحقيقة وضعها على الخريطة العالمية، جعلها ربما تتراجع عن الدخول في مواجهة مباشرة محتملة مع واشنطن وحلفائها، وعن ذلك أوضح المالكي أن القوات العسكرية الصينية الحالية، لم تخض تجربة حرب حقيقية، لذلك هي تخشى من أية عواقب إذا ما نشبت حرب حقيقية، بعكس مثلا القوات العسكرية الأميركية، التي خاضت في كثير من المعارك الحقيقة من أفغانستان للعراق والكثير من المعارك الجانبية.

الصين باتجاه الاقتصاد

حول ذلك أضاف المالكي، “أميركا تحاول ترويض الصين دون كسرها، لكي لا يعود بالخراب على العالم كونها مصنع العالم والصين تلقت الرسالة مع وجود مقاومة خفيفة، لذلك تحاول العودة كونها قوة اقتصادية كبيرة والعودة لحلم السيطرة من خلال الاقتصاد لا من خلال التصادم العسكري أو السياسي“.

وحول ملامح هذا التوجه، ختم المالكي حديثه بالقول، “بداية بزيارة الخليج وهي منطقة البترول والغاز لتأمين الطاقة اللازمة لعجلة الاقتصاد والتصنيع، والرئيس الصيني حريص بشدة على إنعاش الاقتصاد الصيني، بعد كثير من الاغلاقات بسبب “كورونا” والتعثر بسبب التناطح مع أميركا. لا بد أن ترى الصين مصالحا حتى ولو كان ذلك في تخفيف التواجد على ساحات الصراع ضد الولايات المتحدة، وواشنطن تدفعها لذلك من أجل أن تجعل روسيا وحيدة في حربها ضد الغرب”.

التوجه الصيني مجددا نحو السباق الاقتصادي العالمي، يبعد بالتأكيد فكرة انخراط الحزب “الشيوعي” الصيني، بقوة بحلف إيران وروسيا وكوريا الشمالية، وهو ما يسعى إليه حاليا الرئيس الصيني شي جين بينغ.

أما فيما يتعلق بالتحالف مع روسيا، فقد أشار تقرير “ميمري“، إلى أن الرئيس الصيني بينغ، على الرغم من إشادته بالعلاقات مع روسيا وقوله في شباط/فبراير من العام الماضي، إن “العلاقة بين روسيا والصين ليس لها حدود، ولا توجد مجالات محظورة للتعاون“، إلا أنه لم يزر روسيا منذ ذلك الوقت.

بين التحالف الغير محدود مع روسيا والتوجه إلى إعادة الصين كقوة اقتصادية على الساحة الدولية، يبدو أن شي جين بينغ، على الرغم من اهتمامه من التحالف الجزئي مع روسيا، يرى أن إنعاش اقتصاد الصين، إلى جانب الاستمرار بأهداف مبادرة “الحزام والطريق“، يمثلان الأولوية الدبلوماسية للحزب “الشيوعي” الصيني.

هذا يفسر بالطبع حرص الرئيس الصيني، على تعزيز العلاقات مع دول الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى وغرب الصين، و”الآسيان” إلى جنوب الصين، ما يعني أن الصين أخير فضلت المسار الاقتصادي على المسار العسكري، قرارا يبدو أنه حُسم بعد تجربة الغزو الروسي لأوكرانيا.

بحسب ما نقلت تقارير صحفية عن الزيارة الصينية للمملكة العربية السعودية، فقد أكد مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي السنوي للحزب “الشيوعي”، الذي عقد في بكين منتصف الشهر الماضي، بعد عودة شي، من زيارته للسعودية، على الحاجة إلى “بذل جهود أكبر لجذب واستخدام الاستثمار الأجنبي، وتعزيز الانفتاح على مستوى عال. ورفع جودة ومستوى التعاون التجاري والاستثماري “.

الصين تأمل كذلك من تعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط وخاصة السعودية، إلى جذب هذه الدول الغنية بالنفط من أجل ضمان تنويع إمدادات الطاقة لديها.

النأي بالنفس الذي تمارسه الصين عن الحلف الروسي الإيراني، سيكون بمثابة ضربة قوية لروسيا، التي تسعى بكافة الطرق لإنشاء حلف لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، لا سيما بعد العزلة التي بدأها الغرب ضد موسكو على خلفية غزو أوكرانيا، كما أنه قد يمثل كذلك فرصة لتقوية الاقتصاد الصيني بطرق سلمية بعيدة عن التهديد بالحرب وغزو الدول بعمليات عسكرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.