في حين يسعى الاتحاد الأوروبي لسد جزء من احتياجاتها من الطاقة عبر إمدادات الغاز القادمة من إفريقيا ومنطقة شرق البحر المتوسط لتعويض واردات الغاز الروسي، على إثر الغزو الأخير لأوكرانيا، يجري على قدم وساق عمليات البحث والتنقيب من قِبل الشركات الدولية في الإقليم.

دولة مصر كانت قد أعلنت أواخر العام الماضي عن اكتشاف حقل غاز جديد في البحر المتوسط ​​وأنه في مرحلة التقييم الآن لتأكيد حجم الكشف، وهو حقل “النرجس” ويأتي بعد حقل “ظهر” من حيث الأهمية. وقبل أيام معدودة حققت شركتا “إيني” الإيطالية، و”شيفرون” الأميركية، كشفا جديدا للغاز الطبيعي قبالة السواحل المصرية في شرق البحر المتوسط، بحسب ما أعلنت الشركتان في بيانين منفصلين.

من هنا يجدر طرح عدة تساؤلات حول الفرص المتاحة للحكومة المصرية لدعم ومضاعفة صادراتها من الطاقة إلى أوروبا للاستفادة من حاجة القارة العجوز المُلحّة للطاقة، بعد اضطراب العلاقات مع روسيا، واحتمال توجه شركات الطاقة للتوسع في عمليات التنقيب عن الغاز في مصر وتبعات ذلك على المنطقة ككل، وما إذا كان سيتمكن الاتحاد الأوروبي من الحصول على احتياجاته من الطاقة من دول شمال إفريقيا بعد إيقاف الغاز الروسي.

فوائد استراتيجية بعيدة المدى

الكشف الجديد للشركتَين الأجنبيتَين يقعان في البئر الاستكشافية “النرجس” في منطقة امتياز النرجس البحرية الواقعة قبالة سواحل شمال سيناء بمصر، ويتوزع هيكل ملكية منطقة الامتياز بواقع 45 بالمئة لشركة “شيفرون” ومثلها لعملاق الطاقة الإيطالي “إيني”، فيما تمتلك شركة “ثروة” للبترول المملوكة لوزارة البترول والثروة المعدنية في مصر، الحصة المتبقية البالغة نحو 10 بالمئة.

الشركتان وصفتا الكشف بـ”المهم”، من دون أي تفاصيل حول حجم الاحتياطات المتوقعة. ويجري حاليا تقييم حجم المخزون من الغاز الطبيعي في حقل “نرجس”، وفقا لما قاله المتحدث باسم وزارة البترول، حمدي عبدالعزيز، مشيرا إلى أن هذا الكشف الأول لشركة “شيفرون” منذ أن دخلت السوق المصرية في 2020.

في الوقت نفسه، كان موقع “إم إي إي إس”، قد كشف في تقرير له الشهر الماضي عن أن شركة “شيفرون” اكتشفت حقلا للغاز الطبيعي في منطقة امتياز “نرجس” البحرية أيضا، باحتياطيات تصل إلى 3.5 تريليون قدم مكعبة من الغاز.

كما ذكر موقع “أبستريم أونلاين”، أن حقل “نرجس” التابع لشركة “شيفرون” لديه احتياطات بنحو 3.5 تريليون قدم مكعبة من الغاز، بينما تستهدف “إيني” أكبر من ذلك، حيث تعمل على التنقيب عن 11 تريليون قدم مكعبة بمنطقة الثريا في منطقة الامتياز التي يمكن أن تشكل امتدادا لحقل “نرجس” التابع لـ”شيفرون”، وفق تقارير صحفية.

ضمن هذا الإطار، قال الدكتور أمين سلامة، عضو “المجلس المصري للشؤون الخارجية”، إن أزمة الغاز الأوروبية قد توفر لمصر فوائد استراتيجية بعيدة المدى، في ظل إطلاق الاتحاد الأوروبي خطة لزيادة الاعتماد على الغاز الطبيعي خارج المصدر الرئيسي؛ روسيا، إلى دول الاتحاد.

قد يهمك: سعار الغاز في أوروبا إلى مستويات ما قبل الغزو.. بوتين خسر حرب الشتاء؟

سلامة أردف لموقع “الحل نت”، يمكن للحرب الأوكرانية الروسية حامية الوطيس والتصاعد الدراماتيكي في العمليات العسكرية، استشرافا لأشهر الربيع في أوكرانيا أن تجعل من مصر من أحد كبار المصدّرين للاتحاد الأوروبي المحتاجة احتياجا شديدا للطاقة، لم تشده حتى أثناء الحربَين العالميتين؛ الأولى والثانية.

توسيع عمليات التنقيب

العضو في “المجلس المصري للشؤون الخارجية” يقول إن إمكانية أن تصبح مصر من أبرز مصدّري الطاقة إلى أوروبا يعتمد أيضا على قدرة الحكومة المصرية، وتحديدا وزارتي الطاقة والغاز، على مضاعفة إنتاج الغاز الطبيعي. وكذلك لتصدير الغاز المسال مباشرة إلى أوروبا.

إن الاكتشافات الأخيرة التي تمت في كانون الثاني/يناير الجاري، فضلا عن توقيع المزيد من العقود مع الشركات العملاقة والرائدة، بما في ذلك وليس حصرا ولكن تدليلا، شركة “إيني” الإيطالية، إلى جانب تنفيذ برامج أكثر إبداعا وكفاءة لتعظيم كفاءة قيمة فائض الطاقة، كل ذلك يزيد من الرصيد الضخم الحالي لمصر لتصبح من أكبر مصدّري الطاقة لأوروبا، وفق سلامة.

الجدير بالذكر أن احتياطيات الغاز بحقل “ظهر” العملاق التابع لشركة “إيني” تبلغ نحو 30 تريليون قدم مكعبة، وفق ما ذكرته نشرة “إنتربرايز”. وفي بيانها، أكدت شركة “إيني”، التركيز على الحقول البحرية في مصر، والتي تستهدف المُضي قدما في تطويرها بعد منحها أخيرا مناطق استكشاف شمال رفح، وشمال الفيروز، وشمال شرقي العريش، وطيبة، وبيلاتريكس سيتي شرق.

هذا وتعمل عملاق النفط الإيطالي في الوقت الحالي على بيع حصص في عدد من الامتيازات المنتجة في الصحراء الغربية، مع تكثيف أنشطة الاستكشاف في المنطقة. وتتطلع “شيفرون” أيضا إلى توسيع عمليات الاستكشاف في مصر، بعد أن عززت وجودها في قطاع الطاقة في شرق المتوسط بالاستحواذ على 40 بالمئة من حقل “ليفياثان” للغاز، و25 بالمئة من حقل “تمار” للغاز في إسرائيل.

تعزيز التصدير لأوروبا

عضو “المجلس المصري للشؤون الخارجية”، أضاف أنه تجدر الإشارة أيضا إلى مذكرة التفاهم الثلاثية التي أُبرمت بين مصر وإسرائيل والمفوضية الأوروبية، في حزيران/يونيو 2022، بشأن توريد الغاز الإسرائيلي عبر محطات الغاز الطبيعي المسال المصرية إلى الاتحاد الأوروبي. وبالمثل، لا ينبغي إغفال أن مصر استأنفت تصدير الغاز الطبيعي المسال من محطة “إدكو” في أواخر عام 2018 ومن مصنع “دمياط” منذ عام 2021.

مصر صدّرت من خلال محطة إسالة الغاز في “إدكو” نحو 20 شحنة غاز مسال، تقدر بـ 1.3 مليون طن، منذ بداية العام الماضي وحتى منتصف شهر أيار/مايو لنفس العام، وتتركز معظمها في أسواق أوروبا وآسيا، بحسب شركة “شل”، والتي أكدت على أن الشركة تدعم جهود مصر الرامية للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، وفق تقرير لـ”الشرق“.

هذا وتبلغ الطاقة الإنتاجية لمجمع ” إدكو” نحو 7.2 مليون طن في العام، فيما يصل إجمالي القدرة الإنتاجية لمصنعي الإسالة بـ”إدكو” ودمياط مجتمعين إلى 12 مليون طن سنويا.

شركة “شل” المصرية، قررت تركيز أعمالها في المناطق البحرية والتخارج من المناطق البرية في مصر، بما يتسق مع استراتيجية النمو التي تنتهجها الشركة، كما وصدرت مصر نحو 2.1 مليون طن، في الربع الرابع من العام 2021، بحسب “منظمة الأقطار العربية” المصدّرة للبترول “أوابك”.

في الأثناء، تتطلع “إيني” و”شيفرون” إلى الاستثمار في البنية التحتية للطاقة في مصر، إذ تعهدت شركة “إيني”، التي تمتلك نحو 50 بالمئة من محطة إسالة الغاز الطبيعي في دمياط وتسهم بنحو 60 بالمئة من إنتاج الغاز في البلاد، بالاستثمار في مشاريع للغاز الطبيعي المسال في عدد من دول المنطقة، من بينها مصر، ضمن جهودها لتعزيز صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.

كذلك، وقّعت “الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية” (إيجاس) مذكرة تفاهم مع شركة “شيفرون” للتعاون في أنشطة نقل واستيراد وإسالة وتصدير غاز شرق المتوسط عبر مصر، ويمكن لتلك الاستثمارات أن تعزز إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي، والذي تراجع في الأشهر الأخيرة من المستوى القياسي عند 7.2 مليار قدم مكعبة يوميا في أيلول/سبتمبر 2021، إلى 6.5 مليار قدم مكعبة يوميا في الربع الثالث من عام 2022 الماضي.

قد يهمك: تقارب تفوح منه رائحة الطاقة.. إيطاليا والجزائر إلى حوار استراتيجي؟

أيضا، يجري العمل حاليا لتحديد حجم حقل الغاز الجديد الذي تم اكتشافه في منطقة الامتياز التابعة لشركة “وينترشال ديا” الألمانية في شرق دمنهور بدلتا النيل، بالشراكة مع “شيفرون إنرجي” وشركاء آخرين، بحسب المتحدث باسم وزارة البترول المصرية.

تصدير الكهرباء أيضا؟

الحكومة المصرية، نجحت في تشغيل مجمعي “إدكو” و”دمياط” خلال الربع الرابع من العام الماضي بكامل طاقتهما التصميمية البالغة 1.6 مليار قدم مكعب في اليوم، مستغلة الفائض عن الاستهلاك المحلي بسبب تراجع الطلب على الكهرباء في فصل الشتاء، ومستفيدة من ارتفاع الأسعار الفورية في الأسواق العالمية.

بالعودة إلى الدكتور أيمن سلامة، الذي أضاف أن أمر تصدير الطاقة لا يتوقف فقط على الغاز الطبيعي، ولكن أيضا فائض الكهرباء لدى مصر، الذي يمكن أن يسمح لها وفق الخبراء المختصين، بتصدير هذا الفائض إلى الدول الأوروبية.

كذلك، من المؤكد أنه سيكون هناك منافسة شديدة بين مصر وأحد كبار البدائل لتصدير الغاز إلى أوروبا، بدلا عن روسيا، سواء كانت قطر أو سلطنة عُمان أو النرويج أو الجزائر وغيرها من الدول. أيضا بالإشارة إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجهها مصر، فإن قدرة سوق الغاز الطبيعي المصري، يمكن أن تساعد في تخفيف الأزمة الطاقية الأوروبية، وبالتالي تحقيق مكاسب مصرية، من حيث تعزيز دورها ومكانتها في أوروبا كمصدّر كبير للغاز الطبيعي المسال، إلى جانب تحقيق هامش ربح كبير، بحيث يشكل خيارا واقعيا وعمليا للحكومة المصرية لمجابهة الأزمة الاقتصادية الدائرة في البلاد. وأيضا هذا سيخفف من عبء أزمة أوروبا فيما يخص منتجات الطاقة وانخفاض أسعارها، وفق سلامة.

حجم صادرات مصر من الغاز ارتفع بنسبة 14 بالمئة إلى ثمانية ملايين طن العام الماضي، 90 بالمئة منها جرى تصديرها إلى أوروبا.

مما لا شك فيه أن أسعار الغاز المرتفعة في أوروبا خاصة بعد الأزمة الروسية الأوكرانية أدت إلى تحويلها كوجهة مسيطرة بالنسبة للغاز المصري الطبيعي المسال، والتي كانت تهيمن عليها تاريخيا آسيا.

إجمالا، تواصل الحكومة المصرية مساعيها إلى تعزيز صادراتها من الغاز الطبيعي في الوقت الذي يبحث فيه الاتحاد الأوروبي عن مورّدين جدد لسد الفجوة التي خلّفها فقدان الغاز الروسي، لا سيما وأن مصر تخطط بكامل جهودها لتشغيل محطات إسالة الغاز الطبيعي هذا العام بكامل طاقاتها، كي تصل صادرات الغاز المسال إلى طاقتها القصوى لنحو 12 مليون طن سنويا في السنوات الثلاث المقبلة. وتعمل مصر على ترشيد الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي، والتحول إلى مصادر أخرى من الطاقة، من أجل توجيه مزيد من الغاز إلى التصدير، بما يحقق لها العديد من المكاسب، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي.

بالتالي من المتوقع أن تحصل أسواق أوروبا على نصيب كبير من صادرات الغاز المصرية خلال الفترة المقبلة، نظرا لتزايد احتياجات الدول الأوروبية من الغاز بعد أزمة الطاقة التي شهدتها نتيجة لتوقف إمدادات الطاقة الروسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.