يستند أساس التصنيف الكوميدي إلى جذره المسرحي الذي يستخدم في السينما والدراما التلفزيونية، حيث يمكن الحديث عن كوميديا الفارس، وكوميديا الفودفيل، وكوميديا السلوك أو العادات، وكوميديا الشخصيات الاجتماعية التي يوضحها الناقد محمد منصور في كتابة “الكوميديا في السينما العربية.. رؤية نقدية تاريخية” الصادر عن سلسلة الفن السابع في عام 2003 بدمشق. 

منصور في منشورات وزارة الثقافة السورية، ذكر أنها تتناول مفارقات الحياة الاجتماعية في إطارها العام، من دون أن تركز على طبقة معينة. أما الكوميديا الشعبية، فهي لا تتخذ من أجواء الحياة الشعبية ونماذجها وشخصياتها مادة لها وحسب، وإنما تسعى لإيجاد التعبير الكوميدي الذي يتناسب مع هذه الأجواء على صعيد اللغة أو شبكة العلاقات. بينما الكوميديا السياسية تكون في إطار اجتماعي وإنساني مشكلة سياسية ما، مركزة على التشابك بين السياسي والإنساني في قالب التحليل النقدي.

الفساد الإداري الوظيفي في الكوميديا السورية

غالباً ما تعرض السينما والدراما شخصيات منمطة من الفاسدين ومن أوائل هذه الشخصيات التاجر المحتكر أو الذي يتعامل بالربى أو المستغل، أو بعض أصحاب النفوذ، أو الشخصيات التي تعمل على إيذاء مصالح الوطن عبر الإغراء الأجنبي بتهريب الآثار، المخدرات، أو المرأة في سلوكها الشاذ، لكن الصورة الأوضح في الكثير من الدراما والسينما تتجلى في فساد شخصية المدير العام، فهو مدير عام المؤسسة غير مسماة، أو محدودة الأعمال الذي هو إما نهب المال العام أو التكسب من الوظيفة.

لكن في مثالنا العياني، العمل الدرامي “يوميات مدير عام” في جزئيه، الأول من تأليف زياد الريس، وإخراج هشام شربتجي، والثاني من تأليف خالد حيدر، وإخراج زهير قنوع، نقيض حالة الفساد العامة، وهذه تحسب للكاتب زياد الريس، حيث المدير العام شخصية شريفة أيمن زيدان “الدكتور أحمد عبد الحق”، غير مرتشية تعمل على معالجة قضايا الفساد الإداري والوظيفي في مديرية من مديريات العمل الوظيفي من خلال توضيح سبل الفساد المرتبط بالموظفين الصغار والكبار بالمديرية.

من أبرز شخصيات الموظفين المرتشية “أبو زاهر” بالمواد العينية من مكدوس وزيتون إلى صابون الغار الحلبي، والحلويات الحموية والحمصية، وعندما يمنعه المدير العام من الرشوة العينية ينتقل إلى الرشوة المالية “البقشيش” أو الإكرامية 10 ليرات سورية.

وعند سؤاله من المدير العام لماذا الرشوة، يقول: أن أسرته كبيرة ثمانية أفراد وهو وأمهم، ويضيف المدير: أليس العدد كبير؟!، فيرد أبو زاهر: “الكهرباء تقطع في البلد كثيراً”. ولا يقدم المدير “أبو زاهر” إلى محكمة، إنما يكتفي بنقله إلى غرفة فيها “أبو شريف” الراحل بسام لطفي لكي يمنعه من أخذ الرشوة.

المدير العام يكشف شخصية المدير الفرعي المدعوم “أكرم” عارف الطويل، أحد الفاسدين الكبار والمدعومة الذي يرتشي بعشرات الألوف ويسرق، ويقدمه تسجيلات صوتيه بالرشوة على أشرطة كاسيت من خلال شخصية عامل البوفيه “بهجت” الذي انتحلها أيمن زيدان، ويساعده في التسجيلات صديقه المخرج الدرامي زهير عبد الكريم بشخصية “وحيد”، بينما لم يقدم من مديريته أي موظف مرتشي، وحتى نائب المدير العام الراحل خالد تاجا لم يثبت عليه شيئاً، ويبقى حتى يحال إلى التقاعد في الجزء الثاني من العمل بينما “أكرم” يذهب إلى السجن ويفصل من العمل. 

الكاتب خالد حيدر في الجزء الثاني يعمق من توظيف شخصية مشابهة لشخصية “بهجت” بـ “مستو” مستخدم في المرآب الذي يلعب دوراً كبيراً في كشف عمليات التلاعب الذي يقوم بها مدير المرآب “وليد” لجرجس جبارة، حيث يكون قد ضمن أكثر من سيارة من سيارات المديرية إلى الموظفين منها سيارة لنقل الخضار والفواكه، وسيارة تكسي تعمل سيارة أجرة عمومي، يعزله المدير العام، ويعين مهندس مكانه، لكنه ينسق مع “عماد” لنضال نجم نائب المدير العام. فتكون النتيجة مخيبة للمدير العام.

الفارق النوعي في سيناريو حيدر إدخال قضية بيع الموبايلات في إحدى غرف المديرية من قبل”أيمن” لأيمن عبد السلام، أثناء الدوام الرسمي، ويسرق أحد المراجعين موبايل، ويشاهده المدير العام بسبب مساعده في تيسير معاملته، ويستعيد الموبايل منه، ويعيده لأيمن ويطلب منه عدم البيع بالمديرية، حتى نجده لاحقاً مع “الطحش” المدير العام نفسه في نفق جسر الثورة يبيع الموبايلات، و”الطحش” يبيع قطع كومبيوتر مستعملة، لأمين مستودع المديرية فوزي بشارة الفساد، ويبلغ عنهم الشرطة، بينما يطلب “أبو أكرم” للفنان حسام تحسين بيك رشوة 500 ليرة من المدير العام المتنكر، ويقدمها له ويقتسمها مع زميله نزار أبو حجر، إلا أن المدير العام يطلبه على الإدارة، ويمنعه من أخذ رشوة، ويطلب منه المبلغ ويعيدها إليه قائلاً : إنه “تقاسمها مع زميله، فيطلبها منه، وهنا يطالبه أبو أكرم أن يطلب من الحكومة إيقاف رفع الأسعار، وزيادة الرواتب لكي يستطيع الموظف الاستمرار في الحياة”. 

رغم كل الحرص الظاهر الذي عمل عليه المدير العام مع أخته، فاتن شاهين، وابنها أدهم مرشد “نضال”، لكي لا يدخل ابنها نادي الفاسدين إلا أنه يدخله بقوة من خلال السرقات الدائمة لمواد لبناء الإسمنت، والحديد التي كان يشاركه بها رئيس ورشة في المشروع الذي يشرف عليه طارق عبد الحق لنجده في مقدمة المتهمين في قضية انهيار الأبنية في المشروع.

ويذهب إلى مديرية الريف متنكراً بزي عامل نظافة، ينجح في البداية مع الموظفين العاديين ويكشف رشوة تحويل الوحدات عبر الموبايل إلى هاتف الموظف الذي يبيعها يومياً لجاره. لكنه يفشل مع مدير مديرية الريف حسن دكاك، الذي كشفه من خلال كاميرات المراقبة المنتشرة في كافة أرجاء البناء. 

أما الجانب الأخطر في قضايا الفساد في الجزء الثاني هو فساد بعض القضاة وبعض المحامين، إذ إن زوج القاضية “مها عبد الحق” ابن خالتها المحامي وائل أبو غزالة يلعب دوراً مهماً في تثبيت هذا الخط، منها محاولة أبعاد زوجته عن قضية موكله الفساد ذو النفوذ المتعود ونتيجة عدم رغبتها في الابتعاد، وإحساسها بالمسؤولية تجاه عملها ترفض تلقي رشوة بلغت 70 مليون ليرة من أجل الإفراج عن مجرم آخر، يقع الطلاق بينهما.

الفساد السياسي الكوميدي

 حادثة طرد محمود الزعبي رئيس مجلس الوزراء السوري السابق، من صفوف حزب “البعث العربي الاشتراكي” الحاكم في سوريا بقيت الحادثة الأولى، وتم وضعه في الإقامة الجبرية في منزله، والحجز المؤقت على أملاكه، تمهيداً لتقديمه للمحاكمة.

بينما في العمل الدرامي “الفرسان الثلاثة” الذي كتبه محمود الجعفوري، وأخرجه علي المؤذن، نجد حزب “الشباب للتجديد والمعاصرة” المعارض يعمل بشكل مباشر ضد الفساد، بينما الفساد الحزبي ينخر صفوفه، فالأمين العام “أبو ناهي”، مازال في منصبه كأمين عام منذ أكتر من خمسين سنة، حضر نكبه العام 1948، ونكسة حرب حزيران/يونيو عام 1967، واحتلال لبنان ودخول بيروت في العام 1982، ويطالب الحزب بتفجير الطاقات الشبابية وتجديد ذاته.

لكن النقطة الأهم التي يطالب بها في كل اجتماع هي تسديد الاشتراكات الشهرية للرفاق، وحتى عندما يعتقل “عواد” خوشناف ظاظا، المساعد في الأمن، “أبو عماد” أيمن زيدان من المنبر الخطابي يطالبه “أبو ناهي” بدفع اشتراكاته دون أن يهتز جفنه، وكأن المعتقل من حزب الجيران وليس من حزبهم، ويأتي الاعتقال على خليفة خطابه: “نموت من الجوع ونركض وراء قنينة الغاز، والزيت، والإبعاد من الدعم، عن طريق البطاقة الذكية، يجب تفعيل المنظومات مكافحة الفساد، ويجب الوقوف في وجه الإمبريالية والاستعمار”.

عندما يصل خبر الاعتقال إلى زوجته “إيمان” شكران مرتجى، تذهب إلى بيت”أبو زيزنون” عماد أبو الشامات الذي يتصل برئيس الفرع، “أبو كفاح” فيخرجه، ويخاطبه قائلاً: “أن ما قدمته من نقد ذاتي، ولم يتعودوا عليه”.

الفساد السياسي الحزبي يظهر عندما يلتقي “أبو عبدو” حسام عيد، رئيس هيئة الإنقاذ لحزب “الشباب للتجديد والمعاصرة” أبو عماد ويخططان من أجل عقد المؤتمر التأسيسي لهيئة الإنقاذ بعضوية أولاد أبو عماد، وهم “زينة وعماد”، ويرغب أبو عبدو بيتنسيب سعيد، ويرفض أبو عماد بشدة. 

من أكبر نقاط فساد الأحزاب السياسية وجود عائلات بكاملها فيها، فالكثير من قيادات الأحزاب تعد أبناءها وزوجات المنتسبين في صفوفها. 

“مرهف” الذي يؤدي شخصيته جمال العلي، يذهب إلى هيئة الإنقاذ وينشق عنها، ويعود إلى حزب “أبو ناهي” ويشارك المفاوضات بين أبو ناهي وأبو عماد وأبو عبدو من أجل لحمة ووحدة الحزب.

ويُعدُّ لمؤتمر صلح حزبي من قبل “أبو عماد” و”أبو عزيز” جرجس جبارة، وينقل “أبو عبدو” الصراع إلى داخل بيت “أبو ناهي” عندما يرشح زوجته الرفيقة “رحاب” لقيادة الحزب، لكن الأخيرة تعمل لحسابها إذ إنها تستقطب قواعد الحزب من الطرفين “أبو عبدو وأبو ناهي”، وفي اجتماع خاص بهيئة الإنقاذ بحضور الثلاثي يقيّم “أبو ناهي” بأنه انتهازي ووصولي، ولا يهمه غير الاستمرار في الأمانة العامة للحزب، وعاد إلى رحاب، وعقد اتفاق معها من أجل استمراره في الأمانة تحت عنوان وحدة الحزب، والعودة إلى حياتهم الزوجية والطبيعية وهذا لا يستمر طويلاً، لأن رحاب عملت على استقطاب كافه قواعد الحزب، بينما “أبو ناهي وأبو عبدو” ينتظرون حلولاً في السماء، وغير ذلك يطلب “أبو ناهي” من “أبو عبدو” أن يبقى رئيس فخري للحزب، أو رئيس مجلس الإنقاذ الفخري.

رحاب تعلن حالة الطوارئ في الحزب من أجل عدم منح “أبو ناهي” فرصة لحل الحزب، هذا الصراع الحزبي يتفاقم في زمن وجود “أبو عماد” في السجن، وعمل مرهف على إخراجه عن طريق صديقه المحامي واعتماده على حسن تصرف “أبو عزيز”، وما فعله “أبو عماد” قبل دخوله السجن في كتابه مذكرة فقدان الدواليب، وتسجيلها في الديوان. ومن جديد يمكن تسجيل عدم اهتمام قيادة الحزب باعتقالات رفاقهم خصيصاً الثلاثي “أبو ناهي وأبو عبدو ورحاب”.

مع اقتراب تقاعد أبو عماد وأبو عزيز ومرهف، يشكلون نقابة المتقاعدين الأحرار بعيداً عن حزب “الشباب”، وبذلك يفتتحون مرحلة جديدة في مقاومة الفساد، التي تبدأ بمهاجمة رئيس قسمهم بسبب الإتاوات التي كان يفرضها على الموظفين، يحتجزونه في بيته، ولا يعفوا عنه إلا عندما ينضم إليهم في مقاومة وفضح الفساد والانتقام بالطرق القانونية من كل الفاسدين الذين سرقوا منهم جهدهم وأعمارهم، يتفق الجميع على ذلك باستثناء مجموعة تنشق عنهم بحجة أن الحق لا يمكن استرجاعه ضمن منظومة القوانين، فيشكلون عصابة المتقاعدين الأشاوس ويبدؤون رحلتهم بالانتقام بطرق مغايرة تقوم على أساس الخطف والابتزاز. 

إن مرحلة الفساد الإداري والوظيفي في الكوميديا السورية احتاجت لوجود البطل النجم الذي يحقق الحل الفردي، يتلاعب ويتورط في الحضور لمكافحة الفساد، ويدين المجتمع ووحوش الفساد في دوامة الاستهلاك وفساد القيم، وهذا ما وجدناه في “يوميات مدير عام”، وكذلك عند أيمن زيدان في مسرحية راجعين التي قدمها على مسرح الحمراء بدمشق في العام 2010 من اقتباسه وإخراجه.

 أمّا في العمل الدرامي “الفرسان الثلاثة” الفساد السياسي يبلغ ذروته من خلال فساد الحزب السياسي المعارض، فكيف يكون حزب السلطة، وهذا ما احتاج حل في خارج الصندوق السياسي الحزبي عبر نقابة المتقاعدين الأحرار التي تقدمت لتأخذ العديد من قضايا الفساد بيديها بعيداً عن التشكيل الحزبي الهرمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.