التقارب السعودي الإيراني، الذي أُعلن عنه منذ يومين، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، والذي توسطت فيه الصين بعد محادثات لم يعلن عنها من قَبل في بكين بين كبار مسؤولي الأمن من البلدين، أثار تساؤلات عدة حول مصير المشاورات بين السعودية و”جماعة الحوثي” اليمنية المدعومة إيرانيا، والجارية في مسقط برعاية عُمانية، عقب هذا التطور.

سياسيون يمنيون، يرون بأن الاتفاق السعودي الإيراني سيكون له تأثير على الملف اليمني والوضع العام والحرب الدائرة في البلاد منذ ثماني سنوات بين القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا و”الحوثيين”، كما يمكن أن يعيد الاستقرار إلى المنطقة. أيضا توالت ردود أفعال وبيانات داعمة عقب الإعلان عن توجه الرياض وطهران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، حيث تؤكد جميعها على أهمية خفض التصعيد وتعزيز الدبلوماسية في عموم الشرق الأوسط.

الاتفاق وقّعه كلّا من علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ومساعد بن محمد العيبان، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني السعودي، الجمعة الماضي، واتفق خلاله البلدان على إعادة تفعيل اتفاقية للتعاون الأمني التي تعود لعام 2001، بالإضافة إلى اتفاقية أخرى سابقة للتجارة والاقتصاد والاستثمار.

السعودية قطعت العلاقات مع إيران في عام 2016، بعد اقتحام سفارتها بطهران إثر خلاف بين البلدين بشأن إعدام الرياض لرجل دين شيعي، كما أنها جاءت بعد عام على بدء العمليات العسكرية من “التحالف العربي” بقيادة السعودية ضد “الحوثيين” في اليمن.

تأثير الاتفاق على الملف اليمني

أبرز الملفات التي سيطالها التأثير من التقارب السعودي الإيراني، هو “الملف اليمني”، حيث تُعتبر السعودية وإيران أبرز قوتين إقليميَتين في المنطقة، ولكنهما على طرفي نقيض في العديد من الملفات، إذ تبدي الرياض قلقها من نفوذ طهران الإقليمي وتتهمها بـ”التدخل” في دول عربية مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن، ناهيك عن المخاوف من برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية، بحسب موقع “قناة الحرة” الأميركية.

البلدان اتفقا في المحادثات، التي أُجريت بين 6 و10 آذار/مارس الجاري، على “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”، من جانبها رحبت الحكومة اليمنية بالاتفاق مؤكدة على إيمانها بـ”الحوار وحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية والوسائل السلمية”.

قد يهمك: التقارب السعودي الإيراني.. خطوة في تغيير توازنات المنطقة؟

الحكومة اليمنية قالت في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية “سبأ”، إن “موقفها يعتمد على أساس الأفعال والممارسات لا الأقوال، والادعاءات، ولذلك ستستمر في التعامل الحذر تجاه النظام الإيراني حتى ترى تغيّرا حقيقيا في سلوكه، وسياساته التخريبية في اليمن والمنطقة”. وتأمل أن يقود الاتفاق بين الرياض وطهران إلى مرحلة جديدة من العلاقات في المنطقة، بدءا بكف إيران عن التدخل في الشؤون اليمنية، وألّا تكون موافقتها على هذا الاتفاق نتيجة للأوضاع الداخلية والضغوط الدولية التي تواجه النظام الإيراني.

التقارب الإيراني السعودي في مرحلته الأولى، بحسب حديث المحلل السياسي اليمني محمود الطاهر لـ”الحل نت”، ولا يمكن الجزم بأن هذا التقارب سوف يؤثر على الملف اليمني، لأن العلاقات السعودية الإيرانية كانت في أوجها في 2015 وتم خلالها إنشاء “تحالف عربي” بقيادة الرياض للدفاع عن الشرعية اليمنية، وطهران آنذاك كانت تتمتع بعلاقات قوية مع السعودية والحكومة اليمنية، لكنها كانت تقوم بدعم الميليشيات “الحوثية”.

لا يمكن أن نشاهد خلال الفترة القادمة توحّدا في وجهات النظر بين الرياض وطهران بشأن الملف اليمني، من وجهة نظر الطاهر، الذي زاد بالقول بأن “هناك تعهد من قبل إيران بمنع أي اعتداء على السعودية أو قصفها بالطيران المسيّر أو الصواريخ البالستية من قبل جماعة الحوثي”.

وعود متبادلة

“الملف اليمني استحوذ على أكبر مساحة من النقاش الثنائي بين السعودية وإيران، حيث تم الاتفاق على تفاهمات اتخذت بالأساس طابع وعودٍ متبادلة، هذه التفاهمات لم ترتقِ إلى مستوى اتفاق ثنائي لحل الأزمة اليمنية، وإنما آليات مرحلية للتحضير لعملية سياسية في البلد”، وذلك وفق ما نقله موقع “العربي الجديد” عن مصادر على دراية بطبيعة الحوار الإيراني السعودي في بكين.

المصادر تحدثت أيضا بأن “الجانبين اتفقا على دفع الوضع قريبا نحو الهدنة لفترة أطول مما كانت عليه سابقا، بما يخلق أجواء إيجابية ويساعد في إطلاق العملية السياسية من خلال مسار تفاوضي بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وحكومة صنعاء غير المعترف بها دوليا”. وتشير المصادر إلى أن الجانب الإيراني وعد السعودية، بطلب صيني، بأنه سيحثّ “الحوثيين” على وقف استهداف الأراضي السعودية ومنشآتها.

في المقابل طلب من السعودية إنهاء الحصار على صنعاء. مع العلم أن الهجمات الحوثية على الأراضي السعودية تراجعت منذ العام الماضي، وسُجل آخرها في شهر آذار/مارس 2022، أي قبل وقت قصير من التوصل إلى الهدنة في 2 نيسان/أبريل 2022، والتي على الرغم من انتهاء تمديدها إلا أنها لا تزال سارية ضمنيا.

الجانب السعودي ربط إنهاء الحصار بالكامل بالتوصل إلى “حل نهائي” للأزمة اليمنية، واعدا بأنه سيسعى إلى تخفيفه “بشكل كبير” إذا تم التوصل إلى هدنة طويلة الأمد في المباحثات التي سيتم التحضير لها، وأن زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، إلى سلطنة عُمان، الأحد الفائت، والتي التقى خلالها وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي ونائبه الشيخ خليفة الحارثي، لها علاقة بـ”التفاهمات” في بكين بشأن الأزمة اليمنية، لمتابعتها مع المسؤولين العُمانيين. بحسب المصادر نفسها.

من جانبه يقول المحلل السياسي محمود الطاهر، بأنه من خلال ما ستنتج عنه هذه المفاوضات، ربما قد نحاول أن نقرأ ما يمكن أي يثمر بعد ذلك، وكيف سيكون وضع “الحوثي” الذي عوّد الجميع على عدم الالتزام بأي اتفاقات محلية أو إقليمية أو دولية. هل سيبقى متعنّتا في عدائه للشعب اليمني أم سيغير من وجهة نظره أو سيغير من طريقة تعامله مع إيران، لأن هناك دعم إيراني غير محدود لـ “الحوثيين” وعلى الملأ قد يتحول هذا الدعم إلى سري. والهدف من ذلك هو أن إيران تريد أن تبقى قوة إقليمية كبرى في المنطقة وتسيطر على منابع النفط.

فيما يخص الأزمة السياسية، يرى الطاهر، بأن هناك ملفات شائكة في الموضوع، فإيران تتحدث عن تشكيل وحدة وطنية شاملة وهذا قد يكون عائق كبير أمام إنهاء الحرب في اليمن وأمام اتفاق كلي بين المكونات السياسية اليمنية، حيث إن المليشيات “الحوثية” تريد أن تتحكم بالملف العسكري والأمني والسياسي وأن تكون الآمر والناهي، بينما توزع المناصب الأخرى لبقية المكونات السياسية وهذه هي الإشكالية.

اقرأ أيضا: بعد التقارب السعودي الإيراني.. هل يستعيد العراق استقراره؟

إيران وسّطت العديد من الدول منذ أن تسلم الرئيس الأميركي جو بايدن، كانت عمان ومن ثم العراق وأخيرا الصين التي قدمت ضمانات للملكة العربية السعودية بشأن طهران، وتعهدت لها بتحجيم هجوم “الحوثي” على السعودية. وفق الطاهر، إيران أمام اختبارات صعبة، أبرزها إمكانية عدم دعم “الحوثيين” في المنطقة.

معوقات لن تغيب

هناك معوقات كثيرة، مثل رغبة طرف بالاستيلاء على كل الأطراف، بحسب حديث رئيس مركز صنعاء للدراسات ماجد المذحجي، لـ”العربي الجديد”. إذ إن “الحوثيين يعتقدون أن المعركة انتهت لصالحهم، وأن الأطراف الأخرى يمكن أن يتم طيّها عبر التفاوض مع السعودية فقط. وأيّا تكن طبيعة العلاقات بين السعودية وهذه الأطراف، وهي علاقة تهيمن فيها السعودية على جزء منهم، فإن عدم الأخذ بمخاوفهم سيزيد من تعقيد الوضع”، على حد تعبيره.

 حتى الشركاء الموجودين مع السعودية يعتقدون أن صفقة تُخرج الرياض من هذا التفاوض الساخن لا تشكل مصلحة لهم، وهذا أمر خطير، وفق المذحجي. وثانيا، فإن الحوار الآن مغلق بين الرياض وطرف يمني واحد هم “الحوثيون”، وعلى أهمية قوته العسكرية فإنه لا يمثل كل اليمنيين، وبالتالي سننتهي إلى دورة أخرى من البنيان الضعيف، يهيمن فيه طرف بقوة السلاح، بينما الآخرون لديهم وسائلهم المتعددة لتقويض ذلك، وإعادة إنتاج معركة جديدة حتى بالشروط المحلية. 

 المذحجي يعتبر بأن هناك أكثر من طرف إقليمي لديه مصلحة في غرق السعودية في بحر من الرمال، وما لم تفتح نقاشا واسعا مع الطرف المناهض لـ “الحوثيين، فإنه لا يمكن أن تضمن بأي شكل من الأشكال صمود أي تسوية في اليمن”، محذراً من أن “أي حرب داخلية في اليمن ستعبر شرارتها الحدود”.

من جهتها تتهم الحكومة اليمنية إيران بالوقوف وراء انقلاب “الحوثيين” ودعمهم بالمال والسلاح للسيطرة على البلاد بقوة السلاح، والاستمرار في شنّ الحرب على اليمنيين عسكريا واقتصاديا وثقافيا وتهديد الملاحة الدولية والاقتصاد العالمي خدمة للأجندة الإيرانية.

أخيرا تنقسم الأراء في الشارع اليمني عقب الاتفاق السعودي الإيراني، إذ يعتقد البعض أنه سيكون مدخلا لعزل جماعة “الحوثي” عن إيران وصولا إلى تحقيق تسويه لإنهاء الصراع في اليمن، بينما يرى القسم الآخر بأن ميليشيات “الحوثي” لن تتنازل عن مطامعها في الاستحواذ على السلطة بالقوة وتثبيت أقدام الانقلاب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.