في خطوة جديدة تسعى من خلالها الجزائر مؤخرا، إلى تحريك عملية السلام في الجارة الشمالية مالي، باعتبارها رئيسة للجنة الوساطة الدولية التي رعت اتفاق السلام المبدئي الموقّع بين الحركات الأزوادية والحكومة المالية في 2015، حيث تحاول الجزائر، تحريك الاتفاق الذي لم يُنفّذ حتى الآن بسبب التطورات الجيوسياسية المتلاحقة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الثماني الماضية.

وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، الذي وصل إلى العاصمة المالية باماكو، الثلاثاء الفائت، أجرى مباحثات مكثفة مع الحكومة المالية ومسؤولين في الحركة الأزوادية، التي ظلت تطالب منذ 6 عقود بحكم ذاتي في مالي الواقعة في غرب إفريقيا.

“اتفاق السلام 2015 “

“اتفاق السلام” الموقّع في أيار/مايو 2015 بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية ينص على وقف العنف واحترام الوحدة الوطنية وحقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون، إلى جانب تمثيلٍ لجميع مكونات الشعب المالي في المؤسسات وتسهيل عودة وإدماج اللاجئين.

كما يشمل الاتفاق على تخلي الأزواديين عن مطلب الانفصال عن مالي مقابل منحهم حكما ذاتيا موسع الصلاحيات، وأيضا دمج مقاتلي الحركات الأزوادية في الجيش الوطني، وتنظيم مؤتمر عام للمصالحة خلال سنتين من توقيع الاتفاق.

أهمية الحركات الأزوادية تزايدت خلال السنوات الماضية حيث نشطت بقوة في التصدي للجماعات الإرهابية في شمال مالي، وخاضت عدة معارك أدت إلى تقليص نفوذ تنظيم “داعش” وحركات إرهابية أخرى اتخذت من الأراضي المالية نقطة انطلاق إلى غرب وشمال إفريقيا.

قد يهمك: انفصال إقليم أزواد.. تصعيد جديد في مالي؟

قادة الحركات الأزوادية، وخلال لقاء جمعهم بالوسيط الجزائري، أكدوا تمسكهم بالاتفاق باعتباره حجر الزاوية في الجهود المبذولة لتعزيز المصالحة والسلم وحفظ الاستقرار في مالي، لكنهم طالبوا بعقد اجتماع طارئ في بلد محايد بين تنسيقية الحركات الأزوادية والحكومة المالية، بحسب موقع “سكاي نيوز عربية”.

تنسيقيات الحركات الأزوادية والحكومة المالية، تتهم بالتعنت وعدم الامتثال للقرارات والاتفاقات المبرمة مع ممثلي القضية الأزوادية. في حين ظلت الحركات الأزوادية تلقي اللوم على سياسة فرنسا في المنطقة في عرقلة مصالح القضية الأزوادية، حيث يرى مراقبون ان “خروج القوات الفرنسية من مالي في نهاية العام 2022 يمكن أن يعجّل بحل الأزمة”.

تحفظات على بعض البنود

على الرغم من تحفظات أطراف اتفاق الجزائر على بعض بنوده، إلا أنه يتضمن نقاط في غاية الأهمية بالنسبة لتحقيق الاستقرار والأمن في مالي، إذ تُعتبر المواد المتعلقة بالتنمية والتوزيع العادل للثروات، وتفعيل اللامركزية على المستوى الوطني، والقبول بطبيعة الدولة وعلمانيتها واحترام وحدتها وحدودها الموروثة عن الاستعمار، فهذه المواد تمثل مبادئ للاستقرار إن تم تنفيذها على أرض الواقع. بحسب حديث الباحث في الشؤون الإفريقية بجامعة “باماكو” محمد أغ إسماعيل، لـ”الحل نت”.

بالنسبة للدور الجزائري، يُعتبر غاية الأهمية، وفق أغ إسماعيل، لكونها ترأس الوساطة الدولية الضامنة لتنفيذ الاتفاق والراعية له. لكن يبدو أنها تواجه صعوبات جمة من قبل المعنيين وغياب إرادة حقيقية من قبل باماكو، لتنفيذ الاتفاق خصوصا أنها تعتقد بأنها في موضع القوة اليوم على عكس 2015، لأسباب وطنية وحلفاء جدد في المنطقة. وفق تعبيره.

كما أن الوساطة الدولية تبدو غير متفقة على المزيد من الضغوط، نتيجة تباين المصالح وصراع النفوذ بين أعضائها. كل ذلك والأوضاع الداخلية الجزائرية لا تساهم في المزيد من قدرة الجزائر على الإسراع في التفعيل للاتفاق. وبشكل عام تعطي الوساطة الدولية أهمية لمصالحها على حساب الضغط لتفعيل الاتفاق، بحسب أغ إسماعيل.

عواقب وخيمة

“اتفاق الجزائر” أصبح بالفعل مهددا ومعرضا، لنفس مصير الاتفاقيات السابقة، من وجهة نظر أغ إسماعيل، ولاتزال باماكو تطالب بتعديل الاتفاق عبر منظمات المجتمع المدني الإعلام، دون تقديم مقترح رسمي في هذا الشأن. كل ذلك يؤكد بانعدام إرادة سياسية لاحترام “اتفاق الجزائر 2015 “.

في حال عدم تفعيل الاتفاق، فيستمر الصراع بين الحركات الأزوادية وباماكو لعدة عقود، وفق أغ إسماعيل، إذ ما استمر سكان إقليمي أزواد وماسينا في شعورها بعدم العدالة، فسيتجدد الصراع ولو هدأ بعض الوقت، وفق تعبيره.

اقرأ أيضا: بعد مالي.. هل تتدخل “فاغنر” الروسية في بوركينا فاسو؟

بينما في حال فشل الاتفاق فعواقبه ستكون كارثية ووخيمة على المستويين المحلي والإقليمي، بحسب أغ إسماعيل، إذ تستغل الجماعات الإرهابية معاناة سكان الشمال لتعزيز نفوذها، وبالتالي مزيدا من التشريد وزيادة أعداد اللاجئين والهجرة إلى دول الجوار، مما يعرض منطقة الساحل وشمال إفريقيا إلى مزيد من عدم الاستقرار والتدخلات الخارجية.

على الرغم من التشاؤم الحالي، إلا أن المجتمع الدولي قد يضغط أخيرا على الطرف الضعيف أي الحركات الأزوادية لقبول بعض التعديلات لاتفاق السلام، منعا لمواجهات مسلحة قد تزيد “الطين بلة” في منطقة الساحل. لكن ستبقى تسوية شاملة ودائمة للصراع تنتظر قادة لديهم القدرة وجرأة على تغيير شكل ونظام الحكم في البلاد، بحسب أغ إسماعيل.

جهود جزائرية

وزارة الخارجية الجزائرية، ذكرت في بيان لها، أن “لعمامرة بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية، قام بزيارة عمل إلى مالي أجرى خلالها عدة لقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف ذات صلة بالعلاقات الجزائرية-المالية وجهود إحلال السلم والمصالحة في مالي”.

بحسب بيان وزارة الخارجية، فقد أشرف لعمامرة في بماكو على اجتماع تنسيقي لمجموعة الوساطة الدولية لإحلال السلام في مالي، والتي تضم ممثلين عن دول الجوار والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الأممي وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بالسلام في مالي، الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ومنظمة التعاون الإسلامي.

الاجتماع خُصص لاستعراض السبل الكفيلة بمرافقة الأطراف المالية نحو تجاوز التحديات الراهنة، والعمل على تحقيق نتائج ملموسة في إطار تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر، لا سيما في ظل المرحلة الانتقالية التي يمر بها هذا البلد، بحسب البيان.

الوزارة أشارت في بيانها إلى أنه قبل ذلك التقى رئيس الدبلوماسية الجزائرية ممثلين عن الحركات المالية الموقّعة على “اتفاق الجزائر للسلام” في أيار/مايو 2015.

وإضافة إلى بحث تطبيق مسار السلام في مالي، يرجّح مراقبون أن تكون زيارة لعمامرة إلى بماكو ذات صلة بسياق ترتيبات لزيارة مرتقبة لرئيس السلطة الانتقالية في مالي إلى الجزائر، كان قد أعلن عنها الرئيس عبد المجيد تبون في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إذ قال حينها إنه يجري ترتيب “الظروف المناسبة لنستضيف القادة الجدد لمالي”.

تبون كان قد قال في حوار تلفزيوني في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2022، إن “هناك إجماعا في مالي على أهمية الحفاظ على اتفاق الجزائر للسلام الموقّع في مايو 2015، وأنه لا يوجد حل آخر يمكن أن يصون الوحدة التربية لمالي غير اتفاق الجزائر”.

بعد إقصاء دولة مالي مؤخرا من منظمة “الإكواس” والتضييق عليها من الدول الأعضاء. الجزائر يهمها تحسين وضعية دول الجوار، للتاريخ المشترك والحاضر والمستقبل المرتبط ببعض هذا أولا، وثانيا الأمن والاستقرار السياسي لن يتحقق، سوى بتنفيذ سياسات تنموية بالجنوب الجزائري لتحقيق عدة أهداف أهمها، هو القضاء على ما يسمى إرهاب الساحل، بحسب حديث المحلل السياسي والاقتصادي الجزائري، نتاف نصر الدين، لـ”الحل نت”.

إن تحقيق دول الجوار الاستقلال السياسي التام وفق جهود الجزائر في منظمة “عدم الانحياز” ونظرة الجزائر لدول الجوار على أنهم إخوة وأصدقاء ولهم مصير واحد، إذا وجب مواجهة الصعاب والتحديات معا، وفق نصر الدين، ومرور البضائع الجزائرية لهذه الدول الثلاث ما هو إلى كدعم لهذه الدول باعتبار الجزائر تاريخيا تعتبر هي قائدة شمال إفريقيا وأهم عضو في الاتحاد الإفريقي، بحسب تعبيره.

أخيرا، يرى مراقبون للوضع، بأن نجاح اتفاق السلام 2015 يتطلب من المجتمع الدولي قدرا أكبر من الجّدية والالتزام بالتنمية المستدامة ومخاطبة جذور الأزمة، لأن الفشل في تحقيق الاتفاق سيؤدي إلى زعزعة الأوضاع الأمنية، وبالتالي زيادة نشاط الجماعات المتطرفة المتواجدة في المنطقة؛ مستفيدة من الفراغ الذي يتركه الجمود السياسي والاقتصادي في شمال مالي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.