الموسم الدرامي الرمضاني السوري يشهد زخماً غاب طويلاً عن الجمهور مع الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يعيشها السوريون منذ سنوات، هذا من جهة، ولانحدار مستوى المسلسلات المُنتجة من جهة أخرى.

الأعمال المُنتجة في الموسم الحالي أدت إلى سجال سياسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيدين ومعارضين للحكومة السورية، مع تضمن هذه المسلسلات لرسائل سياسية عدّة، كما شهد عودة لشركات الإنتاج المحلية السورية لإنتاج مسلسلات صوّرت داخل سوريا، بوجود دعم خليجي عبر عرض هذه الأعمال، مع تواجد العديد من نجوم الصف الأول من الممثلين السوريين كسلوم حداد وتيم حسن وباسم ياخور وغيرهم، عدا بالطبع عن عودة مسلسل “صبايا” بعد سنوات من الغياب.

أسباب سياسية للعودة

بعد سنوات من ضعف الإنتاج والانتشار حققت المسلسلات الرمضانية السورية حضورها في الموسم الحالي وحققت تفاعلاً كبيراً بين الجمهور، يظهر هذا الأمر جلياً عبر المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي والسجالات الحادّة بين المتابعين.

صحيح أن هذه السجالات سياسية وترتبط تحديداً بمسلسلي “ابتسم أيها الجنرال” و”عاصي الزند”؛ إلا أن عملية الإنتاج والدراما السورية نفسها باتت كما يبدو مرتبطة بشكل كامل بالسياسة أكثر من أي وقت مضى، حتى لو كان المحتوى نفسه ليس سياسياً بالأساس، كمسلسلات “العربجي” و”خريف عمر” وغيرها من المسلسلات.

المخرج السوري فارس الذهبي يشرح لـ”الحل نت” كيفية ارتباط عملية الإنتاج بالظروف السياسية الحالية في الملف السوري، بقوله إنه “عندما نتحدث عن شركات إنتاج عادت للعمل في سوريا فعلى وجه التحديد تكون شركات الإنتاج ومنصات وقنوات العرض الخليجية هي المقصودة، فلا يوجد شركات إنتاج مصرية أو أردنية أو عراقية تعمل هناك”.

الذهبي يرى أن العودة خلال الفترة الماضية “جاءت بناء على محاولة استيعاب الدول العربية للأزمة السورية وإدراكهم أن الفراغ الذي سيشكله الابتعاد العربي سيملؤه الإيرانيون والروس، وهذا سيؤدي إلى العبث بمكونات الثقافة العربية لدولة مثل سوريا، بعد أن تمددت إيران طويلاً في الديموغرافيا السورية والبنية الاجتماعية والعقارية والاقتصادية والسياسية، تماماً كما فعلت في العراق”، بحسب رأيه.

العودة إلى سوريا هي جزء من الاستراتيجية الجديدة عبر إعادة حقن الثقافة العربية والقيم العربية في جسد المجتمعين السوري والعراقي، من أجل اضعاف النفوذ الفارسي في البلدين.

من جهته يرى الكاتب المسرحي والناقد الفني الفلسطيني سلام أبو ناصر، في حديث لـ”الحل نت”، أن “التوجه السياسي المستجد على الساحة السورية يعد سبباً مباشراً لعودة شركات الإنتاج للعمل، فمحاولة تعويم بشار الأسد أثّر بشكل مباشر على الصناعة الدرامية السورية وتحديداً مع انفتاح النظام على عودة علاقاته مع الإمارات والسعودية وهو ما انعكس على إنتاج المسلسلات”.

أما السبب غير المباشر وفق أبو ناصر، فهو “حركة التغيير التي طالت القطاعات الخاصة في سوريا وصعود أسماء جديدة كسامر الفوز على سبيل المثال، هذه الشركات الخاصة التي انضمت لهؤلاء وخاصة الصغيرة منها لعبت دوراً مهماً، خاصةً أن هذه الشركات الصغيرة كانت تحاول الاستمرار قدر الإمكان حتى مع عدم إنتاج قيمة فنية عالية، هذه الحركة وسيطرة القطاع الخاص على الإنتاج لعب دوراً بإحياء الحركة الدرامية ولو بشكل خجول، وهنا يرتبط الأمر بالتعويم السياسي وبالتالي نحن أمام أسباب مترابطة في النهاية”، بحسب رأيه.

القنوات التلفزيونية الخليجية في مطلع تسعينيات القرن العشرين ساهمت بإنتاج المسلسلات السورية، وهو ما استفادت منه الأخيرة بشكل كبير ما أدى إلى انتشارها عربياً وصعود نجمها لمنافسة الدراما المصرية، وهو ما يشير إليه المخرج فارس الذهبي، بأن “التعاون الإنتاجي الخليجي السوري مستمر منذ أكثر من نصف قرن ومن أهم رواده غسان جبري وعلاء الدين كوكش وهيثم حقي وخيري الذهبي ورفيق الصبان وفيصل الياسري وآخرون”.

توقف هذا التعاون في السنوات الماضية برأي الذهبي، جاء بعد تفرد دمشق بقرارتها وابتعادها عن السياق العربي فكان لزاماً توقف التعاون في كل شيء ومنها الصناعة الدرامية.

تأثير إيجابي أم الأمل مقطوع؟

مع الجدال الذي فجرته مسلسلات هذا العام وتحقيق المسلسلات السورية لنسبة مشاهدة عالية تظهر بوادر أمل بعودة صناعة الدراما السورية إلى سابق عهدها، على الأقل من حيث النوع ومحاولة استيعاب التغيرات الجديدة التي طرأت على المجتمع السوري خلال السنوات السابقة، وهو تحد كبير سيواجهه صناع هذه الدراما لمحاولة استقطاب جمهور جديد، لكن الأمر أيضاً لا يصطدم بالسياسة فقط بل كذلك بمدى الرقابة التي قد تفرضها الحكومة السورية على الأعمال الدرامية، أو محاولة تكرار إنتاج أعمال جديدة خارج هذا الإطار كما في مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” والذي حقق ملايين المشاهدات عبر منصة “يوتيوب”.

يبدو أن الدعم الخليجي من جهة، وقدرة الدراما السورية على الاستمرار من جهة أخرى ترتبط بعوامل عدة ليست سياسية فقط، إذ يرى الذهبي أنه “من حيث المبدأ سيؤدي انتعاش الدراما في سوريا إلى انتعاش طبقة الفنانين والفنيين والكتاب وجميع عمال المهن الفنية، وهؤلاء مؤثرون بشكل أو بآخر في المجتمع، وسيخلص الدراما من موروث الكراهية التي انتشرت في الدراما السورية طوال 12 عاماً مع استثناءات قليلة. والعودة إلى الاعتدال في الفكرة والبحث عن حلول وسط تقدمها الدراما للناس. التي كانت طوال أربعين عاماً صوتاً للناس في سوريا”.

الذهبي يربط هذا التغيير بعامل مهم للغاية يرتبط بانفتاح السوق السوري على ما يصفه بـ”السوق الحقيقية”، ويوضح بأن “عدم انفتاح السوق السوري على السوق الحقيقية، بحيث يبقى المنتج الدرامي السوري أسيراً لدى القنوات العربية التي تسوقه و تشتريه، دون وجود سوق سوري محلي مبني على عشرات القنوات التلفزيونية الحقيقية غير المدعومة من الدولة، والتي تخوض في السوق التجاري السوري وتبني اسمها من الشارع السوري، فسيبقى المنتج السوري خاضعاً لمعايير السوق العربي و الخليجي، حيث سيتم الابتعاد عن المحلي، والهم الداخلي الحقيقي من أجل ملأ حاجة السوق من الدراما التي يطلبها المشاهد العربي”.

هذه الدائرة غير صحية لاعتماد المنتج السوري على سوق خارجية، وسيخضع لشروطها، يذهب الكاتب المسرحي الفلسطيني سلام أبو ناصر إلى زاوية أخرى تتعلق بالكم والنوع.

المخرج السوري فارس الذهبي لـ”الحل نت”.

حيث يقول “ستحصل الدراما السورية على فائدة من حيث الكم والنوع، الكم من ناحية غزارة الإنتاج السنوي وضخ الطاقات وفتح آفاق جديدة وتحريض الفن على إنتاجات أكثر غزارة باعتبار ارتباط هذا الأمر بسوق العرض نفسه، وعندما يكون هناك صناعة متقدمة يكون هناك نتيجة متقدمة وهذا ينطبق حتى القطاع الثقافي والاقتصادي وكل ما كانت هذه العناصر مرتبطة ببعضها كان هناك تكامل أكبر”.

أما من حيث النوع فتتعلق بالقيمة الفنية نفسها، بمعنى عندما يكون لديك كادر متكامل من فنانين وفنيين تكون قادراً على إعادة استقطاب الأسماء مجدداً خاصة مع شرذمة أسماء الصف الأول، وعندما تستقطب هذه الوجود سيؤثر الأمر إيجاباً حتى على صعيد حركة الكتاب وبالتالي يكون هناك لحمة فنية تعيد الدراما لمكانتها.

وقعت الدراما السورية في تحديات صعبة للغاية خلال السنوات الماضية وصلت إلى حد تهديد وجودها كصناعة هامة للاقتصاد السوري، ويبدو أن أمامها فرصة جديدة للانتعاش، لكن هذه الفرصة تبقى رهينة الظروف السياسية في بلاد لا تنفصل السياسة فيه حتى أبسط الأمور اليومية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات