في ظل استمرار الجهود العربية لإعادة العلاقات مع الحكومة السورية، كانت اليمن وقطر مع الكويت والمغرب من أبرز الدول الرافضة لإعادة دمشق إلى الساحة العربية، بدون تحقيق المطالب المتعلقة بالحل السياسي للملف السوري، وتطبيق القرارات الأممية لا سيما قرار 2254، المتعلق بالحل السياسي.

مؤخرا يجري الحديث عن إعادة مقعد سوريا إلى الجامعة العربية في الأوساط الخليجية، وذلك بعد الزيارات المتبادلة التي حصلت مؤخرا وارتفعت وتيرتها بعد كارثة الزلزال في سوريا، بين الرئيس السوري بشار الأسد والعديد من المسؤولين العرب، ما يطرح التساؤلات حول تأثير الموقف القطري على الجهود العربية والخليجية على وجه التحديد في إعادة دمشق إلى الجامعة.

قطر أكدت مرارا أن عودة دمشق إلى الدائرة العربية، يجب أن تكون مرتبطة بخطوات جدّية من قبل القيادة السورية من شأنها دفع الحل السياسي وتنفيذ القرار الأممي 2254، وتحقيق تطلعات الشعب السوري، وهي من أكثر الدول العربية حتى الآن رفضا للتطبيع مع دمشق.

دعوات خليجية

في إطار استمرار الجهود العربية لإعادة العلاقات مع دمشق، دعت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي لحضور اجتماع يوم الجمعة 14 نيسان/أبريل، في مدينة جدة السعودية لتبادل وجهات النظر حول إمكانية عودة سوريا إلى “جامعة الدول العربية”، وقد أكدت الحكومة القطرية تلقيها للدعوة.

لا يبدو أن الجانب القطري سيسعى لعرقلة الجهود الخليجية بما يتعلق بمناقشة عودة مقعد دمشق إلى الجامعة العربية، على الرغم من رفضه التواصل مع دمشق بدون تحقيق الشروط السابقة، وقد أكد المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري في تصريحات نقلتها وكالة “فرانس برس” الفرنسية، أن “الهدف الأساسي من هذا الاجتماع التشاوري الذي يضم دول الخليج، إضافة إلى الأردن ومصر والعراق، هو التباحث حول الوضع في سوريا”.

المتحدث القطري، أكد الثلاثاء أن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن سيتوجه إلى مدينة جدة للمشاركة في الاجتماع، مشددا على أن الموقف القطري لم يتغير إزاء عودة سوريا إلى الجامعة، حيث “أي تغيير في الوضع القائم من سوريا مرتبط بالإجماع العربي وتغير ميداني يحقق تطلعات الشعب السوري”.

قد يهمك: ضياع “حزب الله” وخيارته.. مصير مأساوي للبنان بعد مكاسب الحزب السياسية

على الرغم من تبادل الزيارات والجهود المكثفة من قبل حكومات الدول العربية، إلا أن عمليات التطبيع لا يمكن القول إنها تمت، وذلك في ظل تعقيدات الوضع في سوريا وآلية التطبيع وشروطه، هذا فضلا عن الرفض الأميركي لأي عمليات تطبيع مع دمشق، بدون تطبيق البنود الأممية المتعلقة بالقرار 2254.

دفع الحل السياسي؟

يبدو أن الدول العربية تسعى لاستغلال هذه النقطة بالتحديد من أجل التوجه إلى دمشق، بدون الاصطدام مع الجانب الأميركي، وهذا يعني أن على الدول العربية أن تكون قادرة على إقناع دمشق بتقديم تنازلات بما يتعلق بالحل السياسي مقابل عودة العلاقات معها، وإعادتها إلى “جامعة الدول العربية”.

المتغيرات على الساحتين الدولية والإقليمية، هي من أبرز أسباب توجه العرب إلى دمشق، خاصة بعد الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، متوقعا عدم عرقلة قطر لعودة قريبة للحكومة السورية إلى “جامعة الدول العربية” رغم استمرار رفضها إعادة علاقتها مع دمشق.

فراس علاوي لـ”الحل نت”.

الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي، قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “هناك عدة أسباب جعلت الدول العربية تعمل على إعادة علاقاتها مع دمشق، وإعادتها لجامعة الدول العربية، أولها المتغير الأخير بعد حرب أوكرانيا والتدخل الإيراني المتزايد في سوريا، إذ إن هناك فكرة عربية بمحاولة إبعاد النظام السوري عن إيران والفكرة الثانية تتعلق بتغيير سلوك النظام، وهي الفكرة التي بدأت منذ سنوات تتحدث عنها أميركا بشأن النظام السوري بعيدا عن إسقاطه”.

الدول العربية وصلت إلى قناعة، بأن إقصاء الحكومة السورية من الجامعة العربية، فشل في تحقيق أي تغيير في سوريا من جانب السلطة الحاكمة، لذلك فهي تعتقد الآن أن التقارب من دمشق، يمكن أن يجبرها على تقديم بعض التنازلات فيما يتعلق بتطبيق القرارت الأممية، وتوسع النفوذ الإيراني في سوريا.

هل تملك دمشق المقابل؟

لكن على الجانب المقابل لا يبدو أن القيادة السورية، لديها الإمكانيات لتقديم ما يتطلع إليه العرب، فقد فشلت جميع الجهود الدولية سابقا، بإقناعها بتقديم أي تنازلات فيما يتعلق بالحل السياسي، وقد أعلن المبعوث الدولي إلى سوريا مؤخرا بشكل مباشر فشل جهود اللجنة الدستورية السورية، التي تم إنشاؤها للمضي قدما في العملية السياسية في سوريا.

أما فيما يتعلق بالجانب الإيراني، فقد فشل العرب نفسهم قبل سنوات في الحصول على أية وعود من دمشق تتعلق بوقف تمدّد النفوذ الإيراني مقابل تحقيق التقارب، هذا فضلا عن أن قرارا من هذا النوع لا يمكن له أن يُصدر من دمشق بإرادة قياداتها.

حول الموقف القطري من الجهود العربية، أوضح علاوي أن قطر وإن امتنعت عن إعادة علاقاتها مع دمشق فإنها لن تعرقل الجهود الخليجية لإعادة مقعد سوريا إلى “جامعة الدول العربية”، وأضاف “قطر أيضا موقفها مرتبط بشكل كبير بالموقف التركي الذي يرى عودة العلاقات مع دمشق أمرا طبيعيا، لا أعتقد أن قطر ولا حتى الكويت والمغرب وهي الدول الرافضة للتطبيع ستسعى لعرقلة هذه الجهود”.

هذه الجهود تأتي تزامنا مع استمرار الرفض الأميركي لعمليات تطبيع الدول العربية مع دمشق، وقد كانت هناك ردة فعل أميركية حازمة، عندما بدأت الدول العربية ترسل مسؤوليها إلى دمشق في أعقاب كارثة الزلزال، وصلت إلى حدّ التهديد بعقوبات وفق قانون “قيصر”.

علاوي لفت في هذا الشأن إلى أن الموقف الأميركي قد يتغير في حال كانت هناك جهود تتعلق بتطبيق القرارات الأممية في سوريا، وقال “الأميركان يمنعون التعاون مع النظام وبنفس الوقت  فاتحين بابا مواربا للتواصل معه، أعتقد أن العرب دخلوا من بوابة تطبيق القرار 2254، لذلك إذا حدث ذلك فلن يكون هناك مانع أميركي، وشخصيا أعتقد أن عودة دمشق للجامعة العربية ستكون قريبة”.

على الرغم من تحول “جامعة الدول العربية” إلى رمزية عربية، حيث أنها لا تمثل ثقلا مهما في الأوساط العربية، إلا أن حضور الرئيس السوري بشار الأسد للجامعة، سيكون التطور الأبرز في ملف إعادة دمشق إلى الدائرة العربية، لكن محللين استبعدوا أن تتمكّن دمشق من حضور القمة التي ستُعقد في جدة في الـ 19 من شهر أيار/مايو القادم.

حتى ولو عادت دمشق إلى الجامعة العربية، فإن شيئا لا يمكن له أن يتغير في سلوك الحكومة السورية، خاصة فيما يتعلق بكبح جماح النفوذ الإيراني على الأراضي السورية، وفيما يتعلق بالحل السياسي ربما ستكون هناك لجنة بإشراف عربي هذه المرة، تساهم بدورها في إطالة عمر الأزمة السورية أكثر مما عليه الآن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات