ما تزال السعودية تواصل خطاها الحثيثة لتحقيق مرحلة ما بعد النفط عبر “رؤية 2030″، التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ سبع سنوات، حيث شهدت الرياض منذ إعلانها تغيرات عدة على مختلف الصعد، إذ اعتمدت الرؤية عددا من البرامج التنفيذية لتحقيق أهدافها، وتطبيقها مع الوزارات والجهات الحكومية، بمشاركة القطاع الخاص.

“رؤية السعودية 2030” تعتمد على المواطنين بالدرجة الأولى، بهدف تحقيق نمو سريع ومستدام، ومن أبرز مستهدفاتها الوصول بمساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي من 40 بالمئة إلى 65 بالمئة، وتقدم ترتيب المملكة في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية من المرتبة 45 إلى 25 عالميا، والأولى إقليميا. حتى الآن، قامت الرياض باتخاذ العديد من الإجراءات والخطوات لتحقيق هذه الرؤية، بما في ذلك إصدار العديد من السياسات والإصلاحات والاستثمارات في العديد من القطاعات الحيوية مثل الطاقة والصناعة والتعليم والصحة والسياحة.

كما تشمل “رؤية 2030” أيضا رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16بالمئة إلى 50 بالمئة على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 مليارا إلى تريليون ريال سنويا، على الرغم من كل ذلك لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين على الرياض القيام به لتحقيق الرؤية بالكامل.

تعافي اقتصادي

في ظل “رؤية 2030″، سيشهد اقتصاد المملكة العربية السعودية زخما وتعافيا قويا، بحسب ما أورده تقرير لـ”صندوق النقد الدولي” في تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي، كما رفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي إلى نسبة 3.1 بالمئة، خلال العامين 2023 و2024، وكان قد توقع، في كانون الثاني/ يناير الماضي، نمو الاقتصاد السعودي بنحو نصف نقطة مئوية بالعام الجاري والمقبل.

مشاريع عمرانية في السعودية (الخليج أونلاين)
مشاريع عمرانية في السعودية (الخليج أونلاين)

 بلغة الأرقام تقدمت السعودية إلى المركز الـ17 بين أكبر اقتصادات العالم خلال العام 2022، إذ بلغ ناتجها المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية نحو 1.11 تريليون دولار، وحسب بيانات “صندوق النقد الدولي” وبيانات سعودية رسمية نشرتها صحيفة “الاقتصادية” المحلية، تقدم الاقتصاد السعودي بين اقتصادات العالم من الترتيب الـ20 عالميا في 2020 والـ18 في 2021، بفارق مركز خلال عام، وثلاثة مراكز خلال عامين، متجاوزة هولندا وسويسرا وتركيا.

قد يهمك: التحرر من الاقتصاد الريعي.. كيف ستحقق السعودية الاستقلال المالي؟

فيما حافظت المملكة على ترتيبها في المركز الـ16 بين دول مجموعة العشرين خلال العام الماضي مقارنة بعام 2021، فيما تقدمت مركزين خلال عامين، حيث كان ترتيبها الـ18 في 2020، وارتفعت حصة الاقتصاد السعودي من الاقتصاد العالمي البالغ 100.22 تريليون دولار إلى 1.1 بالمئة في 2022، مقابل 0.9 بالمئة في 2021، بحسب موقع “الخليج أونلاين”.

السعودية كانت الأسرع نموا بين دول مجموعة العشرين بنسبة 121 بالمئة، كما استقبلت أكثر من 94 مليون زائر خلال 2022، وأطلقت التأشيرات السياحية، مع تسجيل قطاع السياحة نموا بنسبة 139 بالمئة، في حين تم تنظيم أكثر من 3800 فعالية ترفيه حضرها أكثر من 80 مليونا، وزادت نسبة تملك السعوديين للمساكن بنسبة 60 بالمئة، وباتت المملكة الثانية عالميا في توفر شبكات الجيل الخامس، بحسب وسائل إعلام سعودية.

قطاع التعدين حقق أيضا، إيرادات 1.35 مليار ريال “360 مليون دولار”، وجذب استثمارات بـ 32 مليار دولار. كما بلغ عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة 1.141 مليون منشأة، كما وصلت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 37 بالمئة.

أما على صعيد أصول صندوق الاستثمارات العامة فقد زادت 42.6 مليار دولار إلى 650 مليار دولار في 2022، وتجاوزت الإيرادات غير النفطية 400 مليار ريال “نحو 107 مليارات دولار”، أما على صعيد الاستثمارات في القطاع الصناعي فقد وصلت إلى 1.428 تريليون ريال “380 مليار دولار”، وتراجعت البطالة إلى أدنى مستوى منذ 2016 إلى 8 بالمئة، مقتربة بشدة من مستهدفات رؤية 2022.

مكافحة البطالة أولا

في قراءته لهذا الجانب، يقول الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر في حديثه لـ”الحل نت” بأن من أهم أهداف المملكة لـ”رؤية 2030″ تمثلت بالتويع الاقتصادي في البلاد بعيدا عن الاعتماد على النفط ومصادر الطاقة وصولا إلى خفض البطالة بالشكل المطلوب، وخلال السنوات الأخيرة شهدت المملكة تدرج في خفض معدلات البطالة من 12 بالمئة إلى 11 بالمئة إلى 9 بالمئة، وحاليا نتحدث عن نسبة 8 بالمئة تقريبا.

اقرا أيضا: “منتدى السعودية للابتكار الاجتماعي”.. نقلة بالاستثمار في العقل البشري؟

يضيف أبو قمر هنا، بأن المملكة نجحت في خفض معدلات البطالة ولعل أبزر أسباب نجاحها تمثل بتطبيق قانون “سعودة” الوظائف الذي يحتم على الكثير من القطاعات في السعودية خصوصا القطاعات الحيوية، مثل الطبية والتربية والتعليم إضافة إلى قطاعات أخرى حيوية في البلاد، أن يكون لديها نسبة توظيف كوادر محلية مرتفعة، حيث تفرض المملكة ضرائب باهظة على أي قطاع لا يطبق قانون “سعودة” الوظائف، وهذا الشيء يتماشى مع رؤيتها وصولا إلى معدلات منخفضة في 2030 قد تصل إلى أقل من 7 بالمئة.

الأزمة الاقتصادية العالمية، بحسب أبو قمر، شجعت السعودية أكثر على زيادة خطواتها نحو خفض البطالة محليا وزيادة توطين الوظائف، في الكثير من القطاعات الحيوية بنسب تصل إلى 100 بالمئة أو 95 بالمئة، حيث إن السعودية تسير نحو مزيد من توطين الوظائف لتشمل جميع القطاعات والاستغناء عن العمالة الأجنبية.

الرياض عملت أيضا على افتتاح مئات المشاريع العملاقة التي وفرت وظائف لمئات الآلاف من السعوديين، وأهلت أيضا كوادر محلية سعودية تتناسب قدراتها مع احتياجات السوق، ومن ثم تخفيف الاعتماد على العمالة الأجنبية من جهة، وزيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل من جهة أخرى، وفق المحلل الاقتصادي.

حول أهداف خفض البطالة في السعودية، يقول عبد الرحمن الراشد، عضو “مجلس الشورى السعودي” ورئيس “لجنة الاقتصاد والطاقة” بالمجلس، في تصريحات صحفية سابقة إن “الرقم المستهدف لخفض البطالة في السعودية وضع بناء على خطط تنموية اقتصادية، ما يجعله قابلا للتحقيق بحلول 2030، وأن تحقيق هذا الهدف يأتي من خلال عنصرين أساسيين، الأول تحقيق تنمية اقتصادية تؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل التي يقبل عليها الشباب السعودي،  والعنصر الآخر يكمن في زيادة مشاركة المرأة في التنمية، وانخراطها في سوق العمل، وتوسيع المجالات التي توفر الفرص الوظيفية للمرأة”.

عقبة وحل

كانت خطط المملكة لخفض البطالة وتوطين الوظائف قد اصطدمت بقلة الكادر المحلي الذي يمتلك إمكانيات ومهارات تتناسب مع احتياجات السوق، ما أعاق توطين العديد من القطاعات الصناعية والخدمية، وفي محاولة جادة للتخلص من هذه العقبة، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية، في 14 تموز/يوليو 2022، أنها باشرت في تنفيذ مشروع يستهدف رفع كفاءة وإنتاجية سوق العمل، بحسب موقع “الخليج أونلاين”.

وفق ما أورده تقرير لصحيفة “المدينة” المحلية، فقد اتفقت الوزارة مع بيت خبرة متخصص لدراسة الفجوة بين العاملين السعوديين والوافدين وأسبابها والأثر المتوقع في حال تقليصها، لا سيما فيما يتعلق بالأجور والمزايا الوظيفية والاجتماعية، وأكد التقرير أن هذه الخطوة ستسهم في رفع كفاءة وإنتاجية سوق العمل.

طبقا للتقرير فأن الوزارة انتهت من دراسة الوضع الراهن لمبادرة استشراف العرض والطلب في سوق العمل، التي تستهدف تأسيس وحدة وطنية تعنى باستشراف العرض والطلب لسوق العمل، وتحديد التخصصات والمهارات المستقبلية المطلوبة لسوق العمل، وستكون هذه الوحدة مصدرا لجميع الجهات الحكومية في تحديد الاحتياج المستقبلي لسوق العمل؛ لإعداد وتجهيز الكوادر الوطنية اللازمة لسد الاحتياج.

أخيرا، تسعى المملكة العربية السعودية إلى خفض معدلات البطالة بين السعوديين إلى نسبة 7 بالمئة في العام 2030، حيث يتوقع مراقبون نجاح هذه الخطوة، مرجعين ذلك إلى التسارع في تنفيذ الرياض لخططها الاقتصادية، ضمن أهدافها الاستراتيجية وخاصة المتعلقة بعدم الاعتماد على النفط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات