في خضم الأوضاع المضطربة وتصاعد المواجهات بين طرفي النزاع في السودان بين “الجيش السوداني” بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” بقيادة نائبه، محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، قبل أكثر من ثلاثة أسابيع. تتزايد المخاوف من دخول السودان في حرب أهلية طويلة الأمد، والتي ستترك بلا شك العديد من الآثار السلبية على دول الجوار والقضايا الإقليمية، بما في ذلك ملف “سد النهضة” الشائك، في الوقت الذي تستعد فيه إثيوبيا للملء الرابع لبحيرة السد، الذي يثير خلافات بشأنه مع دولتي المصب؛ السودان ومصر.

يبدو أن مصر ستكون من أكثر المتضررين من هذه الحرب إذا طال أمدها نظرا لموقعها الجغرافي مع السودان أولا وملف مفاوضات “سد النهضة” مع إثيوبيا. حيث يرى المراقبون والخبراء أن الصراع الدائر في السودان له تأثير كبير ومباشر على أكثر من ملف إقليمي، ولعل أبرزها أزمة “سد النهضة”، وأن التخبط السياسي سيضعف أي تحفظ سوداني على الملء الرابع المنتظر أن يبدأ صيف العام الجاري، مما يلقي بمزيد من الأعباء على الجانب المصري، وتحركاته الدولية والأممية في هذا الصدد.

من هنا تثار عدة تساؤلات حول استغلال إثيوبيا للصراع المستمر منذ أكثر من ثلاثة أسابيع في السودان، من أجل إنهاء ملف “سد النهضة” لصالحها، ومدى تأثر مصر بالحرب السودانية بشأن أزمة السد، وكيفية التعامل مع التحركات الإثيوبية الأخيرة من خلال استغلال الدور السوداني الضعيف نتيجة الصراع المستمر بين الجنرالين السودانيين.

إثيوبيا تستغل الصراع السوداني؟

في ظل انشغال المنطقة بالنزاع الدائر بين البرهان و”حميدتي” في السودان واحتدام مستوى الاشتباكات على الرغم من المحادثات الجارية بين الطرفين، يبدو أن أزمة “سد النهضة” سيكون من أحد الملفات البارزة خلال الفترة القادمة، فعلى وقع زيادة المخاوف من استغلال إثيوبيا للوضع وبدء الملء الرابع متجاهلة دولتي المصب، كشفت صور حديثة حقيقة ما يجري حاليا في السد ومحيطه.

الصورة الأخيرة للسد- موقع “العربية”

حيث التقطت الأقمار الصناعية انخفاض مستوى بحيرة السد بنحو 10 أمتار، وتفريغ مياه بنحو 7 مليارات متر مكعب مع توقعات بقيام إثيوبيا بزيادة ارتفاع الممر الأوسط استعدادا للتخزين الرابع. وكشف أستاذ هندسة السدود المصري محمد حافظ، عبر صفحته الشخصية على منصة “فيسبوك”، أن الحكومة الإثيوبية تكثّف العمل في الإنشاءات الخاصة بـ”سد النهضة”، ونشر حافظ صورة توضح منسوب السطح الخرساني بالكتلة الغربية، وأيضا منسوب السطح الخرساني للممر الأوسط. وقال إنه “يمكن ملاحظة أن المنسوبين تقريبا على نفس المستوى، ويمكن ملاحظة أن العمل يتم بشكل مكثف، لرفع منسوب الكتلة الغربية، ورفع الممر الأوسط”.

الخبير المصري الدكتور عباس شراقي، بيّن من جانبه أن مقدار المياه في البحيرة انخفض بنحو 7 مليارات متر مكعب، حيث توقف التخزين الثالث في السد والذي انتهى يوم الـ 11 من آب/أغسطس من العام الماضي عند منسوب 600 متر فوق سطح البحر، و بإجمالي مياه بلغت كمياتها 17 مليار متر مكعب.

مدير “المركز العربي للدراسات السياسية” والمحاضر الأكاديمي المصري المتخصص في العلاقات الدولية محمد صادق إسماعيل، قال إنه بطبيعة الحال ستكون للحرب في السودان آثار سلبية على دول الجوار، لأن اختلال الأمن القومي للسودان يؤدي لتأثيرات على دول الجوار فيما يتعلق بضرورة تأمين الحدود بشكل جيد لدخول أو خروج للأسلحة التي تدخل لأطراف الصراع هناك، هذا من جانب.

ومن جانب آخر، من الوارد أن تستغل إثيوبيا الموقف والظرف لإظهار التضامن أو التحالف مع أحد أطراف الصراع في السودان، ويفترض أنه إذا تبنى أحد أطراف النزاع سيناريو الوقوف إلى جانب مصر بخصوص “النهضة”، يرى إسماعيل وفق حديثه لموقع “الحل نت” أن الطرف الآخر سيكون على النقيض، وبالتالي فإن إثيوبيا ستتحالف مع أحد الطرفين بغية الاستفادة من الظرف لمصلحتها في أزمة “سد النهضة” على حد تعبير إسماعيل.

تدعيما لهذه الفرضية حذّر خبراء مصريون من أن تستغل إثيوبيا الحرب وانشغال السودان ومصر بها وتنهي الملء الرابع للسد بعيدا عنهما.

بالعودة إلى شراقي فإنه يقول مع استمرار سقوط الأمطار والفيضان خلال شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر الماضيين، ارتفع إجمالي تخزين المياه إلى 20,5 مليار متر مكعب و منسوب البحيرة إلى 605 أمتار. كما تابع لقناة “العربية“، أنه ومع انخفاض سقوط الأمطار في الشهور التالية ثم توقفها، انخفض منسوب المياه في البحيرة إلى منسوب التخزين الثالث 600 متر، كما بقي التراجع مستمرا رويدا رويدا بعد فشل التوربينات التي أقامتها إثيوبيا لتوليد الكهرباء عن إمرار المياه أعلى الممر الأوسط ما أجبر أديس أبابا على فتح بوابتي التصريف، مضيفا أن إثيوبيا قررت بعد ذلك غلق البوابة الغربية في 23 شباط/فبراير الماضي فيما استمرت البوابة الشرقية لإمرار المياه بنصف طاقتها.

كما ذكر أن البوابة الشرقية استمرت في تصريف المياه بنصف طاقتها، ما أدى لانخفاض منسوب بحيرة السد بمقدار 10 أمتار لتقف عند منسوب 595 مترا بدلا من 605 ولتصل كميات التخزين المتواجدة في البحيرة عند 13,5 مليار متر مكعب وهو نفس الرقم الذي وقفت عنده في نهاية التخزين الثالث الصيف الماضي.

نحو ذلك، توقع الخبير المصري أن الملء الرابع الذي من المفترض أن يجرى في تموز/يوليو المقبل تزامنا مع موسم سقوط الأمطار وينتهي في آب/أغسطس سيصل معه منسوب المياه إلى 620م بزيادة قدرها 25 مترا عن آخر منسوب وصل له التخزين وهو 595 مترا.

المعضلة في الموقف السوداني

في المقابل، أعلنت إثيوبيا مجددا قبل أسابيع قليلة أنها انتهت من بناء 90 بالمئة من السد، وسط تصاعد الأزمة مع دولتي المصب مصر والسودان بسبب عدم التوافق على الملء والتشغيل، واتخاذ أديس أبابا قرارا أحاديا منفردا بالتصرف دون مشورة أو تنسيق مع الدولتين.

الأكاديمي المصري محمد إسماعيل، يرى أن المشكلة تكمن في أن السودان غائب عن المشهد، فقد أصبح في حالة لا دولة، حيث لا توجد حكومة أو دولة فيه قادرة على إدارة المشهد بشكل جيد ولا توجد مكونات من القوى السياسية قادرين على إسكات أصوات المدافعين. بمعنى أن المعضلة الكبرى يتمحور حول دور السودان، الذي لم يعد موقفه واضحا من أزمة “سد النهضة” وتأثيره على حصة دولتي المصب من مياه النيل.

قد يهمك: الصراع السوداني يتفاقم.. ما انعكاساته على دول الجوار؟

إسماعيل يقول إن السودان يغوص في نفق مظلم منذ أعوام، حتى كل مكونات شعبه تبحث عن حكومة حقيقية، فهم يبحثون عن مصلحة السودان بجدية، حتى الجنرالين المتنازعين لم يتمكنوا من تحقيق أي إنجاز اقتصادي أو حتى تغيير الصورة في المشهد الاقتصادي السوداني.

حيث كان الشعب السوداني يعاني ولا يزال، مع اندلاع هذه النكسة العسكرية الوضع يتدهور، ويعتقد إسماعيل أن الدولة دخلت مرحلة معقدة وقاتمة، ويجب على المجتمع الدولي التدخل لإخراج البلاد من هذا المأزق، ومنها حلحلة ملف “سد النهضة”، ذلك لأن المستفيد الوحيد فيما يحدث في السودان هو إثيوبيا.

ضرورة التدخل الإقليمي والدولي

في سياق متّصل، المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، كان قد أعلن الشهر الماضي عزم بلاده استكمال بناء السد، وقال في تصريحات متلفزة، إن أديس أبابا لا تحتاج لأخذ الإذن لبدء الملء الرابع لـ”سد النهضة”، زاعما أن السد لن يلحق الضرر بمصر والسودان.

الأكاديمي المصري المتخصص في العلاقات الدولية، يرى أن الجانب الإثيوبي مستفيد بشكل كبير من هذا النزاع السوداني الدائر حاليا، نظرا لأن حالة الارتباك السياسي والأمني في السودان، ستدعم التوجه الإثيوبي الخاص بقضية “سد النهضة”.

مدير “المركز العربي للدراسات السياسية”، محمد صادق إسماعيل

كما يبدو أن إثيوبيا تتبع سياسة فرض الأمر الواقع في هذه الأزمة، إضافة إلى تجاهلها لأي محادثات تفاوضية في الوقت الراهن. وفي الوقت نفسه، لن تتمكن مصر من رفع القضية إلى “مجلس الأمن الدولي” إلا بعد إعلان “الاتحاد الإفريقي” فشل المفاوضات تحت مظلته، الأمر الذي يشكل عبئا كبيرا على الجانب المصري.

بعض المراقبين يقولون إن استمرار إثيوبيا في سياسة ملء خزان السد، وعند الوصول لاكتمال الملء الرابع لـ”سد النهضة”، لن يكون أمام دولتي الممر والمصب أي بدائل للحفاظ على حقوقهما في الوصول للمياه، سوى السعي الحثيث للتفاوض مع إثيوبيا، ومحاولة إثنائها عن التصرف الأحادي، سواء فيما يتعلق بالملء، أو تبادل المعلومات، أو التعاون المشترك، مثلما نص إعلان الخرطوم في 2015، لا سيما أن ثمة أخطارا يمكن أن يتعرض لها سد الروصيرص في الخرطوم.

هذا وتخشى مصر من تأثر حصتها في مياه النيل جراء السد، وتطالب ومعها السودان، باتفاق قانوني مُلزم ينظّم عمليتي ملء وتشغيل السد، والتشارك حول بيانات السد، فيما تواجه المفاوضات جمودا منذ إجراء آخر جولة تفاوضية في 10 كانون الثاني/يناير 2021.

سد النهضة، “إنترنت”

لكن لطالما كانت مصر تنظر وتؤكد دوما في مسألة “سد النهضة” على أهمية استمرار العمل المشترك لضمان مصالح كافة الأطراف الثلاثة وفقا لقواعد القانون الدولي والحقوق المشروعة في الموارد المائية والأمن المائي المصري. وبالتالي الأمر رهن حتمية تفعيل الوساطة الدولية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية لضمان حصة السودان وحقوق مصر التاريخية في مياه النيل وكذا القضايا الإقليمية وأُطر الصراع الذي تحتشد كافة مفاعيله داخليا وإقليميا ودوليا.

في العموم، تحركات إثيوبيا الأحادية الجانب واستغلالها للظروف السودانية، إلى جانب عدم رغبتها في التوصل إلى اتفاق، والاستفادة من المفاوضات فقط لكسب الوقت، وهو ما يرجح أن يتسبب في توتر بالمنطقة. ودون أي احتمال للتوصل إلى اتفاق قانوني يضمن الحقوق المائية لدول المصب، فإن ذلك يهدد بحدوث مشكلات بيئية وغذائية وحيوية. لذلك، يجب على القوى الإقليمية والدولية المعنية التحرك لوقف الصراع الدائر في السودان، لمنع تحوله إلى حرب طويلة يمتد أثرها إلى دول الجوار والملفات الإقليمية المأزومة بالفعل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات