بعد إعلان “منظمة الصحة العالمية” مطلع شهر أيار/مايو الحالي إنهاء حالة الطوارئ بشأن جائحة “كورونا”، أوقفت الأردن العمل بقانون الدفاع الذي بدأت العمل به قبل أزيد من ثلاث سنوات لاحتواء آثار الفيروس الصحية، لكن رغم إيجابيات القرار إلا أنه يحمل سلبيات وتخوفات لدى البعض. 

انتهاء العمل بقانون الدفاع يعني العودة الى الحياة الطبيعية وإلغاء كافة الآثار المترتبة على جائحة “كورونا” وانتهاء الصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء من إصدار أوامر دفاع بينما تعتبر جميع أوامر الدفاع والبلاغات التي صدرت منتهية حكما، إذ يُعمل بقانون الدفاع في الأردن بحالة الطوارئ فقط وبموجب إرادة ملكية. 

قانون الدفاع عند إعلان العمل به في آذار/مارس 2020 بإرادة ملكية، عمل على حماية العاملين في مؤسسات القطاع الخاص من إنهاء أعمالهم بموجب البلاغ رقم (6)، وتوقيف العمل بجبس المدين وفق البلاغ (28)، إضافة إلى بلاغات أخرى تتعلق بمؤسسة الضمان الاجتماعي والقطاعات الاقتصادية المتضررة من جائحة “كورونا”. 

قضية المتعثرين ماليا تعتبر من أهم القضايا التي تفاقمت خلال جائحة “كورونا”، نتيجة الإجراءات الوقائية لعدم انتشار الفيروس والتي انعكست على الأوضاع الاقتصادية وأدت إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي في العالم. 

158 ألفا أمام المحاكم

قبل إعلان توقف العمل بقانون الدفاع في 5 أيار/مايو الحالي بأيام، انتهى العمل بأمر الدفاع (28) المتعلق بحبس المدين وهو ما يعني أن 158 ألف شخص باتوا أمام قانون التنفيذ وملاحقون قانونيا، في حين يدعو حقوقيون إلى إيجاد بدائل للسجن لتمكينهم من سداد ديونهم عبر تسويات مع الدائنين ولتجنب الأعباء الاقتصادية وخشية اكتظاظ السجون.

وزير العدل الأردني أحمد الزيادات قال في نهاية نيسان/أبريل الفائت، إن عدد المدينين في جميع دوائر التنفيذ 158 ألفا، 68 بالمئة منهم يقل دينهم عن 5 آلاف دينار و87 بالمئة أقل من 20 ألفا، في وقت يتحدث حقوقيون عن أعداد أكبر من ذلك لكنها غير مسجلة في المحاكم. 

حبس المدين يتناقض كليا مع التزام الأردن بالنهوض بواقع حقوق الإنسان وبتطبيق العهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية منذ عام 2006. لذلك الحكومة الأردنية مطالبة بوقف حبس المدين التزاما بالتزامها بالمادة 11 الواردة في العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية التي تنص على أنه لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي بحسب رئيس “جمعية جذور لحقوق المواطن”، فوزي السمهوري. 

السمهوري يرى في حديثه لموقع “الحل نت” أن من يدين أو يريد البيع بالتقسيط عليه أن يتحمل مسؤولية قراره، وفي قضايا الشيكات من يجب أن يتحمل المسؤولية الكاملة هي البنوك وبنفس القدر الذي يتحمله المدين، إن كان لا بد من حبس المدين كحكم جزائي. 

يجب ألا تتدخل الحكومة بين الطرفين، وحسب المواثيق الدولية، عدم الالتزام بالتعاقد بين الطرفين لا يعتبر جريمة ولا يجوز حجز حق المدين بالحرية، إلا إذا كان هناك جريمة تؤثر على أمن وسلم المجتمع، بحسب السمهوري

في 31 كانون ثاني/يناير الماضي أصدر رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، قرارا يقضي بتأجيل تنفيذ قرارات حبس المدين الصادرة بموجب قانون التَّنفيذ؛ شريطة ألا يتجاوز المبلغ مئة ألف دينار ليصبح عشرين ألف دينار، وتعديل البند (الثاني) من أمر الدفاع ذاته والمتعلِّق بوقف تنفيذ الأحكام الجزائيَّة التي تقضي بعقوبة الحبس في الجرائم المتعلِّقة بإصدار شيك لا يقابله رصيد في القضايا التي لا يتجاوز مجموع قيمة الشِّيكات فيها مئة ألف دينار بحيث أصبحت القيمة عشرين ألف دينار.

وزير العدل الأردني، قال إن عدد الأشخاص الموجودين في مراكز الإصلاح والتأهيل في 1 فبراير/ شباط الماضي، أي عند نفاذ تعديل أمر الدفاع، بلغ قرابة 94 نزيلا محكوما بقضايا حبس المدين، فيما وصل عدد النزلاء المحكومين بقضايا الدين في 25 نيسان/أبريل إلى 122 نزيلا، أي بفارق 28 نزيلا فقط، الأمر الذي يدلّ على أن التعديل لم يكن له أثر كبير في زيادة أحكام حبس المدين.

في حين بلغ عدد النزلاء في السجون المحكومين بقضايا شيكات في 1 شباط/فبراير الفائت قرابة 146 نزيلاً، بينما وصل عدد النزلاء المحكومين بقضايا الشيكات في 25 نيسان/أبريل إلى 178 نزيلًا، أي بفارق 32 نزيلا فقط.

السمهوري اعتبر أن حبس المدين يعني “أننا مقبلون على مرحلة جديدة من اكتظاظ السجون وما يجره من تبعات اجتماعية ونفسية سواء على المدين أو أسرته أو المجتمع”. في حين لقي انتهاء العمل بحبس المدين ترحيبا من قبل تجار ومؤسسات وأصحاب حقوق تضرروا منه منذ صدوره، معتبرين أن المهلة التي أُعطيت للمدين كافية. 

خلال أزمة جائحة “كورونا” بلا شك أن الناس واجهوا أزمات متعددة وأبرزها اقتصادية مالية نقدية وجاء أمر الدفاع 28 لينسجم مع نتائج الجائحة لتقليل الضغوطات في فترة فاصلة من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والآن هناك عودة إلى السياق الطبيعي للعلاقات القانونية بين الناس، بحسب ما يرى الخبير الاقتصادي والاجتماعي حسام عايش في حديث لـ “الحل نت”.

الهرب أو الحجر بالمنزل 

آلاف المتعثرون الأردنيون ماليا والمطلوبون للتنفيذ القضائي اختاروا البقاء في منازلهم طواعية خشية القبض عليهم، بينما لجأ آخرون إلى الهرب إلى بلدان عربية وأجنبية أبرزها تركيا، الأمر الذي يؤثر اقتصاديا واجتماعيا في واحدة من أبرز القضايا التي ضاعفها “كورونا”.

“البنك المركزي” الأردني يؤكد، عبر موقعه الإلكتروني، وفق آخر إحصاء لعام 2021، أن حجم الديون والأقساط المطلوب تسديدها للبنوك من الأفراد والشركات يصل إلى ملياري دولار، بعضها على شكل شيكات بنكية مرتجعة، بينما يصل عدد المقترضين من البنوك إلى 1.5 مليون مقترض. وتظهر بيانات البنك المركزي الأردني زيادة أعداد المقترضين الأفراد بنسبة 4.3 في المئة، وبشكل مضطرد منذ عام 2017، بموازاة زيادة كبيرة لحجم المبالغ المقترضة وصلت إلى 16 مليار دولار.

السلطات الأردنية عدلت قانون التنفيذ ونص التعديل على عدم حبس المدين وخاصة بين الأصول والفروع، وفي الديون التي تقل عن 5 آلاف دينار. ومن الشروط أيضا إذا أعلن المدين الإفلاس، والمدين المعسر، والمحجور عليه للسفه أو الغفلة، الذي وثق دينه بتأمين عيني، أو إذا ترتبت على حبس المدين آثار اجتماعية سلبية وضرر بأفراد عائلته، وذلك بعدم حبس الزوجين معا، أو إذا كان زوج المدين متوفى، أو نزيل أحد مراكز الإصلاح والتأهيل، إذا كان لهما ابن يقل عمره عن 15 سنة أو من ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى المدين المريض، أو إذا كان المحكوم به دينا بين الأزواج أو الأصول أو الفروع أو الإخوة ما لم يكن “نفقة”، أو إذا كان الدين موثقا بتأمين عيني، أو إذا ثبت وجود أموال للمدين كافية لأداء الدين وقابلة للحجز عليها.

الأمانة العامة في المجلس القضائي، قالت الخميس الفائت، إنّ جميع الأشـخاص المحكومين بدين قيمته أقل من 5 آلاف دينار، غيـر مطلوب منهم مراجعة دوائر التنفيذ أو التحصل على كف طلب، لأنهم غيـر مطلوبين قضائيا في جميع القضايا، باستثناء القضايا العمالية وقضايا المطالبة بأجور عقار.

الوضع في المحاكم يشهد اكتظاظا من قبل المدينين الذين يقدمون لعرض تسوية قانونية بينهم وبين الدائنين. 

آثار اجتماعية

مع عودة حبس المدين تبرز آثار اجتماعية بحسب أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي؛ إذ “من سيدفع الثمن حسب أرقام الوزير، من هم أقل منهم مدانين بأقل من 20 ألف دينار يبلغ عددهم 137 ألف مواطن ومواطنة، لو قبضنا عليهم ووضعناهم في السجون، ستتكبد الحكومة ملايين الدنانير سنويا، وستتوجه أسرهم إلى صندوق المعونة الوطنية للحصول على مساعدات، إذا تشير الإحصائيات إلى أن 15 بالمئة من النزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل تتلقى أسرهم مساعدات مالية من الصندوق”.


الخزاعي أشار في حديث خاص لـ “الحل نت” إلى أن المدين لن يستطيع سداد دينه وهو في السجن، ناهيك عن الآثار الأسرية لسجن رب الأسرة، وفي حال لم يتم القبض عليهم يبقون مختبئين ولا يذهبون إلى العمل منهم 18 بالمئة من الإناث مقترضات من البنوك وحدها، ويصل عددهن إلى ربع مليون سيدة”.

مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل التابعة لمديرية الأمن العام، العميد فلاح المجالي، قال إن نسبة النزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل وصلت إلى 163 بالمئة من سعتها الكاملة، وذكر أن آخر تمديد لأمر الدفاع 28 شهد تخفيضا كبيرا في قيمة الديون والمطالبات المالية ولم نشهد خلال الأشهر الماضية أي مشاكل بشأن أعداد المدينين.

المجالي أضاف خلال اجتماعه مع اللجنة القانونية بمجلس النواب في نيسان/أبريل الماضي أن “هناك اكتظاظا في السجون، لكن على ما يبدو فإن تخفيض نسبة الدين القابل للحبس لم ترافقه مشاكل جوهرية جسيمة في ما يتعلق باستقبال السجون للأشخاص المدينين، وقد رافق التخفيض إجراءات تسوية بين المدينين والدائنين، ساهمت بتقليل أعداد الأشخاص الذين كان يمكن تنفيذ قرارات الحبس بحقهم”.

الخزاعي حذر من المزيد من الاكتظاظ في السجون، داعيا الحكومة لحل لهذه الأزمة، ونشر مفهوم العدالة التصالحية بين الناس، خصوصا في ظل هروب آلاف الأردنيين خارج البلاد خوفا من السجن، مع مراعاة البعد الإنساني للمدين، والبعد الحقوقي للدائن.

قضية الدائن والمدين في الأردن تبقى في شد وجذب من الحكومة والحقوقيين، لكن ذلك يدعو إلى تعديل القوانين بما يتناسب مع التزامات المملكة بالعهود والمواثيق الموقعة عليها، وعدم المساس بحقوق الدائن والحفاظ عليها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات