مع تقدم ملف التقارب العربي مع دمشق، شهدت الفترة الماضية تراجعا كبيرا في دور المعارضة السورية بمختلف مكوناتها على التأثير في الملف السوري، خاصة مع فشل “اللجنة الدستورية السورية” في تحقيق أي تقدم من خلال التفاوض مع دمشق في العملية السياسية بالبلاد.

محاولات عديدة تسعى من خلالها المعارضة إلى إعادة ترتيب أوراقها، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول الدور الذي يمكن لهيئات المعارضة أن تلعبه في الملف السوري خلال الفترة القادمة، لا سيما بعد التقارب العربي مع دمشق، وحديث العرب عن مبادرات محتملة لتنفيذ القرارات الأممية في سوريا.

فبعد مرور أكثر من 12 عاما على اندلاع الاحتجاجات في سوريا ضد السلطة الحاكمة، والتي تحولت إلى حرب دامية فيما بعد، لم تعد المعارضة السياسية والعسكرية تحظى بالزخم ذاته الذي حظيت به خلال سنوات النزاع الأولى، خاصة بعد الانفتاح العربي على دمشق، والذي حدّ من قدرة المعارضة على فرض شروط لتحقيق مطالبها في البلاد.

اعتراف المعارضة بتراجع دورها

في اعتراف منها على تراجع دورها السياسي في سوريا، اعتبرت “هيئة التفاوض لقوى المعارضة السورية”، أن عودة دمشق إلى الجامعة العربية، قد تجعلها ترفض المضي في العملية السياسية، خاصة وأن جميع المحاولات السابقة ضمن اللجنة الدستورية فشلت بعد جولات عديد من التفاوض بين الحكومة السورية والمعارضة في التوصل إلى دستور للبلاد.

“هيئة التفاوض لقوى المعارضة السورية”، اجتمعت قبل أيام في مدينة جنيف السويسرية على وقع التطورات السياسية في الملف السوري، ودعت في بيان إلى ترتيب بيتها السياسي، عبر “إعادة النظر بعين النقد الحازم في الممارسة السياسية والتزام الشفافية والإحجام عن ممارسات التدمير الذاتي واستخلاص الدروس من أخطائنا لإصلاح بيتنا السياسي”.

“هيئة التفاوض” رحبت بصياغة علاقة صحيّة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، مؤكدة دعمها لأي تحرك من شأنه تعزيز استقلالية المجتمع المدني وزيادة فاعليته، لتنظيم المجتمع المدني وتطوير قدراته وأدائه. 

كذلك ناقش الاجتماع في جنيف الملامح العامة للمبادرة العربية بشأن سوريا، وفقا لمبدأ “خطوة مقابل خطوة”، بحسب بيان عمّان الصادر عن عدد من وزراء الخارجية العرب، وكذلك “إعلان جدّة” الصادر عن القادة العرب، مؤكدة تمسكها بالقرار 2254 حيث طالبت بدعم جهود الأمم المتحدة لتطبيق الحل السياسي الشامل في سوريا. كما ناقشت “هيئة التفاوض السورية” الاجتماعات الثلاثية والرباعية في موسكو والبيانات والتصريحات التي صدرت عنها.

تبدو خيارات المعارضة السورية خلال الفترة القادمة محدودة، فمشاركة المعارضة في أي مبادرة سياسية قادمة، ستتوقف ربما على موقف الدول العربية من “هيئات المعارضة”، خاصة وأن العرب كانوا قد أعلنوا في مناسبات عدة نيّتهم تقديم مبادرة لدفع العملية السياسية في سوريا، بما يضمن تنفيذ القرارات الأممية وتحديد القرار 2254، فيما لم تأت الدول العربية على ذكر أو تحديد دور المعارضة في هذا الطرح.

بيان “هيئة التفاوض”، طالب بدوره الدول العربية “بدعم جهود الأمم المتحدة لاتخاذ كل ما يلزم من قرارات لتطبيق الحل السياسي الشامل وفق منطوق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 فالظروف الدولية والإقليمية والسورية، والحراك النشط الخاص بالمسألة السورية يؤمن ظرفا مناسباً باستئناف المفاوضات المباشرة حسب مدرجات القرار المذكور كافّة وفق جدول أعمال وجدول زمني محدديَن وعدم اقتصارها على استئناف أعمال اللجنة الدستورية”.

ماذا عن القرارات الأممية؟

الباحث في العلاقات الدولية عامر المالكي، استبعد أن يكون هناك دور هام لـ”هيئة التفاوض لقوى المعارضة السورية”، لا سيما في ظل تبعية العديد من شخصيات الهيئة للدول الغربية وتركيا التي لا يهمها وحدة الأراضي السورية، والوصول إلى صيغة تضمن حلا يشمل جميع الأراضي السورية، متوقعا أن يكون هناك تجاهل تام للقرارات الأممية خلال المرحلة القادمة في ظل التقارب العربي مع دمشق.

المالكي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “أغلب الشخصيات في هيئة التفاوض يحملون فكرة الحل في إطار التدخل التركي، كذلك فإن فكرة إحداث دولة جديدة موجودة لدى هيئة التفاوض، وهذا لن يفضي إلى حل نهائي للملف السوري، صحيح أن سقف مطالبهم عالية وتتحدث عن ضرورة حدوث انتخابات نزيهة وحكومة مشتركة، لكنهم مستعدون دائما للتنازل عن هذه المطالب”.

زيادة وتيرة التقارب العربي، يبدو أنها ستقلل من تأثير المعارضة السورية على الملف السورية، كذلك فإن المالكي توقع حدوث ما سماه “انقلاب” على القرارات الأممية، في ظل تراجع الدور الأممي في سوريا، على حساب تقدم دور الدول العربية بعد التقارب مع دمشق.

حول ذلك أضاف، “بالنسبة للقرار الأممي 2254، سيتم الانقلاب عليه لأن من أسسه إقامة انتخابات حرة نزيهة، وبشار الأسد لن يرحل والكل يطبع مع بشار الأسد من أجل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وهذا لن يحدث، برأيي سيتم الانقلاب على القرار سواء عالميا أو عمليا على أرض الواقع، فالدول العربية تقف حاليا مع سوريا في إطار وجود بشار الأسد كرئيس للدولة”.

قد يهمك: زيارة بلينكن إلى السعودية.. الاقتصاد والأمن أولوية؟

خلال اجتماعها الأحد، حثّت المعارضة السورية على استئناف المحادثات مع الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك عقب عودته إلى جامعة الدول العربية بعد سنوات من العزلة الدبلوماسية. وأعلنت “هيئة التفاوض السورية” عن توفر الظروف المناسبة لاستئناف المفاوضات المباشرة، وذلك في إطار جدول أعمال محدد وجدول زمني.

“اللجنة الدستورية السورية” كانت آخر مسارات العملية السياسية التي بدأت عملها أواخر عام 2019 برعاية أممية، لكنها فشلت في تحقيق أي نتائج تدعم مسار الحل السياسي في البلاد ضمن القرار 2254 لمجلس الأمن الدولي، ما دل على تراجع الدور الأممي لدفع الحل السياسي في سوريا.

المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، حاول في عديد المناسبات إعادة إحياء العملية السياسية في سوريا، عبر الأمم المتحدة، لكنه دائما ما كان يصطدم بعوائق كبيرة، أبرزها عدم تعاون دمشق بجدية مع الآليات الأممية للحل السياسي في سوريا، وقد أجرى العديد من الاتصالات مع عواصم عربية بهذا الشأن دون جدوى فعلية حتى الآن.

مشهد ضبابي

حتى الآن يبدو المشهد ضبابيا فيما يتعلق بجهود الحل السياسي في سوريا، فهناك آلية فشلت في تحقيق أي تقدم يُذكر عبر الأمم المتحدة وهي ما تزال مستمرة، وهناك جهود قادمة من الدول العربية لدفع العملية السياسية في البلاد، ما يطرح التساؤلات حول إمكانية انتهاء الدور الأممي، أو ظهور آلية مشتركة بين الأمم المتحدة والدول العربية لحل تعقيدات الملف السوري.

في ظل الصراعات الدولية العديدة التي ازدادت وتيرتها خلال السنوات الماضية، انخفض الاهتمام الدولي بالملف السوري إلى أدنى مستوياته خلال 12 عاما، وهو ما جعل الجهود الدولية تتوجه إلى ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة للمجتمع الدولي على حساب الملف السوري، وهو ربما ما قصده بيدرسن في تصريحات سابقة عندما قال “إن المناخ الدولي يصعّب الحل الشامل في سوريا”.

دور المعارضة السورية يبقى على ما يبدو معلّقا إلى حين تبلور المبادرة العربية التي يجري الحديث عنها خلال الأشهر القليلة الماضية، على احتمال أن تتلقى المعارضة دعوة من قبل العرب، لمشاركة محتملة في صياغة مبادرة ما من شأنها دفع العملية السياسية في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات