في زمن تتصاعد فيه التحديات ويزداد القلق بشأن البيئة والصحة، يطرح الارتفاع المروّع بأسعار العسل في سوريا تساؤلات مرعبة حول مصير مربيّ النحل وصناعة العسل، فهل السوريون على وشك فقدان هذا الكنز الطبيعي الذي يعتبره البعض أشفى الأطعمة وفائدة من العلاجات الطبية التقليدية.

عندما يتعلق الأمر بمربي النحل في سوريا، يتطلب التفكير والتحليل العميق لفهم الجهود التي يبذلونها والتضحيات التي يقدمونها لاستخلاص العسل النقي من عروق الطبيعة. فقد اشتهرت هذه الفئة المهمة من المزارعين بقدرتها على التعامل مع النحل، والعمل بجد للحصول على منتج يفوق التوقعات.

ارتفاع الأسعار والأرباح ليست جيدة

خلال الأشهر الأخيرة، ارتفع سعر العسل بمعدلات مقلقة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة التي يواجهها مربّو النحل في البلاد. فقد بلغ سعر كيلو العسل الجبلي في العاصمة دمشق أرقاما تتراوح بين 150 و250 ألف ليرة سورية، وسعر كيلو العسل بشهده ارتفع إلى 75 إلى 90 ألف ليرة سورية. وحتى العسل الجبلي بشهده نفسه يشهد زيادات غير مسبوقة في أوقات معينة، حيث يصل سعره إلى 100 ألف ليرة سورية للكيلو.

ضعف إنتاج العسل في سوريا - إنترنت
ضعف إنتاج العسل في سوريا – إنترنت

لا يمكن تجاهل صوت المربّين القلق الذين يرون أن العسل الجبلي هو النوع الأكثر شهرة والأكثر طلبا، ومع ذلك، فإن الأسعار المرتفعة في الوقت الحالي تؤدي إلى تراجع الاهتمام بهذا الكنز الطبيعي. ويؤكدون أن العسل التجاري هو الأكثر طلبا في الوقت الحالي، والذي يتراوح سعره بين 60 و90 ألف ليرة سورية للكيلو. وما يميز هذا النوع هو تغذية النحل بمحلول سكري مائي بدلا من الرحيق النقي، وبالتالي، يفتقد هذا الصنف العسلي للفوائد الطبية التي يسعى الناس إليها في العسل.

صعوبات العمل بقطاع تربية النحل في سوريا تُعدّ تحديا شاقا، وهذا ما أكده محمد حسن، أحد العاملين في هذا المجال بمنطقة ريف حماة لصحيفة “الوطن” المحلية أمس الثلاثاء، مشيرا إلى نقص اليد العاملة وتراجع الطلب وزيادة المعروض، مما يؤدي إلى انخفاض الأرباح. حيث أصبح العمل في هذا المجال غير محبذ لدى الكثير من الناس، لأنه يتطلب ساعات طويلة ويشوبه مخاطر جني العسل، مقابل عائد مالي ضئيل.

سعر خلية النحل يتراوح بين 1.5 و3 ملايين ليرة سورية، اعتمادا على عدد النحلات الموجودة فيها، والتي تتراوح بين 15 و30 ألف نحلة في الخلية الواحدة، ناهيك عن أن السعر يختلف من منطقة إلى أخرى، نظرا للتباينات المناخية ودرجات الحرارة وكمية الأمطار السنوية.

بعض المربين يلجؤون إلى استخدام خلايا مصنوعة من الشمع الصناعي بتكلفة لا تتجاوز 750 ألف ليرة سورية للخلية الواحدة، وهذا ينتج عسلا ذو جودة منخفضة في معظم أصنافه. فيما يوضح حسن أن سعر ملكة النحل بمفردها يصل إلى مليون ليرة سورية.

من جهته، عبد الرحمن قرنفلة، خبير برامج وأبحاث النحل في “المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة”، بيّن أن إنتاج العسل في هذا العام لم يكن جيدا بسبب التقلبات المناخية المستمرة في جميع أنحاء العالم.

الأصلي غالي والرخيص مغشوش

طبيعة عمل النحل في سوريا تعتبر أحد العوامل التي تميز العسل السوري، كما أشار قرنفلة. فعلى سبيل المثال، عسل حب البركة، لا يقتصر العسل على نسبة حب البركة وحده، بل يكون مزيجا من 80 بالمئة حب البركة و20 بالمئة رحيق من مجموعة متنوعة من النباتات، حيث يقوم النحل بجمع رحيقه من نباتات متنوعة في نطاق يصل إلى 3 كيلومترات حول الخلية. 

إنتاج العسل في سوريا يتراجع - إنترنت
إنتاج العسل في سوريا يتراجع – إنترنت

هذا بدوره يختلف عن أصناف العسل في البلدان الأخرى، فقد يكون هناك عسل من نوع واحد فقط، مثل عسل زهرة “عباد الشمس” في الولايات المتحدة.

أما عن الصعوبات التي تواجه هذا القطاع، لفت قرنفلة إلى أنه بالإضافة إلى التغيرات المناخية التي أثّرت على الإنتاج، يواجه النحّالون صعوبة في التعبئة والتغليف، مما يعوق عملية التصدير. وبالإضافة إلى ذلك، لا تتوفر معامل زجاجية خاصة لتصنيع أصناف جذابة للمستهلك، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف التصنيع، حيث يمكن أن يصل سعر القالب الواحد في تلك المعامل إلى 100 مليون ليرة سورية في بعض الأحيان.

أيضا أحد التحديات الأخرى التي يواجهها هذا القطاع هو الغش، فكلما ارتفعت أسعار المنتجات، زادت حالات الغش فيها. ولحل هذه المشكلة، اقترح قرنفلة تشديد المراقبة على المنتجات من خلال لصاقة ليزرية غير قابلة للتزوير، خاصة وأن مربيّ النحل في سوريا مسجلون في نقابة المهندسين الزراعيين أو “لجنة النحّالين” باتحاد غرف الزراعة أو الجمعية الفلاحية باتحاد الفلاحين.

نحل مهجن وغير سوري

رئيس “اتحاد النّحالين العرب” في سوريا، إياد دعبول، أكد أنه في الوقت الحالي لا يوجد استيراد لنحل أجنبي، ولكن هناك بعض ملكات النحل الأجنبية التي تدخل سوريا بطرق غير نظامية، موضحا أن الاستيراد مسموح به ضمن ضوابط معينة، ولكنه يرى أن وجود النحل المحلي يكفي لتلبية الاحتياجات المحلية في سوريا.

إنتاج العسل في سوريا يتراجع - إنترنت
إنتاج العسل في سوريا يتراجع – إنترنت

استيراد النحل بحسب دعبول يتطلب تكلفة مالية كبيرة نظرا للوسيلة التي يتم بها النقل وهي الطيران. وبنظره، فإن وجود النحل المحلي هو الأكثر ملاءمة للبيئة السورية بالمقارنة مع النحل المستورد. لكن النّحالين يسعون لزيادة إنتاجهم ويبحثون باستمرار عن ملكات ذات إنتاجية عالية من أي دولة في العالم، ويمكنهم إدخالها مع أي مسافر بسبب صغر حجمها. فعلى سبيل المثال، حجم 5 ملكات نحل لا يتجاوز 2 سم × 5 سم.

وبحسب دعبول، يؤثر دخول هذه الملكات الأجنبية على السلالة السورية، وغالبا ما تعطي تلك الملكات إنتاجية مرتفعة لموسمين فقط، ثم يحتاج النّحال إلى استبدال الملكة بأخرى جديدة، وهو ما دفع ببعض مربي النّحـل إلى إدخال سلالات أجنبية هجينة إلى السلالات السورية الصافية والتي تُعد غير مناسبة للبيئة السورية.

تراجع إنتاج العسل لهذا العام، بحسب المطّلعين على واقع المهنة يرجع إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وخاصة تكاليف النقل، حيث يضطر النّحال إلى نقل خلايا النحل بين المحافظات سعيا وراء المراعي، بالإضافة إلى ارتفاع قيم باقي مستلزمات الإنتاج، بدءا من خلايا النحل الخشبية مرورا بملابس النّحالين وشمع الأساس والأدوية اللازمة لمكافحة الآفات وعبوات التعبئة والتغليف.

أسعار العسل في سوريا، ارتفعت بنسبة قد تصل إلى 150 بالمئة، وهذا ما حدث بالفعل، حيث اضطر النّحالون هذا العام لدفع ما بين 800 – 1500 ليرة للفلاح على كل خلية يضعها في أرضه، في وقت يدفع الفلاحون في معظم دول العالم 8 دولارات للنّحال على كل خلية لقاء إبقائها في أرضهم لما لها من منافع على المحصول.

قبل عام 2011، كانت سوريا تعتبر واحدة من الدول المنتجة للعسل، حيث كانت تنتج حوالي ثلاثة آلاف طن من العسل سنويا، ومعظمها كان مخصصا للتصدير إلى الأسواق العربية والأوروبية. ومع ذلك، فقد تراجعت أعداد النحل في البلاد في السنوات الأخيرة.

هناك عدة عوامل أسهمت في هذا التراجع، مثل الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية التي تؤثر سلبا على النحل، وتدهور حالة المراعي نتيجة الحرائق الأخيرة وقلة التنوع النباتي، وتصورات المزارعين الخاطئة بأن النحل يمكن أن يلحق الضرر بمحاصيلهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات