جدل سياسي يعيشه العراق مجددا، بعد أن طرحت الحكومة في جلستها الأخيرة موضوع تعديل قانون العفو العام، وقانون مكافحة الإرهاب، حيث تصرّ القوى السّنية على تعديل القانون على أمل إخراج آلاف المعتقلين الذي قضوا سنوات في السجون على إثر محاكمات غير عادلة كما يقولون، أو على خلفية اعتقالهم بنظام المخبر السري، الذي اعتمدته حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

الحديث عن تعديل القانون ليس وليد اللحظة، بل كانت القوى السّنية قد وضعته شرطا أساسيا في مرحلة تشكيل الحكومة، وبحسب المعلومات التي وردت في هذا الشأن حينها، فإن الأطراف الشيعية قد وافقت على هذا الشرط، غير أنه وبعد طرح الحكومة الحالية إمكانية تعديله، سرعان ما أبدت بعض القوى الشيعية موقفا مغايرا لما روّج له بأن اتفاقا سياسيا بشأن تعديل القانون قد حُسم سابقا.

فقد أعلنت رئاسة الحكومة العراقية الثلاثاء الماضي، تشكيل لجنة بغرض إجراء تعديلات على “العفو العام” و”مكافحة الإرهاب”، وفق تصريحات أدلى بها وزير العدل خالد شواني، حيث أوضح في مؤتمر صحافي، الأربعاء الماضي، أن الحكومة شكلت في نيسان/أبريل الماضي، لجنة لغرض إعداد مشروع قانون العفو العام، مبيناً أنه سيكون إنجازا لجميع الكتل السياسية المنضوية داخل ائتلاف إدارة الدولة.

قانون العفو العام بين الرفض والقبول

لكن موقف الحكومة من تعديل القانون، قوبل باستغراب كبير من قبل لجنة الشهداء في “البرلمان” العراقي، حيث عبرت عن رفضها لذلك، من خلال الدعوة إلى إبعاد هذه القضايا عما سمته التوافقات السياسية والمساومات الرخيصة، للحفاظ على كرامة الدستور، وفق تعبيرها.

اللجنة قالت في بيان لها، نستغرب اليوم أن يطرح “مجلس الوزراء” في جلسته موضوع قانون العفو العام وتعديل قانون مكافحة الإرهاب، حيث يتضمن هذا القانون تخفيض وتخفيف العقوبات عن المجرمين فضلا عن إطلاق سراحهم وخصوصا المجرمين من المشاركين والمساهمين والممولين للعمليات الإرهابية.  

في حين أكدت بعض القوى السّنية المدافعة عن تعديل القانون، بأن هناك أحكاما بين 10 و15 سنة صدرت ضد عدد كبير من المراهقين أعمارهم كانت في وقت الحكم بين “13 و15 سنة” بتهمة الانتماء إلى “داعش”، ورأت هذه القوى أن الوقت حان لإطلاق سراح هؤلاء المتهمين المراهقين عبر قانون العفو العام الجديد، خصوصا أن تقديرات الحكومة تتحدث عن وجود نحو 80 ألف معتقل في العراق.

من جانبه، زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، الذي تضعه الولايات المتحدة الأميركية على لوائح الإرهاب، قال إن قرار الحكومة استهتار بالأرواح البريئة التي أُزهقت، ومحاولات تهدف إلى تعريض الأمن الداخلي للخطر.

الأمر الذي عكس مدى هشاشة العقد السياسي الذي عقدته القوى السياسية للمضي في تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، داخل ائتلاف “إدارة الدولة” الذي يضم جميع القوى السّنية إلى جانب الحزبين الكرديين “الديمقراطي” الكردستاني، و”الاتحاد الوطني” الكردستاني، وجميع القوى الشيعية باستثناء “التيار الصدري”.

قانون العفو العام وتداعياته على العراق

حول ذلك، أشار المهتم في الشأن السياسي علي الشمري، إلى أنه يجسّد مدى التزام القوى السياسية العراقية في وعودها، وهي حالة ساهمت بشكل كبير في فقدان الثقة بهذه القوى السياسية سواء كان فيما بينها، أو على المستوى الجماهيري، حيث تسيطر حالة فقدان الثقة على كل العملية السياسية في العراق.

مطالبات بإلغاء قانون العفو العام في العراق/ إنترنت + وكالات

الشمري قال في حديث لموقع “الحل نت”، إن هذه الحالة ليست الأولى من نوعها، فعلى مدار العملية السياسية التي شهدها العراق ما بعد العام 2003، كان نقض العهود حاضرا باستمرار، وعلى الرغم من أن هذه الحالة قد كلفت الدولة العراقية الكثير، إلا أن أغلب الأطراف لا تزال متمسكة بهذا السلوك على أنه جزء من المناورات السياسية.

إذ كلف نقض الوعود بين القوى السياسية العراق الكثير، على مستوى الاستقرار السياسي والأمني، ومن بين ذلك ما شهده العراق إبان حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، عندما تسبب نكثه للوعود مع القوى السياسية إلى سقوط ثلث مساحة العراق بيد “داعش”، لذلك من المؤكد أن هذه الحالة يمكن أن تؤدي مجددا إلى انسحاب بعض القوى السياسية من الحكومة الحالية، ما يهدد استقرارها واستقرار البلاد.

فيما أوضح رئيس “مركز التفكير السياسي” إحسان الشمري، أن هذا القانون كان ولا يزال جزءاً من ورقة الاتفاق السياسي باعتبارها تمثل مطلباً أساسياً للقوى السّنية بغرض إرضاء جمهورها وتصحيح بعض المسارات الخاطئة، أو التدقيق في الأحكام التي كانت قد صدرت سابقا.

الشمري أكد أن هذا المشروع الخاص بمشروع العفو تأخر، سواء من قِبل الحكومة أو “البرلمان”، ومن ثم فإن الإرادة السياسية لبعض الزعامات لا تمضِ مع التعديل أو تشريع قانون جديد، لأن من شأن ذلك أن يحقق مكاسب لبعض الزعامات السياسية السّنية، ما يكسبها قوة وحضورا أكبر، يضاف إلى ذلك أن “الإطار التنسيقي” هو الآن في حرج كبير أمام جمهوره؛ كونه تعرض لانتقادات كبيرة من قِبل جمهوره حول عدد من القضايا.

محاولات رفض القانون

كما أشار إلى أن هناك محاولات لرفض هذا القانون بشكل قاطع، فضلا عن أن تأجيله من قبل “مجلس الوزراء”، عبر تشكيل اللجان، وهو ما يؤكد عمق الأزمة، حيث يلمس “مجلس الوزراء” ذلك، وهو ما يعني دخول البلاد في أزمة كبيرة.

قانون العفو العام يشعل جدلا في العراق/ إنترنت + وكالات

هذا وكان “البرلمان” العراقي أقرّ نهاية آب/أغسطس 2016، قانون العفو العام بعد خلافات سياسية طويلة. لكن كتلاً نيابية اعتبرت أنه قد أُفرغ من محتواه، بعد حذف عدد من البنود والفقرات المتعلقة بمراجعة ملف المحكومين وظروف محاكمتهم، لكن في عام 2017 أُجري عليه عدد من التعديلات.

أبرز التعديلات حينها تضمنت شمول الأشخاص المعتقلين من الذين تُجرى تسوية بينهم وبين ذوي الحق الشخصي بالعفو، بالإضافة إلى شموله من يتم تسديد ما بذمتهم من أموال للمصلحة العامة عن جرائم الفساد.

جدير بالذكر أن “مجلس النواب” العراقي يتولى صلاحية تشريع القوانين والتصويت عليها، بما في ذلك قانون العفو العام، وذلك بموجب الدستور العراقي، لذلك، لا يحق لرئيس الوزراء العراقي تشريع القوانين بشكل فردي، بل يمكنه فقط تقديم مشروع قانون ليُصادق عليه “مجلس النواب”.

وسط ذلك، فإن العملية السياسية في العراق تمر بمنعطف جديد، لا يبدو واضح ما إذا سيكون بإمكان القوى السياسية تجاوزه أم لا، الأمر الذي يضع البلاد أمام تحد خطر ربما ينعكس على مستوى حال المواطنين، مع استمرار معاناة المعتقلين الذين ينتظرون ما يفرج عنهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات