بينما ينتظر العالم إلى أي مدى سيصل التقارب الإيراني الخليجي؛ تستمر طهران في تحركاتها الرامية إلى توسيع علاقاتها مع دول المنطقة، مرتكزة بذلك على تحسّن علاقاتها مع السعودية، ودور الوساطة الذي تلعبه سلطنة عمان، حيث أنهى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، نهاية الأسبوع الماضي، جولة موسعة إلى منطقة الخليج شملت زيارة أربع دول.

الجولة التي شملت زيارة الإمارات والكويت وقطر وعمان، جاءت لتكون الجولة الأوسع للمسؤول الإيراني في المنطقة، منذ إعلان مصالحتها مع السعودية في الثلث الأول من شهر آذار/مارس الماضي، وإنهاء قطيعة استمرت منذ العام 2016، وتركت آثارها بشكل كبير على مستوى عزلة إيران التي تسعى جاهدة في الوقت الحالي لكسرها، في محاولة للتغلب على العقوبات الدولية المفروضة عليها.

زيارات المسؤول الإيراني استمرت منذ 20-22 حزيران/يونيو، وركزت على مناقشة مستجدات المنطقة وسبل تعزيز التعاون نحو تحقيق الاستقرار فيها، والقضايا الإقليمية والدولية، ومن بينها الاتفاق النووي والمفاوضات المتعلقة به، وذلك بحسب اللقاءات المعلنة بين الوزير الإيراني والمسؤولين الخليجيين.

حيثيات زيارة وزير الخارجية الإيراني لمنطقة الخليج

الجولة جاءت بعد أيام من زيارة أجراها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى طهران، هي الأولى له ضمن خطوات إعادة العلاقات بين البلدين، وبعد أن أعادت طهران فتح البعثات الدبلوماسية الإيرانية بشكل رسمي في السعودية خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري، بينما يُنتظر أن تقوم الرياض بخطوة مماثلة بعد عيد الأضحى الذي أعلنت أغلب الدول الإسلامية أن غدا الأربعاء أول أيامه.

وزير الخارجية الإيراني يلتقي رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان في ختام جولته إلى منطقة الخليج/ إنترنت + وكالات

إلى ذلك، التقى وزير الخارجية الإيراني خلال جولته أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وتبادل معه وجهات النظر حول أبرز القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما تطورات الأوضاع في المنطقة، في حين بحث مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مجالات الاقتصاد والاستثمار والتجارة البينية، وآخر مستجدات الاتفاق النووي، إلى جانب مناقشة عدد من القضايا الإقليمية والدولية، منها الأوضاع بأفغانستان والأزمة الأوكرانية.

فيما تبادل أيضا مع نظيره العماني بدر البوسعيدي، وجهات النظر حول عدد من القضايا والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، كما التقى في مسقط وفدا من مليشيات “الحوثي”، وجرى الحديث عن أن اللقاء جاء في سياق مجريات وقف الحرب في اليمن التي تقودها السعودية والولايات المتحدة الأميركية و”الأمم المتحدة”، في حين ناقش في الكويت الارتقاء بمستوى التعاون المشترك في عدد من الميادين الحيوية والهامة، لا سيما الاقتصادية والاستثمارية منها، وفق ما جاء في بيانات منفصلة.

أما في الإمارات، التي كانت المحطة الرابعة والأخيرة التي اختتم منها المسؤول الإيراني جولته، فقد التقى رئيس البلاد الشيخ محمد بن زايد، وقدم له دعوة من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة طهران، فيما ناقش الجانبان العلاقات الثنائية في أبعادها السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والقنصلية، واتفقا على تعزيز التعاون الثنائي، خاصة في المجالين التجاري والاقتصادي، وعلى استخدام المبادرات لتعزيز التعاون الإقليمي في إطار المصالح المشتركة لدول المنطقة.

في ختام الجولة، قال عبد اللهيان عبر حسابه على موقع “تويتر” إن استمرار التنمية الشاملة للعلاقات مع الجيران أحد المحاور الأساسية في عقيدة السياسة الخارجية المتوازنة للحكومة، وأن جيران إيران لديهم قدرات كثيرة في مجال الاقتصاد والتجارة والسياسة، مشيرا إلى أن رفع التحديات مع المشاركة الجماعية لدول المنطقة؛ هو الوسيلة الفضلى لتحقيق تقدم الأمم وضمان أمن “الخليج الفارسي”.

جولة إيرانية إلى الخليج من دون مكاسب

لكن مع ذلك ورغم الحراك الدبلوماسي الحثيث التي تُجريه طهران، قد لا تكون هناك في الأفق أي نتائج إيجابية، كما يرى الخبير في الشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن، ويقول إن حالة انعدام الثقة هي المسيطرة بين دول الخليج وإيران، بسبب سلوك الأخيرة الذي تنادي من خلاله بأمن المنطقة وتعمل واقعا على تقويضه من خلال التفجيرات وأنشطة “الحرس الثوري” والزوارق المنتشرة في مياه الخليج العربي والتي تهدد الملاحة الدولية وتتعرض للسفن التجارية.

وزير الخارجية الإيراني يتلقي نظيره العماني أثناء زيارته سلطنة عمان ضمن جولته إلى منطقة الخليج/ إنترنت + وكالات

بالتالي إن هذه العوامل قد أفقدت الدول الخليجية ثقتها بالوعود الإيرانية، غير أن إيران تحاول استثمار إعادة علاقاتها مع السعودية في طمأنة باقي الدول الخليجية من خلال إحيائها لدول المنطقة بأنها صادقة في هذه العلاقة، لكن من الصعب أن تنجح في ذلك، كما يعتقد عبد الرحمن، الذي أشار في الوقت ذاته إلى أن الدول العربية التي تعتمد على الاقتصاد بشكل كبير ترحب في أي تهدئة بالمنطقة.

عبد الرحمن وفي حديث مع موقع “الحل نت”، بين أن إيران تريد استغلال ذلك بالتعبير من خلال تحركاتها الدبلوماسية عن أنها صادقة في علاقاتها، على الرغم من أن واقع الأمر مختلف تماما، لافتا إلى أن إيران تهدف من خلال هذه الزيارة والزيارات التي سبقتها، وما قد يعقبها من زيارات أخرى، إلى التأثير على مسار العلاقات العربية مع إسرائيل، حيث طبّعت العديد من الدول علاقاتها مع تل أبيب، وهو ما يشكل طوقا على إيران من الجنوب والشرق أي من الخليج العربي وحتى بحر العرب.

أصبحت القوات الإسرائيلية البحرية ضمن الأسطول الخامس المتواجد في البحرين، ومع التواجد الإسرائيلي في أذربيجان بشكل كبير وأيضا في شمال العراق؛ تريد إيران تقويض هذه العلاقات أو إضعافها على الأقل. والهدف الثاني يتمثل بمحاولات إيران تعزيز تعاوناتها الاقتصادية مع الدول العربية لتوسعة نطاق عملها التجاري، وبغية تخفيف الضغط الإعلامي العربي حيث أثّر بشكل كبير على المصالح الإيرانية وحتى الداخل الإيراني، من حيث دعم الاحتجاجات التي شهدتها إيران مؤخرا.

الخبير في الشأن الإيراني، أوضح أن إيران تعاني من تضخم اقتصادي كبير ولا تزال الاحتجاجات في الداخل مستمرة، لذلك تريد طهران تخفيف الضغط الإقليمي والدولي للسيطرة على وضعها، غير أنه لا يمكن الوثوق في النظام الإيراني ابدا، ولذلك لن تحقق هذه الجولة أهدافها، وهو ما سيُبقي إيران في عزلتها الدولية، مبينا أن الدول العربية لا تزال تتعامل مع إيران بتحوّط كبير اقتصاديا بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها، لذلك لا يمكن بناء علاقات اقتصادية مجدية.

عبد الرحمن أكد أنه، ليست الدول العربية وحدها من لا تستطيع بناء تبادل تجاري واقتصادي مع إيران، بل حتى حلفاءها الذين عقدوا معها اتفاقيات كبرى مثل الصين حيث لم تنفذ حتى الآن مشاريعها، بالتالي لن تستفيد إيران من هذه العلاقة التي تحاول بناءها مع الدول العربية.

إيران لا تزال تمثل تهديدا لمنطقة الخليج

إلى جانب كل ذلك لفت الخبير في الشأن الإيراني، إلى أن إيران لا تزال تمثل تهديدا أمنيا في المنطقة، حيث تستمر في دعم ميليشياتها بالمنطقة، وبالمحصلة قد تستفيد إيران إعلاميا من هذه الجولة التي أجراها عبد اللهيان إلى الخليج، لكن من حيث النتائج لن تكون هناك أي مكاسب.

تحاول إيران استثمار مصالحتها مع السعودية لتوسعة علاقاتها مع دول الخليج أملا في تخفيف عزلتها الدولية/ إنترنت + وكالات

وسط ذلك، ما تزال دول الخليج تريد خطوات إيرانية عملية، سواء في وقف التدخلات في بعض الدول العربية، أو التوقف عن تهديداتها للملاحة في مياه الخليج، غير أن الجانب الإيراني لا يزال في إطار الدبلوماسية والحديث الإعلامي لا غير.

تأمل إيران أن تؤدي المصالحات بينها ودول المنطقة إلى إنعاش اقتصادها الذي تضرر كثيرا جراء العقوبات الأميركية والغربية، والتي عادت عام 2018 بعدما أوقف الولايات المتحدة العمل بالاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين الدول السّت الكبرى وإيران.

لذلك أدت العقوبات الأميركية إلى عزوف الشركات الأجنبية في الاستثمار بإيران، خاصة بعدما حصلت طهران على وعود كبيرة بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، لذلك فإن طهران توجهت نحو جذب استثمارات صينية، كما توجهت إلى دول لا تربطها علاقات بالقوى الغربية، لكن مستواها يبقى متدنيا.

اللافت في الأمر وسط ذلك، فإن استثنائية جولة المسؤول الإيراني في الخليج، لم يُعلن عنها توقيع أي اتفاقات اقتصادية خلالها، بل لم يكن هذا الملف في الأساس بارزا في أخبار الزيارات الرسمية، رغم مساعي طهران لجذب استثمارات خليجية إليها، خاصة بعد المصالحة مع السعودية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات